بدا مِن المواقف السياسية والمناخات الإيجابية التي نجَمت من التسوية التي أمّنت انعقاد الجلسة التشريعية، وكذلك من دعوة الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله إلى «تسوية سياسية شاملة» وردّ الرئيس سعد الحريري الإيجابي عليها، أنّ البلاد متّجهة من الآن وحتى مطلع السنة الجديدة إلى انفراجات سياسية، خصوصاً إذا تمكّنت اللجنة النيابية المختصة من إعداد قانون انتخابي يَحظى بقبول الجميع. وفي الموازاة فإنّ الأمن سيبقى يحتلّ الأولوية في الاهتمامات، في ضوء الإنجازات التي تحقّقها القوى العسكرية والأجهزة الأمنية، فتتهاوى أمامها الشبكات الإرهابية، الواحدة تِلو الأخرى. قال مرجع أمني رفيع لـ«الجمهورية» «إنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية تنسّق مع الأجهزة الأمنية العالمية بنحوٍ متزايد، طبقاً لحجم المخاطر، لأنّ مواجهة الإرهاب تخطّت الحدود الجغرافية، والخلايا النائمة أوقِظت وفقاً للظروف السياسية. فالتنظيمات الإرهابية تعتبر الآن أنّ استهداف الغرب بالهجمات والضغوط والإرباك يمكن أن يوقف أو يفرملَ اندفاعة الحملة الغربية الجدّية عليها، وهذا هو الأخطر. ولبنان بدوره سيكون مستهدفاً لأنه ضمن منظومة الحرب على الارهاب».

وأكد المرجع «أنّ التنسيق بين الاجهزة اللبنانية جارٍ على أعلى المستويات، وأنّ الانتشار الامني في حجم الخطر الذي يهدّد البلاد، والدليل على نجاح هذا التنسيق هو سرعة توقيف الشبكات، فضلاً عن أنّ تبادل المعلومات بين الأجهزة أتاحَ سرعة توقيف الشبكات، تماماً كما حصل بعد تفجير برج البراجنة».

سياسياً

قال مرجع سياسي كبير لـ«الجمهورية»: «إنّ الاتفاق على قانون انتخابي سيؤمّن المدخل الفعلي لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ما يعني انّه في حال توصّل اللجنة الى هذا القانون من الآن وحتى منتصف كانون الثاني المقبل فإنّ ذلك سيفتح الباب امام البحث في الاتفاق على الرئيس العتيد ابتداءً من النصف الثاني من الشهر نفسه، اللهمّ إلّا إذا حصل في الكواليس توافُق على هذا الرئيس في موازاة عمل اللجنة».

وكشفَت مصادر واسعة الاطّلاع معنية بالشأن الرئاسي لـ«الجمهورية» أنّ هناك فعلاً اتصالات تجري في الكواليس وبعيداً عن حراك هذا المرشّح أو ذاك، وأنّ القيّمين على هذه الاتصالات يستأنسون بما ذهب إليه السيد نصرالله من تلميح الى إمكان حصول تسوية بين مختلف الافرقاء السياسيين حول الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً انّ اقتناعاً توَلّد لدى الجميع بأنّ الرئيس العتيد لن يكون إلّا رئيساً توافقياً».

برّي

وإلى ذلك، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس أنّه تلقّى رسالة من هيئة إدارة النفط تفيد أنّ النفط اللبناني هو في خطر حقيقي مصدرُه إسرائيل نتيجة الأعمال الاسرائيلية المتمادية في سرقة الثروة النفطية.

وعن موضوع لجنة قانون الانتخاب قال بري أمام زوّاره أمس إنّه كان يرغب ان يكون عدد أعضاء اللجنة سبعة أشخاص حدّاً أقصى، ولكنّه اضطرّ الى جعل العدد عشرة بسبب بعض المطالبات. وأكد أنّ مهلة الشهرين كافية للّجنة لكي تنجز مهمتها وأنّ في إمكانها أن تبدأ عملها من حيث تريد، وليس بالضرورة من مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة، المهم هو التوصّل الى قانون انتخابي يَقبل به الجميع.

وأشار الى انّه سيُعلم طاولة الحوار بالنتيجة التي ستتوصّل اليها اللجنة حتى إذا كان لدى ايّ من المتحاورين ملاحظات يُبديها. وقال إنّه سيرفع هذه النتيجة في النهاية الى اللجان النيابية المشتركة.

وكرّر بري التأكيد «أنّ بحثَ طاولة الحوار في قانون الانتخاب سيفيد عمل اللجنة، خصوصاً في موضوعَي تحديد النظام الانتخابي وعدد الدوائر الانتخابية».

الحريري وفرنجية

إلى ذلك، انشغلت الاوساط السياسية المتابعة بما نشرَه بعض وسائل الاعلام عن لقاء مرتقب بين الحريري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في باريس. لكنّ المعنيين سارَعوا الى نفيه. وأكد المكتب الإعلامي لـ«المردة» أن «لا صحة لهذا الخبر وأنّ زيارة فرنجية لباريس اجتماعية فقط». وأكّد الحريري قبَيل مغادرته باريس الى الرياض أن لا عِلم له بأيّ اجتماع مع فرنجية.

لكنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق قال: «لا مانعَ من حصول لقاء في أيّ وقت، ولا أدري لماذا «الضجّة» حول الأمر، فكل القوى السياسية تتواصل بعضها مع بعضها، وهي على طاولة الحوار، فما الفارق بين الجلوس على طاولة الحوار في المجلس وبين الجلوس على طاولة الغداء في باريس؟ ليس هناك أيّ شيء يَمنع الاجتماع».

مبادرة نصرالله

في هذه الأجواء ظلّت مبادرة نصرالله في دائرة الضوء، وهي ستحضر بقوّة في الجلسة المقبلة من الحوار بين تيار «المستقبل» وحزب الله والتى لم يحدّد موعدها بعد.

الجسر

وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر لـ«الجمهورية»: «حتى اليوم لم أتبلّغ بعد بموعد جلسة الحوار مع «حزب الله»، ولكنّني أتوقّع ان
تنعقد الاسبوع المقبل».

وقال الجسر لـ«الجمهورية» ردّاً على سؤال عن الاجواء الإيجابية السائدة بين «المستقبل» والحزب عقبَ التفجير المزدوج في محلّة برج البراجنة والتضامن الواسع الذي رافقه: «في الحقيقة، لقد سبقَ هذا التفجير مناخ إيجابي عشية الجلسة التشريعية، بعدما وصلت البلاد الى حافة الهاوية نتيجة الانقسام الطائفي ورفض فريق لبناني الحضور الى المجلس، فجاءت مبادرة الرئيس سعد الحريري التي كانت موضع تقدير لدى الجميع وسَحبت الفتيل وأعطَت تطمينات للطرف الرافض حضور الجلسة.

ومن ثمّ حصَل التفجير وقوبِل بتضامن غيرمسبوق، فالجميع يَستشعر الخطر، ولا نقبل بأيّ ذريعة للتفجير، ففي النهاية أيّ تفجير يستهدف أيّ مكان في لبنان إنّما يصيب اللبنانيين جميعاً.

صحيح أنّ برج البراجنة استهدِفت اليوم لكن في النهاية أثرُ هذا الاستهداف وارتدادته هي على الشعب اللبناني بلا استثناء في أمنه واقتصاده، فالجميع يستشعرون هذا الخطر ويدركون أنّ هذا الخطر لا يجابَه إلّا بتضامن وطني.

إضافةً إلى أنّه عندما أعلنَ السيّد حسن نصرالله استعداده للمبادرة، أعلَنّا قبولَنا، وفَعَلنا ذلك عن اقتناع، وليس لأنّ أحداً يدفعنا الى القبول. وهذه المبادرة خلقت مناخاً إيجابياً أكثر للسير في الحوار قدُماً، فعسى وعلَّ تكون فرصة إن شاء الله، وإنْ كان مفتاح الحلّ لكلّ الأزمات هو انتخاب رئيس جمهورية».

وأضاف الجسر: «نتحدث اليوم عن حلّ شامل، حسَناً، حلّ شامل «على شو»؟ يعطّلون عمل مجلس الوزراء بسبب الخلاف على آلية العمل وممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، فعندما ننتخب الرئيس ينتفي التعطيل، والأمر نفسه ينسحب على عمل مجلس النواب، فهناك فريق يعتبر أنّه لا يجوز التشريع في غياب الرئيس فبانتخاب الرئيس إذاً تنتفي ذريعة المقاطعة».

«الحزب»

من جهته، اعتبَر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي انّ المبادرة التي أعلنَها السيد نصر الله «هي نقطة فاصلة في المسار السياسي اللبناني، وما قبلَ هذه المبادرة لن يكون كما بعدها، ففي هذه المبادرة فرصة للقوى السياسية للشروع في بحث جدّي».

«التيار» و«القوات»

وكان أمين سرّ تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان زار معراب أمس موفداً من رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، وقال بعد لقائه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع: «إنّنا سننسّق ونتعاون مع الجميع في الأيام المقبلة للتوصّل الى عدالة تمثيل وإنصاف ومواصفات تجعل المجلس النيابي المقبل مجلساً شرعياً دستورياً ميثاقياً يؤمّن الشراكة الوطنية، وبالتالي ننطلق في ورشة إعادة تكوين السلطة بطريقة ديموقراطية سليمة مثلما يرغب جميع اللبنانيين، ونأمل في أن يشهد المستقبل خطوات عملية أكبر».

وعن التصوّر الذي سيطرحه الـ»تكتل»حول قانون الانتخاب في اللجنة النيابية المختصة وهل سيكون هناك تنسيق مع «القوات» حول مشروع موحّد، قال كنعان: «لو أنّ لدينا تصوّراً لن نتكلم عنه في الوقت الراهن والأكيد أنّ كلّ طرف منّا ينطلق من قوانين معيّنة. لكن نملك تصوّراً مشتركاً لناحية الإنصاف وعدالة التمثيل التي نطمح إليها، وبالطبع سيتمّ التنسيق بين «التيار» و«القوات» لبلوَرة مشروع أو رؤية مشتركة لقانون الانتخاب».

إلى ذلك ردّ مصدر مسؤول في «القوات» على بعض النواب الذين ينتقدونها على خلفية الجلسة التشريعية ويدّعون أنّها لم تضَعهم في صورة موقفها، فقال لـ«الجمهورية»: «إنّ التشاور بين الحلفاء كان قائماً على قدمٍ وساق، سواءٌ في الاجتماعات الدورية لممثّلي قوى 14 آذار في «بيت الوسط» التي كانت تضَع فيها المشاركين بصورة موقفها، أو عبر التواصل المباشر معها، أو عبر الاتصال ببكركي التي كانت تعبّر بوضوح عن الموقف المسيحي من الجلسة».

وأوضَح المصدر «أنّ «القوات» على تواصل دائم مع رؤساء الكتل الذين كانوا على اطّلاع وثيق بكلّ العناوين التي رفعَتها، وهي حريصة في المقابل على عدم تجاوزهم لإبلاغ موقفها الى أعضاء الكتل النيابية، وبالتالي هي غير معنية بالتواصل معهم».

وشدّد المصدر نفسه على «أنّ موقف «القوات» لم يكن من منطلقات ذاتية، بل وطنية ومسيحية صرف في ظلّ الشعور المسيحي العارم بالإحباط والتهميش بفعل تجاوز مطالبه المحقّة وفي طليعتها، ربطاً بالجلسة التشريعية، قانونا استعادة الجنسية والانتخابات النيابية». وختم: «لو تعاملت «القوات» على طريقة بعض هؤلاء النواب لَما كان أقِّر قانون استعادة الجنسية للمغتربين، ولَما وضِع قانون الانتخاب على سكة البحث
الجدّية».

عرسال والقلمون مجدّداً

أمنياً، بعد غياب لمدّة طويلة انشغلَ فيها «حزب الله» بمعركة الزبداني والحسم هناك، عادت جرود عرسال والقلمون الى الواجهة مجدداً، بعدما أوقف عملياته هناك من دون حسم المعركة، وحاصَر المسلّحين في منطقة معيّنة معزّزاً من نقاطه العسكرية طوال المرحلة الماضية. فاستهدف أمس في عملية نوعية ودقيقة مجموعةً من المسلحين بالصواريخ والقذائف في منطقة وادي الخيل موقِعاً إصابات مباشرة، ما أدّى الى مقتل عنصرين وجرحِ عدد آخر من هؤلاء المسلحين.

الليرة مستقرّة

ماليّاً، طمأنَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى أنّ «الليرة اللبنانية مستقرّة وستبقى مستقرّة، وأنّ كلّ الشائعات التي سرَت في الماضي، خصوصاً في الشهر الأخير، هي إشاعات لم تترجَم في الأسواق، وقد أصبحنا معتادين عليها». وقال خلال مشاركته في المؤتمر المصرفي العربي السنوي إنّ «إقرار الحكومة ومجلس النواب 4 قوانين مهمّة للقطاع المالي، يَسمح للبنان بأن يبقى منخرطاً في العولمة المالية وأن لا يتمّ إدراجه على أيّ لائحة تحذّر الآخرين من التعامل معه».

كذلك أكّد سلامة أنّ القطاع المصرفي سليم، ونسبة الملاءة تبعاً لمعايير «بازل ـ 3» بلغَت 12%، وأنّ ملاءة الدولة أيضاً جيّدة، وقال: «صحيح أنّ الدين العام مرتفع وهو يشكّل 140% من الناتج المحلّي. لكن، إذا حذفنا من هذا الدين العام ما يملكه مصرف لبنان، تكون هذه النسبة أقلّ من 100%، كما أنّ الأسواق اللبنانية تتعايش مع هذا الدين، إنّما تطالب بالسيطرة على العجز السنوي وهذا ما نأمله حينما يتحسّن الوضع السياسي في البلد».