عشية ذكرى 72 عام على استقلال لبنان عن الإنتداب الفرنسي الذي حصل "صدفة" سنة 1943 ، بعد مطالبة مسيحييه بإقامة دولة مستقلة تحت حماية فرنسا، كرد مفترض على مطالبة غالبية المسلمين يومها بالإنضمام إلى الدولة العربية برئاسة الأمير فيصل .
لم تعترف الحركة الوطنية السورية وأتباعها في لبنان من الزعماء المسلمين بالكيان اللبناني الجديد ، بالرغم من اشتراط فرنسا ذلك في المفاوضات التي جرت معها ، والتي جعلت فيها الإعتراف بالكيان اللبناني شرط أساسي لإعترافها هي باستقلال سوريا .
هذه الإشكالية الوجودية بالنظرة إلى نشوء الكيان اللبناني وبالرغم من مرور كل تلك الأعوام لا تزال رواسبها تنبض الحياة ، وتخرج إلى العلن في كل مرة يتاح لها التعبير عن نفسها ولو بأشكال مختلفة .
صحيح أنّ الدستور اللبناني حسم خبرية أنّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه وأنّه عربي الإنتماء وما إلى ذلك ، إلاّ أنّ هذا كله لم يساهم في القضاء نهائياً للأسف عند الكثير من المسلمين بالتسليم النهائي الفعلي والعملي بحقيقة أنّ لبنان وطن له كينونته وله حيز قائم بذاته .
لا بد من الإشارة هنا أنّ فكرة لبنان وطن نهائي أخذت عن المسيحيين اللبنانيين مكانها الطبيعي في الوجدان والشعور بالإنتماء وتبلورت عندهم الهوية الوطنية اللبنانية في الثقافة كما في الممارسة بما لا يمكن قياسه حتى اللحظة مع المسلميين اللبنانيين ، وازدادت الهوة بين أبناء الوطن الواحد مع تصاعد الحركات الإسلامية السياسية وخروج ما يسمى بالإسلام السياسي إلى الوجود في السنوات الأخيرة .
ومع الحديث عن الإسلام السياسي في هذه النقطة بالتحديد فإنّنا نعنيه بشقيه الشيعي والسني معاً، لأنّنا ندّعي بأنّ كليهما يبني نظرية الحكم عنده على أوهام فكرية تقول أنّ الإسلام هو دين ودولة، وبأنّ الرابط الديني وحده هو المشّكل والباني للوطن ( الأمة ) ، ولا قيمة بعد ذلك لا للجغرافيا ولا للإتفاقات الموقعة ولا لأيّ عوامل خارج عباءة هذا الفهم .
وإن كانت هذه الفكرة الإيديولوجية المبنية على سراب من التراث الفقهي هي أكثر ظهوراً عند الجانب السني ، ولا تعمد الحركات الإسلامية السنية على إخفائها ، إلاّ أن الحركات الإسلامية الشيعية وفي مقدمهم حزب الله الآن لا يختلف البتة في منظومته الفقهية عنهم بشيء ، إلاّ أنّه أكثر براغماتية ( تقية ) بحيث تسمح له براغماتيته بأن ينظّر بالعلن على خلاف ما يعتقد حقيقة .
ولعل هذه الرؤية الإسلامية الخاطئة ( بنظرنا ) لا تزال تشكل عقبة كداء أمام تبلور فكرة الوطن والمواطن عند الحركات الإسلامية، بحيث لا وجود حقيقي في مفهومهم لفكرة الوطن بالمعنى الحديث للمصطلح ، ولا قيمة عندهم للحدود الدولية المعترف بها ، فضلاً للدساتير الحاكمة لأوطانهم .
وفي هذا السياق فإنّنا نعتقد أنّ التحول الكبير في أوطاننا العربية والإسلامية إنّما يبدأ فقط عندما تنتشر فكرة أنّ الإسلام دين هداية وإنّما ليس له أيّ علاقة مطلقاً بكيفية بناء الدول والأوطان ، وأنّ الإسلام لا يملك نظرية دينية محددة بهذا الشأن وبأنّه أي الإسلام إنّما اعتبر هذا الموضوع كغيره من شؤون البشر هو أمر تدبيري لا حاجة بالرجوع إليه عند إقرار أيّ كيفية تساهم بتسيير الناس لشؤونهم، تماماً كالبلديات أو التقسيمات الإدارية أو شكل الأنظمة وما إلى ذلك .
ومع عدم تعميم أنّ الإسلام ليس دين ودولة ، يبقى الإستقلال في لبنان أو أيّ بلد عربي أو إسلامي ( باستثناء ايران ) ما هو الا مؤامرة استعمارية عملت على تفتيت الأمة، وأنّ سايكس بيكو ما هي إلاّ نقمة يجب العمل على محو مفاعيلها .