فيما كان تيار المستقبل يتجه للرد بإيجابية على مبادرة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بشأن الأزمة السياسية، دوّى انفجارا برج البراجنة. لم يصدر الموقف، لكن بيانات إدانة الجريمة حملت الكثير من الإيجابية، وبلا أي سلبية اعتاد فريق 14 آذار إضافتها عند كل عمل إرهابي. هذا في السياسة. اما أمنياً، فأصابع الاتهام تتجه صوب تنظيم «داعش»، ويلاحق المحققون خيطاً رئيسياً: موقوف في طرابلس مع حزام ناسف

 

عاد الارهاب مجدّداً ليضرب الضاحية الجنوبية لبيروت، في مشهد دموي مروّع، خلّف في آخر الاحصاءات ليل أمس 43 شهيداً و244 جريحاً، بعضهم حالته خطرة. استهدف العمل الإرهابي الشارع الواصل بين مستشفى الرسول الأعظم وساحة عين السّكة، قرب حسينية الإمام الحسين ومسجد الإمام الحسين الذي يخطب فيه عادة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ عبد الأمير قبلان، ويحضر إليه إجمالاً ليل الخميس ــ الجمعة ابنه المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان.

وهي منطقة مكتظة بالسكان وتضم سوقاً شعبية يرتادها سكّان الضاحية وأهالي مخيم برج البراجنة القريب للنازحين الفلسطينيين.
ولم تتّضح حتى ساعة متأخرة من ليل أمس الرواية الكاملة للعمل الإرهابي، مع استمرار الشرطة العسكرية واستخبارات الجيش في جمع المعلومات والأدلة لاكمال التحقيق. وبعيداً عن الروايات التي تمّ تداولها طوال الليل، رجّحت مصادر أمنية أن العملية نفذها انتحاريان اثنان، فجّر أحدهما دراجة نارية مفخخة، فيما فجّر الثاني حزامه الناسف بالجموع التي اتت لإسعاف جرحى التفجير الأول. وقللت المصادر من دقة المعلومات التي تحدّثت عن وجود ثلاثة انتحاريين، بعد العثور على جثّة أحد الإرهابيين مصاباً بقدميه، ولم ينفجر حزامه الناسف. التحقيقات تجريها استخبارات الجيش والشرطة العسكرية، ويجري التكتم على النتائج. لكن يبدو أن ثمة خيطاً مهماً يعوّل عليه المحققون، يتصل بالإرهابي الذي أوقفه فرع المعلومات فجر امس في طرابلس حاملاً حزاماً ناسفاً. فبحسب مصادر أمنية، لوحظ وجود شبهٍ كبير بين الحزام الذي لم ينفجر في الضاحية، وذلك الذي عُثر عليه مع الموقوف في طرابلس. ووصفت مصادر امنية موقوف الشمال بـ«الصيد الثمين»، مرجحة بصورة شبه مؤكدة وجود صلة بينه وبين المسؤولين عن تفجير الضاحية المزدوج.


رجّحت مصادر
أمنية أن العملية نفذها انتحاريان لا ثلاثة فجّر أحدهما دراجة نارية مفخخة

 

 

وكانت دورية من فرع المعلومات قد اشتبهت بـ«إبراهيم ج.» عند الفجر في محلة القبة في طرابلس على دراجة نارية، ولدى محاولة توقيفه حاول استخدام مسدسه، ما دفع الدورية إلى مطاردته واعتقاله، ليتبين حيازته قنبلة يدوية وحزاماً ناسفاً. ولم يدل الموقوف طوال يوم أمس بأي اعتراف جدي، إلّا أن محققي فرع المعلومات حصلوا من المديرية العامة للأمن العام على سجل حركة سفره، فتبين أنه سافر إلى تركيا مؤخّراً. وتقاطعت هذه المعطيات مع معلومات حصل عليها فرع المعلومات، أكدت أنه قصد الأراضي السورية، قبل أشهر، عبر تركيا. وأقر الموقوف بذلك، لكنه أصر على انه «زار عائلة خطيبته في سوريا». وأوقف فرع المعلومات شقيقه بلال للاشتباه بانتمائه إلى مجموعات إرهابية، ودهمت منزلاً يسكنه إبراهيم في منطقة الضنية. وأوضحت المعلومات الأولية أن الموقوف «كان يقاتل في صفوف أحد التنظيمات المسلحة، وجرى تجنيده لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل اللبناني، كما يشتبه بأن شقيقه متورط معه». وتبيّن أن تنظيم «داعش» طلب منه العودة إلى لبنان للتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية.
الحدث الأمني الثالث، الذي برز امس تمثّل بالعثور، قرابة السابعة صباحاً، على عبوة ناسفة في ساحة الأميركان في جبل محسن، بالقرب من مركزين للجيش. وبلغت زنة المتفجرات نحو 10 كيلوغرامات معدّة للتفجير داخل دلوين من البلاستيك وضعا في علبة من الكرتون. وعُثر على جهاز توقيت بدائي كان مضبوطاً لتفجير العبوة من دون ان يتمكن المحققون من معرفة الوقت الدقيق بسبب بدائية الجهاز (يُستخدم في أفران الغاز القديمة).
وكانت مواقع قريبة من تنظيم «داعش» قد نشرت بياناً تبنى فيه التنظيم تفجيري الضاحية، وورد فيه أنهما نُفّذا بمواسطة دراجة مفخخة ثم بحزام ناسف فجره انتحاري. ولم يأتِ التنظيم على ذكر هوية الانتحاريين ولا جنسيتيهما. وأكدت مصادر امنية عدم صحة الأسماء التي جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وجرت نسبتها إلى بيان لـ «داعش» تبيّن بعد التدقيق أنه غير موجود. كذلك نفت المصادر الامنية أن تكون الصور التي جرى تداولها للانتحاريين صحيحة، مؤكدة أنها تعود إلى أنصار الشيخ الموقوف أحمد الأسير، قُتلوا في معركة عبرا او قبلها. وأكدت مصادر في «تنظيم القاعدة» لـ«الأخبار» أن هجوم الضاحية نفذه إرهابيون تابعون لتنظيم «داعش»، مشيرة إلى أن «بيان التبني (الذي تحدّث عن دراجة نارية مفخخة وحزام ناسف ولم يأتِ على ذكر هويتي الانتحاريين) نُشر على مواقع معتمدة من قبل تنظيم داعش». كذلك علمت «الأخبار» من مصادر مرتبطة بـ«داعش»، أنه سيصدر تبنٍّ للعملية قريباً على شكل تسجيلٍ صوتي.
المشهد الدموي أحدث تضامناً شعبياً وسياسياً واسعاً في البلاد من كافة القوى السياسية، انعكس سلسلة مواقف أبرزها لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري وعدد كبير من أعضاء كتلة المستقبل النيابية، حيث أبدى التضامن الكامل وإدانة الإرهاب، مع غياب أي إشارة إلى تدخّل حزب الله في سوريا. ويأتي موقف الحريري مع الحديث عن إيجابية كبيرة ظهرت بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أول من أمس داخل تيار المستقبل، ومع نقاش كبير داخل التيار بضرورة الرّد بإيجابية على مبادرة نصرالله للوصول إلى تسوية وحل شاملين في البلاد حول رئاسة الجمهورية وعمل الحكومة وعمل مجلس النّواب. وكان لافتاً إعلان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، في معرض تنديده بالتفجيرين أمس، أن كلام نصر الله «فتح المجال لتسوية كبرى وأتمنى الاستجابة لهذه المطالب»، مؤكداً أنه «لا يجب أن نفكر بأننا فريقان لا يمكننا الالتقاء لاننا أصبحنا عاجزين ووضعنا الاقتصادي أصبح غير جيد».
وبدا لافتاً أن موقف الحريري انسحب على جميع سياسيي تيار المستقبل، من الرئيس فؤاد السنيورة، إلى النائب خالد ضاهر الذي عُرف سابقاً بمواقف تحريضية ضد المقاومة وبمحاولات ربط الأعمال الإرهابية التي ضربت الضاحية سابقاً بقتال حزب الله في سوريا، إذ أصدر الضاهر بياناً أمس أكد فيه أن «لبنان والعالم الإسلامي والعربي والعالم كله يستنكر هذا العمل الجبان والارهابي، الذي طال أهلنا في برج البراجنه»، داعياً إلى أن «يكون غداً (اليوم) في مقدمة التشييع أصحاب العمائم الشيعية والسنية والدرزية وأصحاب النيافة والقسيسين والرهبان لنكون يدا واحدة من أجل وحدة الوطن العزيز الجريح بشهداء اليوم». وعلى خطى المستقبل، سارت معظم مكوّنات فريق 14 آذار في إدانة الانفجار من دون ربطه بقتال حزب الله في سوريا، وزار منطقة التفجير متضامناً وزير العمل سجعان قزي.
وسرت شائعات أمس عن خروج الإرهابيين من مخيم برج البراجنة بهدف التحريض على الفتنة بين الفلسطينيين واللبنانيين عبر عدّة مواقع «مشبوهة» وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع بالفصائل الفلسطينية (فصائل منظمة التحرير وفصائل التحالف وحركة حماس وغالبية الأحزاب والحركات الفلسطينية) إلى تضمين بيانات التضامن مع اللبنانيين رداً على الشائعات وتأكيداً على الوحدة بين الضاحية الجنوبية ومخيم برج البراجنة. كذلك اتصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس برئيس الحكومة تمام والرئيس نبيه برّي للتأكيد على وقوف الشعب الفلسطيني إلى جانب اللبنانيين. ومن القاهرة، سارع الأزهر إلى إصدار بيان إدانة للجريمة. كما دانت السعودية «التفجير الإرهابي» الذي «أسفر عن سقوط العديد من الضحايا والمصابين».