عندما أعلن جورج بوش الحرب على الإرهاب بعد غزوة نيويورك، أصدر الفاتيكان بياناً دعاه فيه الى عدم جعل الحرب مدخلاً يمكن ان يؤدي الى تدمير قيم الحضارة والحرية وحقوق الإنسان التي قامت عليها اميركا.
سيدي الرئيس، تحتاج فرنسا اليوم وكل الدول الأوروبية، التي تشتعل بالغضب بعد الهجوم البربري الذي تعرضت له باريس، والذي من حق كل مدينة غربية ان تتخوف من ان تكون هدفاً لجرائم وحشية مماثلة ينفذها تنظيم "داعش"، الى إستلهام المغزى المهم والعميق لبيان الفاتيكان في ذلك الحين.
نعم سيدي الرئيس، تحتاج كل أوروبا على مستوى قياداتها الى إستلهام ذلك البيان، لسبب جوهري يوازي في أهميته ضرورة العمل على خنق "داعش" وإستئصال عناصره وخلاياه القاتلة المجرمة والنائمة، وذلك لمنع هذا التنظيم المتوحش من ان يضع نظرية صموئيل هنتنغتون عن "صراع الحضارات" على نار الغضب المتأجج، بما يكون لمصلحة المتوحشين وضد الحضارة والإنسانية التي طالما شكّلت فرنسا محيطها التاريخي الأمين.
ان الحديث عن ان التنظيم يمكن ان يستعمل أسلحة كيميائية ليس مستغرباً، بعد ما إرتكبه من عراضات دموية مرعبة، لكن يجب بالضرورة على الحكومات الغربية ان تعالج وتطفئ الغيظ والذعر المتصاعدين في أوساط اليمين الأوروبي الذي يوسّع مساحاته في المجتمع، الى درجة يمكن ان تصيبه بعدوى العنف المتهور، الذي يمكن ان يؤدي الى قيام مضايقات عنفية غير مبررة، وتعديات إنتقامية عشوائية على الجاليات الإسلامية في المجتمعات الغربية، بما فيها اولئك الذين يحملون جنسيات البلدان التي نزحوا أليها او حتى ولدوا فيها، والذين يطالبون بدورهم بالقضاء على "داعش" والتنظيمات الإرهابية، بحماسة تتجاوز بالتأكيد حماسة المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها.
سيدي الرئيس، من الضروري طبعاً ان تتخذ فرنسا وكل الدول الأوروبية الإجراءآت التي تجدها ضرورية لحماية أمنها ومنع حصول جرائم مروعة جديدة يهدد الإرهابيون بتنفيذها، خصوصاً ان هذه الدول تعرف جيداً ان هناك مئات من مواطنيها وقعوا في حبائل "داعش" وإلتحقوا بوحوله الدموية في سوريا او العراق وقد عاد كثيرون منهم اليها كقنابل موقوتة.
ولكن من الضروري وبالمقدار عينه ان تسهر أوروبا جيداً، وهي قارة الديموقراطية والحضارة، على منع هذا الغضب والذعر المتناميين في أوساط اليمين الغربي من تأجيج الكراهيات والأحقاد ضد الجاليات العربية والإسلامية داخل المجتمعات الأوروبية، لأن إنفجار مثل هذه الأعمال سيكون بالتالي لمصلحة "داعش" والإرهابيين، الذين يبنون نظريتهم المريضة على معاداة وكراهية الآخر والمجتمعات والديانات الأخرى.
سيدي الرئيس، تعرف أكثر منا جميعاً ان هذا دور فرنسا وقدرها وهذا بالتالي ما يساهم في إلحاق الهزيمة بالإرهابيين!