ظلّلت المجزرة الارهابية التي تسبب بها التفجير الانتحاري المزدوج في محلة عين السكة ببرج البراجنة مجمل المشهد الداخلي الذي بدا غداة المجزرة رازحا تحت وطأة التساؤلات القلقة عن مآل النمط الارهابي الذي عاد يضرب في العمق اللبناني وما اذا كان التفجير يؤذن بمواجهة قاسية جديدة مع الارهاب واستهدافاته وخلاياه. ولكن، على رغم تصاعد المخاوف، برزت نقطة مضيئة في المناخ الداخلي تمثلت في مظلة التضامن العارم التي شكلتها ردود فعل سائر الفئات والجهات السياسية والحزبية والشعبية التي ربما عبرت عن تضامن وتعاطف قل نظيرهما لهذه الجهة، الامر الذي يشكل صمام امان اساسياً في مواجهة كل الاحتمالات المترتبة على التفجير وتداعياته. كما ان العامل اللافت الذي برز غداة المجزرة تمثل في التفاف دولي وغربي حول لبنان واستقراره ترجمته مواقف التنديد المتعاقبة منذ حصول التفجير بما عكس عودة الاهتمام الدولي بالاستقرار في لبنان في ظل تصدر حدث الاستهداف الارهابي لبرج البراجنة الاعلام الغربي في اليومين الاخيرين.
وفي هذا السياق افاد مراسل "النهار" في نيويورك علي بردى ان مجلس الأمن ندد أمس"بأشد العبارات" بـ"الهجوم الإرهابي" الذي أدى الى مقتل ٤٣ شخصاً وجرح أكثر من ٢٠٠ آخرين في برج البراجنة.
وأصدر أعضاء مجلس الأمن بيانا صحافيا تعبيراً عن "تعاطفهم العميق مع ذوي الضحايا وتعازيهم لهم، وكذلك لشعب لبنان وحكومته. وأكدوا أن الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره يمثل واحداً من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، وأن أي أعمال إرهابية إجرامية لا يمكن تبريرها بصرف النظر عن دوافعها، أين ومتى وقعت وكائناً من كان مرتكبوها". وأضافوا أنه "يجب تقديم المرتكبين والمنظمين والممولين والرعاة لهذه الأعمال الإرهابية التي تستحق التنديد، الى العدالة". وحضوا "كل الدول وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وبالتحديد حقوق الإنسان الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، على التعاون بنشاط مع السلطات اللبنانية في هذا الصدد، مذكرين الدول بأنه "يجب عليها أن تضمن أن الإجراءات المتخذة لمكافحة الإرهاب تتلاءم مع واجباتها بموجب القانون الدولي". وجددوا "تصميمهم على مكافحة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي". وشددوا أخيراً على "الدعم القوي لاستقرار لبنان وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله السياسي".
المجزرة والتحقيقات
في غضون ذلك، ضجت الاوساط الاعلامية والسياسية والشعبية بوقائع تكشفت غداة المجزرة عما تسببت به من مآس كان منها فقدان طفل والديه وتصدي أحد الشهداء الشباب لانتحاري تفجر معه ووفر عشرات الضحايا، ناهيك بفقدان أكثر من فرد من عائلات واحدة. وينتظر ان يتطرق الامين العام لـ"حزب الله " السيد حسن نصرالله باسهاب الى هذا الجانب في كلمة تلفزيونية يلقيها في الثامنة والنصف مساء اليوم ويتحدث فيها عن هذا الاستهداف الاجرامي وتداعياته وكذلك عن الجانب السياسي والداخلي في ظل هذا التطور.
واذ استكملت الاجهزة الامنية امس عمليات المسح الميداني ورفع الادلة الجنائية من مسرح التفجير، بوشرت أعمال تنظيف المكان ورفع الركام. أما في شأن التحقيقات الجارية في التفجير، فصرح النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود بعد تفقده مسرح الجريمة بأن التفجير كان مزدوجا، اذ انفجرت المتفجرة الاولى التي كانت على دراجة نارية وزنتها سبعة كيلوغرامات والثانية عبر حزام ناسف على الخصر زنتها كيلوغرامان. واوضح انه لم يثبت بعد ان الانتحاريين كانوا ثلاثة.
ورجح مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وجود رابط بين الانتحاري الذي أوقفه الجيش في طرابلس اول من امس والانتحاريين اللذين فجرا نفسهما في برج البراجنة. وأفادت معلومات عن التحقيقات الجارية ان ملامح الربط بين توقيف الارهابي في طرابلس والتفجير المزدوج في برج البراجنة تثبت ان تنظيم "داعش" يقف وراء الهجمة الارهابية الاخيرة بدءا من التفجيرين اللذين حصلا في عرسال قبل اكثر من اسبوع، ومن ثم توزيع بيان يهدد شخصيات سنية سياسية ودينية، وصولا الى التخطيط لتفجيرات متعاقبة في اليوم نفسه في طرابلس وبرج البراجنة. وأشارت هذه المعلومات الى ان الارهابي الذي أوقفه الجيش في طرابلس (ابرهيم أ.) اعترف امام المحققين بأنه كان يخطط لتفجير نفسه في مقهى بجبل محسن بالتزامن مع التفجيرين في برج البراجنة. كما أفاد ان الانتحاري الذي قتل قبل ان يفجر نفسه في برج البراجنة يدعى ابو خالد وهو فلسطيني وأتى معه من سوريا.
جلسة الرقم القياسي
أما في الجانب السياسي الداخلي الذي واكب تداعيات الاستهداف الارهابي فبدا واضحا ان اصرار مجلس النواب ورئيسه نبيه بري على استكمال اقرار جدول أعمال الجلسة التشريعية وانجازه في اليوم الثاني من الجلسة كان بمثابة رد سياسي على احد وجوه الاستهداف من خلال تكريس التسوية التي سبقت الجلسة، ومهدت لانعقادها وتمرير معظم بنود جدول أعمالها. واذا كان انعقاد الجلسة في ذاته شكل الوجه الايجابي للتسوية، فان ذلك لم يحجب دلالات لافتة واكبت وقائعها وبدا معها طابع الاستعجال الذي حكم اقرار جدول الاعمال وكلفة الاعتمادات التي أقرت عبر الكثير من البنود وبلغت بضعة مليارات من الدولارات، كأنه الثمن الثقيل الذي ترتب على الجلسة والتسوية حتى ان بعض التشريعات أقر على قاعدة ضمنية هي ان الجلسة قد تكون الاخيرة التي لا شيء يضمن انعقادها مجددا، ولذا أثقل التشريع بطابع الاستعجال وتم تجنب الاخلال بالتسوية السياسية في اي ملف يعتبر اي طرف ان الاخلال به يمنحه حق عرقلة ما تبقى من بنود. وكان أبرز ما مرره المجلس امس القوانين المالية المتصلة بالتزامات لبنان تجاه المؤسسات الدولية واهمها ما يتعلق بالتصريح عن الاموال المنقولة عبر الحدود وتبادل المعلومات الضريبية ومكافحة غسيل الاموال، كما أقر قرض تأهيل معملي الزوق والجية للكهرباء وقرض نقل مياه الليطاني الى الجنوب. ولم يطرح بري في نهاية الجلسة التصويت على سحب التوصية النيابية المتعلقة بعدم اقرار قانون للانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس الجمهورية.