بعد ثاني هجوم دموي في العاصمة باريس خلال أقل من عام سيطرت الصدمة والذهول على فرنسا بسبب وحشية الهجمات.
كان من المفترض أن تكون ليلة جمعة عادية في وسط العاصمة باريس، يشاهد فيها السكان وزوار العاصمة الفرنسية عرضاً فنياً أو يتناولون وجبة أو يسقطون عن كاهلهم هموم الأسبوع. لكن وللمرة الثانية في أقل من سنة تتساءل فرنسا والعالم كيف يمكن أن تقع مذبحة في قلب هذه المدينة المحبوبة وفي مواقع مختلفة، من بينها قاعة للحفلات الموسيقية على بعد مئات الخطوات عن موقع هجوم مميت على صحيفة شارلي إيبدو الساخرة في كانون الثاني الماضي.
وقعت الاعتداءات قرب استاد دو فرانس الدولي في الضاحية الشمالية لباريس، وفي الشرق الباريسي حيث توجد حانات مشهورة تكتظ عادة بالرواد خلال عطلة نهاية الأسبوع على مقربة من ساحة الجمهورية التي كان تجمع فيها نحو مليون ونصف المليون شخص في كانون الثاني الماضي احتجاجاً على الاعتداءات التي استهدفت العاصمة أيضاً في تلك الفترة. وقد تضامن العالم كله مع فرنسا وابرق رؤساء الدول الى الرئيس الفرنسي مستنكرين ما جرى.
وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، امس، أن تنظيم داعش المتشدد يقف وراء الهجمات التي ضربت 6 أماكن في العاصمة باريس.
وقال هولاند في كلمة مقتضبة للفرنسيين إنه «تم التخطيط والترتيب للهجمات من الخارج بمساعدة من داخل فرنسا»، واصفا هجمات باريس بأنها «عمل حربي»، متهما «داعش وجيشا إرهابيا» بارتكاب الاعتداءات.
وأعلن هولاند «الحداد الوطني ثلاثة أيام» للتضامن مع أهالي ضحايا الحادث.
كما أشار هولاند إلى إعلان حالة التأهب القصوى في الجيش والأجهزة الأمنية في جميع أنحاء فرنسا، منوها باجتماع طارئ للبرلمان الفرنسي سيعقد غداً على خلفية اعتداءات باريس.
وقالت الشرطة إن 7 إرهابيين فجروا أنفسهم بـ6 مواقع في باريس، فيما قتل إرهابي ثامن برصاص عناصر أمنية.
ففي مسرح باتاكلان بمنطقة في بولفار فولتير في باريس، قتل أكثر من 100 شخص وأصيب العشرات عندما فجر 3 انتحاريين أنفسهم بين صفوف رواد حفل لموسيقى الروك في المسرح، فيما قتل إرهابي رابع برصاص الشرطة، في حين فجر انتحاري خامس نفسه في موقع قرب المسرح.
وقالت الشرطة الفرنسية إن المهاجمين ارتكبوا مجزرة رهائن في مسرح باتاكلان الواقع في الدائرة 11في العاصمة الفرنسية، حيث أطلقوا الرصاص على رجال الشرطة قبل أن يفجروا أنفسهم وسط الرهائن.
ونقلت مواقع إعلام فرنسية عن ناجين من مجزرة مسرح باتاكلان أن عدة أشخاص مسلحين ووجوههم مكشوفة، قاموا بإطلاق النار في مسرح باتاكلان للحفلات الموسيقية خلال حفل لموسيقى الروك مع صيحات «الله أكبر».
وأضاف أحد الشهود العيان «لقد سمعتهم بوضوح يقولون للرهائن أنه خطأ هولاند، هو خطأ رئيسكم، لم يكن من الضروري أن يتدخل في سوريا... كما تحدثوا عن العراق».
وفي منطقة سان دينيس شمال باريس، فجر 3 انتحاريين انفسهم في مواقع قرب ملعب فرنسا في العاصمة اثناء لقاء المنتخبين الفرنسي والألماني الذي كان يحضره الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حيث جرى نقله الى مقر وزارة الداخلية بعد أن هزت الانفجارات محيط الملعب.
وفي وسط باريس، استهدفت إحدى الهجمات مطعما كمبوديا في «الدائرة 10» وسط باريس واستخدم المهاجم مسدسا أوتوماتيكيا، بحسب وسائل اعلام فرنسية.
في سياق متصل، قرر الرئيس الفرنسي الغاء مشاركته في قمة مجموعة العشرين المقررة في تركيا اليوم وايفاد وزيري الخارجية والمالية بدلاً منه.
ـ ليل باريس الأسود: تفاصيل جديدة ـ
أعلن مدعي عام الجمهورية في باريس فرنسوا مولان أن التحقيق الذي فتح في اعتداءات باريس التي وقعت مساء الجمعة يجب ان يحدد ما اذا كان هناك من «متواطئين او مشاركين لا يزالون فارين». وفتحت السلطات الفرنسية تحقيقًا في «جرائم قتل على علاقة بمنظمة ارهابية».
وبحسب السلطات تم التأكد حتى الان من وجود سبعة مهاجمين على الاقل بينهم اربعة هاجموا مسرح باتاكلان وثلاثة على الاقل هاجموا محيط استاد فرنسا الدولي في ضواحي باريس.
وخلال هجوم الارهابيين الاربعة على مسرح باتاكلان في باريس، عمدوا اثر اقتحام قوات الامن المكان الى تفجير احزمة ناسفة كانوا يرتدونها في حين قتل الرابع برصاص الشرطة.
وقال المسؤول في شرطة باريس ميشال كادو إن هجوم عناصر الشرطة «كان في غاية الصعوبة لأن الارهابيين لجأوا الى الطابق العلوي وكانوا يرتدون أحزمة ناسفة».
كما قال مصدر مقرب من التحقيق إن «ثلاثة منهم فجروا انفسهم باحزمتهم الناسفة، اما الرابع الذي كان يرتدي ايضا حزاما ناسفا فقد اصيب برصاص الشرطة قبل ان ينفجر وهو يقع».
يُشار إلى أن التحقيقات الاولية التي جرت تؤكد مقتل ثمانية «ارهابيين» شاركوا في الاعتداءات.
في السياق ذاته، افاد شاهد أن عددا من المهاجمين تطرقوا الى التدخل الفرنسي في سوريا لتبرير هجماتهم. وقال الشاهد بيار جانازاك (35 عاما) الذي كان موجودا في مسرح باتاكلان: سمعتهم بشكل واضح يقولون للرهائن «انها مسؤولية هولاند، انها مسؤولية رئيسكم، ما كان عليه التدخل في سوريا. لقد تكلموا ايضا عن العراق.
ـ داعش يتبنى مسؤولية هجمات باريس ـ
وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يُعرف بـ«داعش،» مسؤوليته عن الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية، باريس، والتي راح ضحيتها 128 شخصا بحسب الأرقام الرسمية.
وقال التنظيم في البيان الذي تناقله موالون له على مواقع التواصل الاجتماعي: «في غزوة مباركة يسر الله لها أسباب التوفيق انطلقت ثلة مؤمنة من جند الخلافة أعزها الله ونصرها، مستهدفين عاصمة العهر والرذيلة، وحاملة لواء الصليب في أوروبا (باريس) فتية طلقوا الدنيا وأقدموا على عدوهم يبتغون القتل في سبيل الله نصرة لدينه ولنبيه صل الله عليه وسلم وأوليائه وإرغاما لأنف أعدائه، فصدقوا الله نحسبهم كذلك، ففتح الله على أيديهم وألقى في قلوب الصليبيين الرعب بعقر دارهم».
وتابع البيان: «قام ثمانية إخوة ملتحفين أحزمة ناسفة وبنادق رشاشة باستهداف مواقع منتخبة بدقة في قلب عاصمة فرنسا، منها ملعب (دي فرانس) أثناء مبارتي فريق ألمانيا وفرنسا الصليبيتين حيث كان معتوه فرنسا (فرانسوا هولاند) حاضرا، ومركز (باتاكلان) للمؤتمرات حيث تجمع المئات من المشركين في حفلة عهر فاجرة، وأهدافا أخرى في المنطقة العاشرة والحادية عشرة والثامنة عشرة وبصورة متزامنة، فتزلزلت باريس تحت أقدامهم، وضاقت عليهم شوارعها».
ولفت البيان إلى أن «محصلة الهجوم كانت هلاك ما لا يقل عن 200 صليبي وإصابة أكثر من ذلك ولله الحمد والمنة والفضل».
ـ جنسيات المنفذين ـ
وقال مصدر مقرب من التحقيق في سلسلة الهجمات الدامية بباريس امس إن أحد المسلحين الذين قتلوا بعد مهاجمة قاعة مسرح في باريس الجمعة كان فرنسي الجنسية وعرف بصلاته مع متشددين إسلاميين.
وقال نفس المصدر إنه تم التعرف على هوية المسلح من بصمات أصابعه وإنه كان ينتمي لضاحية كوركورون بجنوب فرنسا.
وفي وقت سابق أفادت مصادر مقربة من التحقيق بالعثور على جواز سفر سوري قرب جثة أحد الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم قرب استاد لكرة القدم بباريس في واحدة من الهجمات.
وقالت وسائل إعلام فرنسية أيضا إن جواز سفر مصريا قد عثر عليه قرب جثة الانتحاري الثاني في الموقع.
كما أكدت السلطات الألمانية صلة المعتقل لديها منذ أسبوع بالتفجيرات التي ضربت باريس مساء الجمعة.
وكانت الشرطة الألمانية اعتقلت الأسبوع الماضي رجلا في الـ51 من عمره، وعثرت في سيارته على أسلحة.
الى ذلك، اغلق برج ايفل ابوابه حتى اشعار آخر، بحسب ما اعلنت الشركة المشغلة للنصب الباريسي.
وقال متحدث باسم الشركة المشغلة لوكالة فرانس برس ان «اغلاق برج ايفل تم ليل الجمعة» بعد وقت قصير من الاعلان عن الاعتداءات. واضاف ان «البرج لم يفتح ابوابه امس، وسيبقى مغلقا حتى اشعار آخر». كما اشارت وزارة الثقافة الى ان المؤسسات الثقافية العامة والمتاحف والمسارح وغيرها، لم تفتح ابوابها امس في منطقة ايل دو فرانس.
ـ اعتداءات باريس يصعب تداركها ـ
وجسدت الاعتداءات غير المسبوقة التي أدمت باريس، مخاوف أجهزة الاستخبارات والشرطة الفرنسية التي كانت تتوقع خلال الأشهر الماضية حصول مثل هذه الهجمات، غير أنها عجزت عن منعها.
وفي مواجهة أعداد الجهاديين العائدين من القتال في سوريا أو الذين يستلهمون تنظيم القاعدة أو تنظيم «الدولة الإسلامية»، كانت الأجهزة الفرنسية تتخوف من حصول عملية إرهابية على نطاق غير مسبوق في أحد الأيام على الأراضي الفرنسية.
وعمدت السلطات الفرنسية إلى اتخاذ تدابير جديدة بعد الاعتداءات على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة ومتجر المنتجات اليهودية والتي أوقعت 17 قتيلا في كانون الثاني في باريس، فخصصت عناصر ووسائل جديدة لمكافحة الإرهاب وعبأت قوات الجيش وأقرت قانون استخبارات، غير أن كل هذه التدابير لم تكن كافية على ما يبدو.
والهجمات المنسقة التي تبناها تنظيم «الدولة الإسلامية» السبت ونفذها ما لا يقل عن ثمانية مسلحين وانتحاريين جرت على نطاق واسع وأسفرت عن حصيلة طائلة بلغت ما لا يقل عن 128 قتيلا غير أنه تم تدبيرها بدون لفت الانتباه.
وقال «آلان شويه» المسؤول السابق في الاستخبارات الخارجية الفرنسية السبت «لا يمكن القيام بشيء» مؤكدا أنه «لا يمكن في أي من الأوقات وقف ثمانية أشخاص مصممين تم تدريبهم في الخارج وأرسلوا أو دخلوا إلى هنا ويجري تحريكهم من سوريا، من الانتقال إلى التنفيذ».
وتابع أن «مسلحي مساء الجمعة كانوا بالتأكيد يعرفون بعضهم من قبل وتم تدريبهم على عدم لفت الانتباه والبقاء خارج شاشات الرادار والتحرك بشكل معزول والضرب معا».
وقال «بوسعكم إن أردتم إقامة غوانتانامو فرنسي في لارزاك (منطقة ريفية في جنوب فرنسا) واعتقال آلاف الشبان العائدين من سوريا فيه، لكنكم لن تنجحوا يوما في منع ثمانية شبان من حمل السلاح».
وكان جميع المهاجمين انتحاريين يضعون أحزمة أو سترات ناسفة شغلوها لتنفيذ اعتدائهم قبل أن تقتلهم الشرطة، وهي سابقة في فرنسا ومؤشر إلى أن تنظيما جهاديا موجودا في فرنسا يملك خبير متفجرات قادرا على صنع الأحزمة والسترات الناسفة، الأمر الذي يتطلب مهارات خاصة.
وقال آلان شويه «هذا ما هو جديد، وهذا ما سيشكل بالتأكيد أحد محاور التحقيق. أن خبير المتفجرات ثمين للغاية ولا يشارك أبدا في الهجمات. وبالتالي، فهو هنا، في مكان ما...»
وقال مصدر في الشرطة طالبا عدم كشف اسمه «يجب بالطبع تعبئة كل وسائلنا لكن علينا أن نكون على يقين بأن هجمات أخرى ستقع».