قيل ان من بين أسباب التدخل الروسي في سورية موازنة التدخل الإيراني أو تقاسم موسكو مع طهران الإمساك بالورقة السورية. لكن لماذا التنافس و»الغيرة» بينهما إذا كان هدفهما، بحسب ما تعلنان، واحداً، وهو الدفاع عن الأسد ونظامه؟ فهل تصرح كل من الدولتين بما لا تضمر؟
الواقع ان كلاً منهما مقتنع بأنه لم يعد هناك اي احتمال، في ظل موازين القوى الحالية، لاستعادة سورية الموحدة تحت حكم النظام القديم، وانه لا بد مرحلياً من المحافظة على المناطق التي لا يزال بشار الاسد يسيطر عليها، بعدما تقلص كثيراً دوره في تحديد المسارين السياسي والعسكري لبلاده، بانتظار التوصل الى تسوية دولية تعيد توحيد سورية.
لكن لموسكو وطهران رؤيتين مختلفتين الى شروط هذه التسوية ومراحلها تعكسان مصالح كل منهما، ولا تتفقان بالضرورة: من يفاوض ومن يشرف على التطبيق ومن يتمثل في المرحلة الانتقالية وما يليها، وأي مستقبل لمختلف الأطراف السوريين.
ففي حين ترى روسيا ضرورة المحافظة على النواة الصلبة للجيش السوري والمؤسسات الدستورية وترى لها دوراً في إعادة البناء، عملت إيران تدريجاً على إضعاف الأسد وتعزيز دور صنيعتها اللبناني «حزب الله» في المقابل، لأنها لا تثق بالخلفية «البعثية» لمعظم ضباط الجيش ورجال الرئيس، حتى لو كان الحزب مجرد غطاء لحكم الطائفة العلوية.
وتعتقد طهران بأن الوسيلة المثلى لبقاء نفوذها في سورية الراهنة والمستقبلية، تكمن في اعتماد النموذج الذي طبقته في العراق عندما فرضت عبر حلفائها من الاحزاب والتنظيمات الشيعية قانون «اجتثاث البعث»، لكن بلا ضجة او إعلان هذه المرة. ولهذا ارسلت خبراء وضباط «الحرس الثوري» وميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية، ليحلوا تدريجاً مكان الجيش النظامي الذي أوشك على الانهيار، وليس ان يقاتلوا تحت لوائه وقيادته.
وأدى ذلك مراراً الى إشكالات بين الطرفين عندما تجرأ الإعلام الموالي لإيران على نسب «الانتصارات» العسكرية الى الاطراف الايرانيين وليس الى الجيش النظامي. حتى ان الايرانيين تفاوضوا مباشرة مع اطراف في المعارضة السورية على وقف للقتال محدود مكانياً وزمنياً، وبات الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله يحدد في خطبه مسار المعركة في سورية ومحطاتها.
وبعد الاتفاق النووي بين إيران والاميركيين، اظهرت طهران استعداداً أكبر للتفاوض على مصير الاسد ونظامه في مقابل مكاسب أخرى بينها خصوصا مستقبل «حزب الله»، فيما أبدت واشنطن استعداداً لمنح الايرانيين دوراً اكبر في تحديد مصير سورية، وهذا ما دفع الروس الذين كانوا ينتظرون نتائج المفاوضات بين طهران وواشنطن، الى التدخل لاستعادة دور الجيش النظامي الذي رعوه طوال عقود وسلّحوه ونسجوا علاقات متينة مع كبار ضباطه.
عملياً اذن، كانت إيران مستعدة للتفاوض على الاسد لكنها ليست مستعدة للتفاوض على الحزب اللبناني الذي سعت لجعله الوريث الشرعي للنظام السوري ودوره، وخصوصاً في الكباش الفولكلوري مع اسرائيل. فبعد الخروج السوري من لبنان كان لا بد من تقديم ضمانات بديلة الى الاسرائيليين كي يبقوا على «الحياد» في الصراع السوري، ولا أحد أفضل من الحزب يقدر على ذلك منذ حرب تموز (يوليو) 2006 التي اسفرت عن تفاهم غير معلن طبقه «حزب الله» بأمانة، مانعاً اي طرف من الاخلال بالهدوء في جبهة الجنوب التي شهدت سلسلة اختبارات من الجانبين. وعندما ارادت ايران تمرير بعض الرسائل الى الاسرائيليين استخدمت جبهة الجولان وليس الجنوب اللبناني.
وهذا يفسر استمرار حال الاهتراء وتفاقمها في لبنان، حيث ينتظر الحزب التوقيت المناسب لفرض سيطرته التامة. إذ يفترض بحسب الخطة الايرانية التي لا تزال قائمة على رغم التدخل الروسي، ان يتم شيئاً فشيئاً دمج لبنان بالدويلة العلوية، وان يقود «حزب الله» جناحيها السوري واللبناني، وليس الاسد الذي اثبت فشله في نظر الايرانيين. وتتداخل هنا الرؤية السياسية الايرانية مع الدينية التي ترى في العلويين «انشقاقاً» بسيطاً عن الطائفة الشيعية الاثني عشرية الأوسع، ربما حان وقت تصحيحه.
وقبل أيام، اعترف الجنرال في «الحرس الثوري» محمد علي جعفري بهذه الخلافات، وقال ان الروس ليسوا مرتاحين الى دور «حزب الله» في سورية. فهناك عملياً تقاطع روسي - إيراني على ضرورة منع انهيار «سورية الصغيرة» الحالية، وخلاف على من يقود الكيان الجديد الذي قد ينتج عن أي تسوية، ولمن سيكون ولاؤه. لكن كلا من موسكو وطهران تخفيان نواياهما بالمبالغة في تصريحاتهما عن التمسك بالأسد.