" ريتشار باريت "، أحد موظفي المخابرات البريطانية , وهو متخصص بدراسة الإرهاب والتطرف وعمل باريت مديرًا لعمليات مكافحة الإرهاب في المخابرات البريطانية قبل وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م وقاد بعدها فريق مراقبة القاعدة لدى الأمم المتحدة بين عامي 2004 و2013.
هذا الشخص يتعاطف نوعًا ما مع نظرية " أن داعش إسلامية , لأن كثير من أتباعها يتصفون بالايمان والتديّن وهم مقتنعون بأن ما يقومون به هو شرع الله , وبأمرٍ من ممثلين للدين الاسلامي , وقال " باريت " : لا يصح ان نستهين بمعتقدات هؤلاء وبإيمانهم وتديّنهم , ويضيف أن مع كل ذلك لا يمكن أن نحمّل الدين وحده مسؤولية إنضمامهم إلى تنظيم الدولة الاسلامية " داعش ".
ثمة دراسات كثيرة حول " داعش " , أغلبها إتفق على أن الدين ليس السبب الوحيد لإنضمام الشباب له , بل إن هناك أسباب أخرى أهمها حاجة المنضمين إلى البحث عن هوية ومجتمع يقبل المنضم كما هو من دون التدقيق في تاريخه , والظاهر أن داعش تؤمّن المُناخ المُلائم والجذّاب لهؤلاء الشباب الذين يشعرون بالانتماء الى هوية تطمئنهم , وهذا أمر مهم جدا للذين يشعرون أنهم مضطهدين في مجتمعاتهم التي ساد فيها الاستبداد لفترة طويلة مما أدى إلى حالات إضطراب نفسي عند الكثيرين من المواطنين بسبب إحساسهم بالتهميش .
بالرغم من أن الباحثين الذين تابعناهم , لا ينفون العامل الديني تماما عند دراسة " داعش " أمثال " ريتشار باريت " و " مارك سيجمان " , إلا أنهم يؤكدون بأن العمل تحت راية الاسلام يضفي عليه شرعية , على الأقل عند الجمهور الجاهل , وبالتالي فإن الادعاء أن العمل الذي يقومون به ليس له علاقة بالسلطة والمال , بل هو جهاد في سبيل الله يكون مقنعا وسهلا .
أمر آخر دائما ما يتم تجاهله وهو التحالف القائم في قلب «داعش» بين أبي بكر البغدادي وفلول جيش صدام البعثي. تحالف يصفه ريتشارد باريت بأنه “زواج مصلحة”. فإذا كانت «داعش» دولة إسلامية متدينة لماذا إذًا نجد أن نائب أبي بكر البغدادي في العراق (أبا مسلم التركمان) كان أحد ضباط فرق العمليات الخاصة في جيش صدام البعثي؟ ولماذا نجد أن نائب البغدادي في سوريا (أبا علي الأنباري) أحد جنرالات جيش صدام أيضا؟
يضيف باريت: “العنصر البعثي داخل «داعش» مهم جدا. فقد أعطوهم الخبرات والقدرات العسكرية والإدارية. كما أن وجودهم كان عاملًا رئيسيًا في سقوط الموصل بهذه السرعة وسرعة استسلام ضباط وجنود الجيش العراقي بل وانضمامهم للتنظيم. فالجميع يبدو متحدًا على مخالفة نظام المالكي”.
هنا نجد وبوضوح “خطأ الإسناد الأساسي”. فالجميع مصر على تجاهل المصالح التي يجنيها التنظيم، ونصرُّ على التركيز على معتقداتهم. قد يكون هناك جو ديني وإيماني في التنظيم لكن مع هذا يظل العنصر البعثي جزءًا مهمًا جدا وبدونه لم يكن لـ«داعش» أن تحتفظ بمدينة الموصل إلى الآن.
طبقا لتقرير أعده ريتشارد باريت فإن “وصول أبي بكر البغدادي إلى قيادة التنظيم في 2010 كان وراءه العقيد البعثي في جيش صدام حاجي بكر. فبالرغم من اعتراض العديد من القيادات في التنظيم على تعيينه نظرًا لتساهله في بعض الأمور الدينية مثل إطالة اللحية، إلا أن وجود دعم من العديد من ضباط صدام حسين السابقين جعل الأمر الواقع يفوز على التدين. فعلى ما يبدو أن تعيينه لنفسه خليفةً للمسلمين كان إرادة صدام وبعثه أكثر من كونه إرادة الله” ..