خلافاً لما اعتقد في البداية، لم تقض حسناء ايت بوالحسن بتفجير حزامها الناسف ولم تصبح الانتحارية الاولى تقضي على الاراضي الفرنسية .الشابة الفرنسية البالغة من العمر 26 سنة و المتحدرة من جذور مغربية قضت في تبادل النار الكثيف الذي استمر اثر من ساعتين في عملية دهم بمنطقة سان دوني واستخدمت فيه اكثر من 500 طلقة من الذخيرة.
ولكن انتحارية أم لا تبقى، صارت حسناء أسطورة .الجميع يريد أن يعرف من هي، وحتى أولئك الذين كانوا يعتقدون أنهم يعرفونها .
بالمعايير الاسلامية، لم تكن حسناء بنتاً تقليدية. تدخن وتتعاطى الحشيشة ايضا. تشرب الكحول وتسهر حتى ساعات متأخرة خارج المنزل تعاشر الشبان ونادرا ما تذهب الى المسجد.
وسائل التواصل الاجتماعي تتناقل صورة لها مستلقية في حمام صابون وتنظر الى الكاميرا مبتسمة. وعلى ذمة أحد جيرانها الذي نقلت رواياته الصحف الفرنسية والاميركية كانت "تشرب الفودكا وتذهب الى النوادي الليلية".
ولكن في أولني سو بوا حيث تعيش والدتها مع احد أولادها الاربعة ،ثمة صورة حديثة مختلفة عن حسناء.الجيران الذين يقولون إن حسناء تمضي بعض الوقت عند والدتها رووا أنها بدأت تتضع النقاب منذ فترة.
وسائل اعلام فرنسية وبلجيكية نشرت أن حسناء كتبت على حسابها على "فايسبوك" الذي أوقف أخيرا:"قريبا سأذهب الى سوريا، باذن الله".
ومع أن لا أدلة على أنها ذهبت الى هناك، قالت الشرطة إن حسناء ايت بوالحسن كانت الاولى التي فتحت النار من سلاح كلاشينكوف خلال دهم الشرطة شقة سان دوني الاربعاء الماضي.
الصحف الفرنسية ترسم صورا منسجمة لهذه الفتاة التي تحولت حلقة اساسية في هجمات حولت احد الليالي الباريسية المليئة بالحياة، لية رعب ودماء وجثث.
"لم ارها تفتح المصحف"
"الباريزيان" تنقل عن صديقة طفولة لحسناء قالت أن اسمها خميسة أنها حزينة للتحول الكبير في حياة فتاة عرفتها من كثب وذهبت معها الى المدرسة. وقالت:"لم تكن من النوع الذي يفجر نفسة...كانت مجنونة وتحب الحياة.ضلت طريقها وتأثرت بهؤلاء القتلة".
شقيقها الذي رفض ذكر اسمه قال إن اخته تبدلت جذريا في الاشهر الستة الاخيرة، وإن يكن شكك في صدق تدينها. وقال لاذاعة "أر تي أل":"كانت غير مستقرة...لقد صنعت فقاعتها الخاصة.لم أرها يوما تفتح المصحف".
أمها في الخمسينات تضع الحجاب، الا أن سكان الحي قالوا إنهم لم يروها يوماً في المسجد.وهي قالت لصحيفة فرنسية أن ابنتها تعرضت ل"غسل دماغ".
ليس واضحا بعد الدور الذي اضطلعت به حسناء في خلية عبد الحميد ابا عود، العقل المدبر لتفجيرات باريس.فهل هي كما بثت القناة الثانية في التلفزيون الفرنسي عضو في الفريق الرابع للخلية والذي كان ينوي تنفذ اعتداءات في منطقة "الديفانس" في غرب باريس أو مطار شارل ديغول؟
أيا يكن،يمثل دور حسناء كانتحارية مفترضة في هجمات باريس خروجا عن استراتيجية وايديولوجية "الدولة الاسلامية" التي اعتادت تجنيد النساء كزوجات لمقاتلين وأمهات وناشطات في الدعاية .والجهاديات اللواتي انتقلن الى سوريا تلقين تدريبات لاهداف دفاعية تحديدا، ولكن أكثر الروايات تقول إنهن لم يشاركن في المعارك.فخلافاً لجماعات اسلامية من الشيشان ونيجيريا ، بما فيها تنظيم "القاعدة" في العراق، لم يستخدم "داعش" النساء كانتحاريات.
ومع ذلك، ليست حسناء الاستثناء الوحيد في استراتيجية "داعش". إذ سبق للتنظيم المتشدد أم طالب السلطات الاردنية باطلاق "الاخت" ساجدة الريشاوي، المرأة العراقية التي فشلت في تفجير نفسها في هجمات في عمان عام 2005.
طفولة غير مستقرة
مولودة في ضاحية كليشي لاغارين الباريسية عام 1989. مارك ماسنيكوزا الذي جمع بعض الشهادات عنها في مدونة له كتب أنها تنقلت في طفولتها بين والدها ووالدتها المطلقين ومنازل ضيافة عدة.
أحدى امهات الضيافة التي ربتها فترة قالت ل"وكالة الصحافة الفرنسية" أن "الامور كانت تسير على ما يرام في البداية"، على رغم أن الفتاة كانت ترفض الغنج وترى كوابيس في الليل. وفي سن المراهقة،بدأت حسناء "تضيع".
عام 2005، وبينما كانت تمضي بعض الوقت عند والدها، كانت تلفت الانتباه بخروجها مع مجموعة من عشرة صبية وكانت الفتاة الوحيدة بينهم. كانت تضع حذاء وقبعة جلدية سوداء مثل "الكاوبوي".
في ستراسبور، يتذكرها اصدقاء لها من صيف 2011 تحديدا حيث "كانت تشرب الفودكا وتدخن الحشيش وتتسكع في علب الليل". أحد اصدقائها بقول:"لم تكن تعرف أن تقول صباح الخير بالعربية...لم يرها أحد محجبة".
في ذلك الوقت كانت تحلم بالالتحاق بالجيش الفرنسي، أو على الاقل هذا ما كانت تقوله خلال الحفلات التي كانت تقيمها في شقة والدها عندما يذهب لتمضية عطلاته في المغرب.
في أولني-سو-بوا، حيث تقيم والدتها، أدمنت منذ 2011 على الكحول أكثر فأكثر.صارت تبيت خارج المنزل.تنام في الازقة أو الشارع او على كنبة في شقة صديقة لها.
وفي 2013، عملت في مؤسسة في كليشي-سو -يوا "لان صديقا لها كان "يبحث عن شخص بلا سجل قضائي مثلها"، الا أن المؤسسة اقفلت ابوابها بعد ستة اشهر.
على صفحتها على "فايسبوك"، كتبت انها ستصير مغنية "راب".صور كثيرة لها على الصفحة بعيدة كل البعد من التدين والتطرف:في مغطس صابون وممددة على كنبة مع وشم وقميص ضيق.ثم فجأة صورة لها محجبة قبل ستة أشهر، ثم منقبة.
وفي الثالث من آب الماضي، وضعت على حسابها على "فايسبوك" صورة لحياة بومدين، صديقة أميدي كوليبالي الذي نفذ عملية احتجاز رهائن في متجر "كاشيه" في باريس.
وفي الفترة نفسها، كتبت أنها ستذهب الى سوريا قريبا "ان شاء الله"،و"قريبا الانطلاق الى تركيا".
الحلقة الاضعف
في النهاية، لقد كانت حسناء الحلقة الاضعف في الخلية ، وقد دلت المحققين من دون قصد على حميد ابا عود.
الحياتان اللتان عاشتهما مع الفودكا والنقاب، ساهما في الايقاع بها.الشرطة القضائية وضعت هاتفها تحت المراقبة في اطار تحقيق في شبكة للاتجار بالمخدرات.وبعد هجمات باريس، اضافها الامن الداخلي الى الاشخاص المراقبين لصلة القرابة بينها وبين ابا عود.فالاثنان قريبان ،إذ ان والدتيهما شقيقتان.
وبحسب "الموند"، كان ابا عود يتنقل في الشوارع من دون هدف محدد.كان يحتاج الى ملابس،اثنان على الاقل، ليبدل ملامحه.اتصل بقريبته طالبا منها المساعدة قبل أن يلجأ الثلثاء الماضي قرابة الساعة التايعة والنصف الى سان دوني.وهناك تم رصدهما.
حتى الان، يلقي دور حسناء الضوء على القدرة على تنظيم مجموعة ارهابية.ويقول مقرب من التحقيقات:"امكانات لوجيستية بدائية، لا شقة للجوء ولا فريق دعم...يتعلق الامر بحرب مدن كلاسيكية".