بعد ثلاثة أيام من الاعتداءات الدامية في باريس، ألقى الرئيس فرنسوا هولاند خطابا نارياً أمام جلسة مشتركة استثنائية لمجلسي البرلمان في قصر فرساي، متعهداً تكثيف الغارات الجوية على تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في سوريا "مصنع الارهابيين" الى تعزيز غير مسبوق للاجراءات الامنية في فرنسا، وأعلن انه سيدعو الولايات المتحدة وروسيا الى ائتلاف واسع ضد التنظيم المتطرف الذي تبنى الاعتداءات التي أسفرت عن مقتل 129 شخصاً وجرح نحو 350 في هجمات هي الأوسع تتعرض لها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.
وبعدما شارك ظهراً في الوقوف دقيقة صمت وطنية حداداً على الضحايا في جامعة السوربون، تحدث هولاند أمام البرلمان قائلاً إن "فرنسا في حال حرب وهي تعرضت لهجوم ولطريقة العيش فيها من ارهابيين". وأضاف ان المخططين "يجب ان يعلموا بأن جرائمهم التي لن تتمكن من تثبيط عزيمة فرنسا ستزيد تصميمنا على تدميرهم"، مشدداً على ان "المطلوب ليس احتواء هذا التنظيم بل تدميره".
وأوضح ان باريس "ستكثف عملياتها في سوريا. لن يكون هناك تراجع ولا هدنة"، مذكراً بأن حاملة الطائرات "شارل ديغول" ستتوجه الخميس الى شرق المتوسط "مما سيزيد قدراتنا على التحرك ثلاثة اضعاف". ولفت الى ان "سوريا باتت أكبر مصنع للارهابيين يشهده العالم، والمجتمع الدولي لا يزال منقسماً وغير متجانس الى حد بعيد. اليوم، لا بد من مزيد من الغارات".
ورأى هولاند ان الرئيس السوري بشار الاسد "لا يمكن ان يشكل حلاً للنزاع السوري"، مؤكداً ان "عدونا هو داعش". وطالب بأن "يجتمع كل من يستطيعون فعلاً التصدي لهذا الجيش الارهابي"، وأيد مجدداً تشكيل "تحالف كبير ووحيد". وكشف انه سيلتقي "في الايام المقبلة" الرئيسين الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين "لتوحيد قوانا"، وسيطلب من مجلس الامن الانعقاد لاصدار قرار يعبر "عن الارادة المشتركة لمكافحة الارهاب".
ومساء الاثنين، أفاد الاليزيه ان هولاند سيلتقي وزير الخارجية الاميركي جون كيري اليوم.
تدابير مشددة
وعلى الصعيد الداخلي، تحدث الرئيس الفرنسي عن اجراءات أمنية مشددة جداً، في ما بدا استجابة لمطالب المعارضة اليمينية بزعامة نيكولا ساركوزي. وقال إن مشروع قانون سيحال على البرلمان الاربعاء يلحظ تمديد حال الطوارئ ثلاثة أشهر، وان مراجعة الدستور ستجرى للسماح للسلطات العامة بـ"التحرك ضد الارهاب الحربي".
وهذا الاجراء يتيح خصوصاً فرض قيود على حركة التنقل واجراء تفتيش اداري. وكانت حال الطوارئ اعلنت ليل الجمعة - السبت بعد الاعتداءات. كذلك اعلن الرئيس الفرنسي استحداث 8500 وظيفة جديدة في الامن والقضاء، وشدد على ان "قضية دفاع الشرطيين المشروع عن النفس" ينبغي "التصدي لها من دون تأخير" على الصعيد التشريعي.
وأمل ان يشمل سحب الجنسية حاملي الجنسية المزدوجة "ممن ولدوا في فرنسا" في حال الارهاب، وهو مطلب آخر لليمين.
وخلص الى القول: "علينا ان نكون قادرين على طرد الاجانب الذين يشكلون تهديداً بالغ الخطورة في شكل أسرع".
ولم يلفظ الرئيس الفرنسي كلمة اسلام راديكالي في كلمته. وقال: "اننا لسنا في حرب حضارات، لكننا في حرب ضد الارهاب الجهادي".
التحقيق يتقدم
وقال هولاند أيضاً إن التحقيق تمكن من كشف التفرعات الخارجية للاعتداءات "التي خطط لها واتخذ قرار في شأنها في سوريا ونظمت في بلجيكا"، قبل ان "تنفذ بتواطؤ فرنسي".
وحددت هويات خمسة من الانتحاريين السبعة الذين تحركوا مساء الجمعة في باريس. وأربعة من هؤلاء فرنسيون تراوح اعمارهم بين 20 و31 سنة، علما بأن ثلاثة منهم على الاقل اقاموا في سوريا في السنوات الاخيرة.
وقتل عمر اسماعيل مصطفى وسامي عميمور اللذان حضرا من سوريا في قاعة "باتاكلان". أما الفرنسي بلال حدفي وانتحاري آخر عثر قرب جثته على جواز سفر سوري باسم احمد المحمد فينتميان الى مجموعة من ثلاثة أشخاص فجروا أنفسهم قرب "ستاد دو فرانس" شمال باريس. والخامس الذي حددت هويته هو ابرهيم عبد السلام الذي فجر نفسه أمام مقهى في بولفار شرق باريس. ويجري البحث حالياً عن شقيقه صلاح عبد السلام الذي اقام على غراره في بلجيكا.
الى ذلك، يثير عبد الحميد ابا عود وهو بلجيكي في الـ 28 اهتمام المحققين الذين يعتبرونه العقل المدبر للهجمات التي احبطت في كانون الثاني في فيرفييه ببلجيكا. ويشتبه في أن ابا عود المقيم في سوريا عضو ناشط جداً في "داعش".
في غضون ذلك، شهدت فنادق العاصمة الفرنسية ومطاعمها الغاء كبيرا ًللحجوزات كما افاد القيمون عليها ، مما ينبئ "بأشهر مقبلة صعبة". لكن ذلك لم يحل دون اعادة فتح برج ايفل أمام الزوار مضاء بألوان العلم الفرنسي، الازرق والابيض والاحمر، لثلاث ليال على التوالي حتى الاربعاء.