انتهت أزمة التشريع التي هدّد بعض أركان السلطة بأنها ستطيح أسس وجود الدولة في لبنان، المبنية على توازنات طائفية ومذهبية. فبعدما حُشِرت القوى السياسية المسيحية في الزاوية وارتفع منسوب الكلام «الانفصالي» سياسياً، انفرجت الأزمة. لكن السؤال هو: على ماذا؟ سيحصل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني، وتيار المستقبل على التشريعات المالية، والرئيس نبيه بري على جلسة تشريعية.
أما بعد ذلك، فلا شيء سوى انضمام المجلس النيابي إلى المؤسسات المعطلة. فالاتفاق الذي أبصر النور أمس تضمّن تعهداً من الرئيس سعد الحريري بعدم المشاركة في أي جلسة لمجلس النواب، من دون أن يكون قانون الانتخابات النيابية على جدول الأعمال. لكن ممثلي القوى السياسية يؤكدون أن الاتفاق على قانون للانتخابات ليس أمراً يسيراً، إن لم يكن مستحيلاً في ظروف الانقسام الحالي. فقانون الانتخابات ليس قانوناً عادياً يجري الاتفاق عليه في اللجان النيابية، بقدر ما هو تعبير عن موازين القوى السياسية، المحلية ذات الامتدادات الإقليمية. وبناءً على ذلك، سيكون من الصعب الاتفاق على مشروع قانون انتخاب يجري إقراره قريباً. وبالتالي، لا جلسة تشريعية في الأفق بعد التي ستُعقد اليوم.
تسوية أمس مهّد الطريق لها، سياسياً، تكتل القوى المسيحية، الذي أعاد إلى الأذهان انقساماً إسلامياً مسيحياً لم تشهده الحياة السياسية بهذه الحدة منذ أكثر من عقد. وقررت القوى السياسية «المسلمة» التراجع خطوة إلى الوراء، لتلافي تعميق الانقسام الذي هدّد تحالفي 8 و14 آذار. أما تقنياً، فقد شكلت المناقشات حول قانون استعادة الجنسية الخرق الأساسي على طريق إيجاد التسوية لعقد الجلسة التشريعية.
الجميّل يخرج عن «الإجماع»: لا تشريع قبل انتخابات رئاسية
فلكون المشروع المعجل المكرر مدرجاً على جدول الأعمال، وفي ظل المناقشات التي دارت خلال يومين بين النواب الذين اجتمعوا في ساحة النجمة مع المؤسسة المارونية للانتشار، كان لا بد أن يكون هو الباب الذي من خلاله يمكن الدخول إلى حل للمأزق التشريعي. وفي المعلومات أنه في جلسة الثلاثاء تحقق تقدم فعلي في نقاشات اللجنة وبدأت معالم الحلحلة تظهر تدريجاً في موازاة الاتصالات التي كانت تجرى بين الرابية ومعراب عين التينة والسعودية. بين فترة بعد الظهر والمساء كانت أجواء الحل تتبلور وبدأ اتجاه التوصل إلى اتفاق على اقتراح مشروع استعادة الجنسية يصبح واقعياً. في هذا الوقت كانت معالم التسوية السياسية الشاملة على قانون الانتخاب تنضج، وسط اتصالات أسهم فيها الذين شاركوا في اجتماع ساحة النجمة. فيما كانت حركة الموفدين من التيار الوطني وحزب الله والمستقبل والقوات تتواصل حتى ساعة متأخرة من فجر أمس.
مع تأكيد انعقاد الاجتماع صباح أمس في ساحة النجمة، ثبت أن التسوية في طريقها إلى الإعلان، وجرت ترجمتها عبر الاتفاق على كامل البنود المطروحة في مشروع استعادة الجنسية. في وقت كانت فيه الآليات المعتمدة لإظهار التسوية تترجم عبر تصريحات متعاقبة للرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. وعلمت «الأخبار» أن عون وجعجع تحادثا أمس أربع مرات، وتبادلا التهنئة الهاتفية بالتوصل إلى التسوية وإنجاز الاتفاق. كذلك أشاد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لدى لقائه النائب إبراهيم كنعان وموفد جعجع ملحم الرياشي بإعلان النوايا بين الطرفين وما أنجزاه، ووعد بالإشادة به في الاجتماع الختامي لمجلس البطاركة الكاثوليك.
الجميّل: التسويات عار على لبنان
الطرف الوحيد الذي قرر البقاء خارج دائرة التوافق هو حزب الكتائب الذي شدد رئيسه النائب سامي الجميّل على أن «أي جلسة لا يكون موضوعها انتخاب رئيس هي مخالفة للدستور»، متسائلاً: «هل باتت الضرورة الوحيدة هي كل ما يتعلق بالمال وكل ما فيه خروج عن الدستور ويهدف إلى تدمير لبنان؟».
وفي مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب، أشار إلى أن «الخروج عن النص يفتح مجال لتفسيرات مختلفة ولصدامات طائفية ولاصطفافات طائفية ولشريعة الغاب».
وأكد «أننا ككتائب، سنتصدى لكل المحاولات ولكل تسويات على حساب انتخاب رئيس وعلى حساب الدستور وعلى حساب لبنان»، مناشداً الجهات المتنازعة ورئيس مجلس النواب نبيه بري والأفرقاء والأحزاب التي تعتبر هناك في مشكلة ميثاقية، أنه بدل الذهاب إلى التشنجات والمخالفات فلنعُد إلى بيت القصيد وننتخب رئيس للجمهورية».
ولفت إلى أن «لا ضرورة أهم من انتخاب رئيس»، معتبراً «أننا أمام تسويات على حساب الدستور والرئيس والقانون واللبنانيين». وأوضح أن «التسويات لا تعنينا وهي عار على لبنان وغياب مطالبة لانتخاب رئيس».
من جهة أخرى، أكّد رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية أن «العلاقة بين العماد ميشال عون وحزب الله لم ولن تتعرض للاهتزار على الإطلاق، إنما على العكس، العلاقات المتينة ستظهر قريباً». ولفت في مقابلة ضمن برنامج «بموضوعية» على قناة «ام تي في» إلى انه «من أجل الاتفاق على رئيس للجمهورية، علينا الاتفاق على المرحلة المقبلة التي هي ستنتج رئيساً، أنا لست مع أولوية انتخاب رئيس الجمهورية، بل أنا مع أولوية إقرار ما نتفق عليه وكل ما نتفق عليه نسير به، وأنا مع إنتاج دوحة لبنانية، يجب أن ندخل على الحوار والاتفاق على هيكلية للحكم في مرحلة جديدة وعند الدخول في هذا الاتفاق سنصل إلى رئيس للجمهورية. ولا يمكن فصل قانون الانتخابات عن غيره فهو من ضمن سلة واحدة متكاملة».