قد نفهم بعد كل تفجير أثّام يطال الضاحية الجنوبية موقف حزب الله الإعلامي بتأكيده على الصمود وشحذ الهمم في معركته التي يخوضها على الأراضي السورية، ومحاولاته الحثيثة والإستباقية في امتصاص أي ردة فعل يمكن أن تنتجها الجريمة النكراء وتردداتها على بيئته .
وبالتالي فمن حق حزب الله أن يحافظ على معنويات جمهوره ، وعلى استمرار احتضان خياراته ، ولكن ما يجب أن نشير إليه وأن نلفت النظر صوبه هو الأسلوب المتبع لتحقيق هذه الغاية ، ممّا يوقعه بتناقض يجب تجنبه بالخصوص إذا ما اعتبرنا أنه قد لا يؤدي الوظيفة المرجوة منه .
فبعد كل تفجير أثّام نجدنا أمام إصرار لا نكاد نجد له أي تبرير يراد من خلاله إظهار وكأنّ الضاحية الجنوبية هي عبارة عن ثكنة عسكرية بأمّها وأبيها تنتمي إلى حزب الله ، ومحاولة التصوير بأنّ أهل الضاحية وشبابها ورجالها وحتى نسائها وأطفالها إنّما هم مقاتلون بصفوف الحزب ، فتغيب عن غير قصد أي مظاهر للمدنية والناس العاديين .
وترتفع في مكان الحادثة يافطات حزب الله، وأعلام حزب الله ، ويخرج علينا عبر البث المباشر المفتوح من قبل وسائل الاعلام التي لا هم عندها إلا تعبئة الهواء، شبان لا يفقهون ماذا يقولون، ليخبروا العالم بكل الشعارات الحزبية التي يحفظونها عن ظهر قلب، من "كلنا مقاومة" ، إلى "فدا السيد" ، مترافقة مع شعارات مذهبية ووصولاً الى التمني بالشهادة والإستمرار بالقتال والجهاد ووصولاً حتى إلى قذف التهم والإستفزاز شمالاً ويميناً .
إن هذا الاسلوب وإن كان يفيد إلى حد ما في رفع المعنويات والإبقاء على روح التحدي ، إلاّ أنّه ايضا يشكل ضرراً ضخماً وخدمة كبيرة للمجرمين الإرهابيين ، لأن بذلك وكأننا نقول لهؤلاء الإرهابيين إنّ اهدافهم قد تحققت لأنهم قد أصابوا مقتلاً للحزب في عمليتهم هذه ، والقول لهم أيضاً ، بأنّ الضاحية هي هدف مشروع لهم بعد التركيز على خلوها من المدنيين .
إنّ هذا الأسلوب الخاطئ ، وما له من تبعات ، هو أخطر ألف مرة من نقل صورة أهل الضاحية على حقيقتها ، عبر القول بأنّ في الضاحية يسكن خليط من اللبنانيين وغير اللبنانيين ، وبأنّ فيها أيضاً من هم مختلفون مع سياسات حزب الله وخياراته، وأنّ فيها أناس عاديون لا ناقة لهم ولا جمل ولا ذنب .
فلا مانع مثلاً وفي مثل هذه الحالات أن تخرج أصوات لتعبر عن مظلوميتها ، وعن بعدها السياسي لخيارات الحزب والقول بأنّ الإجرام الذي يصيبها جراء الأعمال الإرهابية إنّما هو فعل إجرامي لا مبرر له لا بالسياسة ولا بالدين ولا بالشرائع .
وإن كنا هنا لا نؤمل أبداً على العقل الإجرامي من تغيير موقفه وأساليبه ، إلاّ أنّه على الأقل يصبح بعد نقل الصورة على حقيقتها إمكانية التضامن والتعاطف وفضح العمل الإجرامي ومن يقف خلفه أكثر فاعلية ، لأنّ استهداف المدنيين بوصفهم مدنيين يختلف كثيراً عن استهدافهم بوصفهم مؤيدين أو تابعين للحزب .
صحيح أنّ معظم سكان الضاحية هم من جمهور الحزب ، لكن هذا لا يعني ابدا ان في الضاحية لا يوجد مدنيين ذنبهم الوحيد أنّهم في المكان الخطأ ، والزمان الخطأ ...
ولن يضر حزب الله شيئا إذا ما برز وجودهم علّه يساهم بذلك في تجنيبهم ولو من باب المحاولة ، وعليه فلا ضير إن قلنا في مثل هذه الحالات أنّه : "بلى في الضاحية مدنيين " .