فشلت الدول المشاركة في اجتماع فيينا الأخير في الاتفاق على توصيف فصائل عسكرية سورية كتنظيمات إرهابية، بعدما رفضت الدوحة وأنقرة وتحفظت الرياض على وضع حركة أحرار الشام، وفصائل أخرى ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية، بينما طالبت قطر وتركيا بالفصل بين جبهة النصرة كتنظيم إرهابي، والمنتسبين السوريين إليها، حيث اعتبرت أن انتماءهم إلى «النصرة» جاء بسبب غياب البدائل العسكرية، التي تؤمن لهم استمرار مواجهة وحشية الأسد.
بعد فيينا، باتت المعارضة مطالبة بإعادة تجميع فصائلها المسلحة في كيان موحد، يملك هيكلية عسكرية وبرنامجًا سياسيًا، يعزز موقفها التفاوضي، ويلتزم تنفيذ ما سيتم التوصل إليه على طاولة المفاوضات، وخصوصًا بند وقف إطلاق النار، وهو بمثابة الاختبار الأصعب للمعارضة، حيث يكشف عن مدى تأثيرها على الفصائل العسكرية، ما يحتم عليها بشقيها السياسي والعسكري تقديم نموذج مقنع أمام المجتمع الدولي، يمكن الاتكال عليه في المرحلة المقبلة.
يكمن دور الفصائل المسلحة التي تواجه الأسد و«داعش» في مفاوضات الحل السياسي في قدرتها على منح شرعية التفاوض لمن تتوافق عليه مع الائتلاف السوري المعارض، من أجل تمثيل المعارضة في جولات فيينا المقبلة أو أي عملية تفاوضية أخرى، وهذا ما يقطع الطريق أمام المشروع الروسي الإيراني في التدخل في تشكيل وفد المعارضة أو التشكيك في مدى تمثيله، ويعرّي ادعاء موسكو أنها على تنسيق مستمر مع من تصفهم بالجيش الحر، هذا الادعاء الذي تتخذه ذريعة لكي تبرر الاستمرار في توجيه ضرباتها إلى كل الفصائل التي تواجه الأسد، تحت حجة مكافحة الإرهاب.
إذا كانت المعارضة السورية لا يمكنها أن تتجاوز الفصائل المسلحة في قراراتها السياسية، فإن المطلوب من الفصائل توحيد خطابها السياسي، والاتفاق على رؤية مشتركة لسوريا المستقبل، لا تختلف في جوهرها عن مطالب المعارضة السياسية، وإظهار أكبر قدر من التوافق والتعاون مع المعارضة السياسية من أجل التوصل إلى صيغة مشتركة في ما بينها، تمنح الطرفين تمثيلاً مشتركًا موحدًا، بات ضروريًا في هذه المرحلة، ويعوّل عليه في إنتاج أي تسوية سياسية. وهذا ما دفع السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد إلى القول: «إنه دون مشاركة الفصائل الإسلامية التي لا تنطوي تحت لواء (داعش) أو (جبهة النصرة)، من الصعب التوصل إلى وقف لإطلاق النار».
بعد أربع سنوات على عسكرة الثورة السورية، ومحاولات الأسد «دعوشتها»، ووصول كل مشاريع الاستحواذ والسيطرة، ومحاولة مصادرة قرارها السياسي والعسكري إلى حائط مسدود، والفشل الذريع لأصحاب المشاريع الراديكالية في إقناع السوريين بأنهم بديل للأسد، ورفض السوريين أن يستبدلوا باستبداد الأسد باسم العلمانية، استبدادَ المتطرفين باسم الدين، أصبحت الكرة في ملعب هذه الفصائل، من أجل العودة إلى صيغة الجيش الحر ككيان وطني جامع، يكون جزءًا أساسيًا من المرحلة الانتقالية، وشريكًا في إعادة تأسيس الجيش الوطني، الذي سيكون عماد وحدة التراب السوري، وستوكل إليه مهمة مواجهة الميليشيات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية والدعوات الانفصالية.
لم يعد الغرب على استعداد لتكرار تجربة تحالف الشمال الأفغاني، حيث خاضت الفصائل الأفغانية حربًا أهلية في ما بينها بعد انتصارها على السوفيات وتحرير كابل، بينما فشلت المعارضة في الوصول إلى صيغة تشبه منظمة التحرير الفلسطينية، لعدم وجود الزعيم الرمز وفصيل كحركة فتح يوقدها، فبات على المعارضة السورية أن تواجه مسؤوليتها التاريخية بأن تتحول إلى حركة تحرر وطني بصرف النظر عن نتائج فيينا، فلا يمكن الاستمرار في هذه الفوضى التي تسببت بانتكاسات كبيرة وباتت جزءًا من مأساة السوريين.
مصطفى فحص