هو الإرهاب الأعمى عينه يضرب مجدداً حاصداً مزيداً من المدنيين في رصيد مجازره النازفة على مذبح بلاد الشام. بالأمس كانت بيروت على موعد مع مجزرة دموية مدوية استهدفت حيّاً تجارياً مكتظاً في برج البراجنة إثر هجوم انتحاري مزدوج ذهب ضحيته أكثر من 40 شهيداً و200 جريح في محصلة هي الأكبر من نوعها منذ دخول لبنان في دوامة الانفجار والانتحار ربطاً بالحرب السورية. ولأنّ المصيبة تجمع، بدا الوطن متّحداً في مواجهة مجزرة «البرج» قطعاً للطرق الفتنوية ودرءاً للمخططات التخريبية الرامية إلى زجّ اللبنانيين في أتون النيران المستعرة في المنطقة. فعلى المستوى الرسمي، ينكّس لبنان اليوم الأعلام معلناً الحداد العام على ضحايا التفجيرين الإرهابيين، أما على المستوى السياسي والحزبي، وبغض النظر عن الهتافات الطائفية والمذهبية التي أطلقها بعض صبية «حزب الله» عبر شاشات التلفزة، فقد سادت لغة العقل على ألسنة السواد الأعظم من المسؤولين والقيادات من مختلف الانتماءات السياسية والحزبية والطائفية توكيداً على أهمية الاتحاد اللبناني في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ المنطقة والوطن.

وبينما تتالت الإدانات والاستنكارات محلياً منذ لحظات التفجير الأولى، على أمل من رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في أن تشكل «هذه الفاجعة حافزاً لجميع المسؤولين لتخطي الخلافات والعمل على دعم المؤسسات الدستورية والأمنية لكي نتمكن معاً من حماية جبهتنا الداخلية وتحصينها»، برزت على المستوى الدولي إدانة فرنسية شديدة اللهجة أبدى فيها الرئيس فرنسوا هولاند «صدمته وسخطه» جراء هذا «العمل الدنيء« وفق ما جاء في بيان صادر عن الأليزيه أكد أنّ «الفرنسيين يشاطرون اللبنانيين الحداد الوطني» مع التشديد على كون «فرنسا ملتزمة أكثر من أي وقت مضى (العمل) من أجل السلام في لبنان ووحدته واستقراره». في حين أعربت السفارة الأميركية في بيروت عن إدانتها هذا «الهجوم الحاقد» متوجهةً إلى عائلات الضحايا بالتعزية.

وفي تفاصيل الاعتداء الإرهابي، أنّ ثلاثة انتحاريين كانوا قد تسللوا مشياً على الأقدام إلى محلة «حيّ السكة» في منطقة برج البراجنة حيث سرعان ما أقدم أحدهم على تفجير نفسه وسط حشد من المواطنين قبيل نحو 5 دقائق من تفجير انتحاري ثانٍ نفسه على مقربة من الانفجار الأول إلى جانب إحدى حسينيات المنطقة، الأمر الذي ضاعف أعداد الشهداء والجرحى وأدى إلى مقتل الانتحاري الثالث قبل التمكن من إتمام مهمته الإرهابية. وفي حين سرت شائعات في اللحظات الأولى للاعتداء تتحدث عن استشهاد نجل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان عادت مصادر المجلس لتنفي صحة هذه الشائعات، بينما أوضحت مصادر ميدانية أنّ قبلان كان بالفعل يصلي داخل الحسينية لحظة وقوع الانفجار إلا أنه شوهد أثناء خروجه سليماً ليستقل سيارته قبل مغادرته المنطقة.

وبحسب المحصلة شبه النهائية التي أعلنتها وزارة الصحة قبيل منتصف الليل، فقد أسفر الهجوم الانتحاري المزدوج عن استشهاد 43 شخصاً بالإضافة إلى إصابة 249 آخرين بجروح جرى نقلهم للمعالجة في مستشفيات بهمن والساحل والرسول الأعظم والبرج والزهراء ورفيق الحريري الجامعي والسان جورج.

على الأثر كلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الشرطة العسكرية ومديرية المخابرات في الجيش إجراء التحقيقات الأولية وفرض طوق أمني في مكان الانفجارين، في وقت أوضحت قيادة الجيش في بيان أنّه «حوالى الساعة 18:00 أقدم أحد الإرهابيين على تفجير نفسه بواسطة أحزمة ناسفة في محلة عين السكة- برج البراجنة، تلاه إقدام إرهابي آخر على تفجير نفسه بالقرب من موقع الانفجار الأول»، مؤكدةً «العثور في موقع الانفجار الثاني على جثة إرهابي ثالث لم يتمكن من تفجير نفسه» مع الإشارة إلى أنّ الخبراء العسكريين حضروا إلى ساحة الجريمة وباشرت الشرطة العسكرية بعملية رفع الأدلة لتحديد حجم الانفجارين وهوية الفاعلين. 

ولاحقاً، تبنّى تنظيم «داعش» عبر موقعه الرسمي تفجيري الضاحية الجنوبية ونعى ثلاثة من منفذي ما أسماها «الغزوة»، وهم الفلسطينيان حامد رشيد البالغ وعمار سالم الريس، والسوري خالد أحمد الخالد.