تتلبد السماء اللبنانية بغيوم سياسية سوداء تهدد وجود الدولة، وتضع البلد على مسار خطير، قد يؤدي إلى إعلان لبنان دولة فاشلة ومفلسة. هذه الأجواء التشاؤمية واقعية وليست من باب التهويل، بسبب استفحال الخلافات السياسية، وتعمق الانقسام الطائفي، حيث إن الاصطفاف التقليدي منذ العام 2005 لم يعد موجوداً، وتحول إلى اصطفاف مسيحي – إسلامي بامتياز، مع خروج تيار النائب ميشال عون من فريق »8 آذار«، وتمايز حزب »القوات اللبنانية« عن الحلفاء في »14 آذار«، وكذلك ابتعاد »حزب الكتائب«، خصوصاً بشأن جلسة مجلس النواب المقررة غداً.
ويقول مصدر سياسي بارز إن الأسباب المعلنة للخلافات، هي عدم إدراج قانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية اللبنانية للمغتربين على جدول أعمال الجلسة، المخصصة أصلاً لبت قوانين مالية واقتصادية، إلا أن الحقيقة في مكان آخر، فالأطراف المسيحية دخلت في حفلة مزايدات بشأن الحقوق المسيحية، وعينها على تحسين مواقعها في معركة انتخابات الرئاسة.
وإذا كانت الأخيرة متعذرة في المدى المنظور، فإن الاصطفاف الطائفي يفيدها في شد عصب الشارع، استعداداً لأي انتخابات نيابية أو بلدية أو نقابية، قد تحصل في المرحلة المقبلة. وأكد المصدر أن النائب وليد جنبلاط أصاب بتوصيف الوضع، عندما رمى مسؤولية التعطيل على القوى المسيحية في »8 و14 آذار«، لأن حقيقة تعطيل انتخابات الرئاسة، هي في الخلاف المسيحي – المسيحي، إذ لو حصل توافق على شخص ما ليتولى سدة الرئاسة في هذه المرحلة الحرجة، لصار صعباً على أي طرف آخر داخلي أو خارجي الاعتراض عليه.
والأمر نفسه ينطبق على سائر الملفات الداخلية، مثل عمل الحكومة وانعقاد البرلمان للتشريع. ولفت المصدر إلى أن الجو الإقليمي الملتهب الذي أدى إلى تعطل الحياة السياسية اللبنانية، خصوصاً في ظل تورط »حزب الله« في القتال السوري، بات اليوم أكثر حدة وقوة بعد التدخل الروسي في سوريا، وتصاعد المواجهة الإيرانية – السعودية، ما يعني أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التأزيم في الداخل اللبناني.
ولكن يجدر الانتباه، إلى أن خلط الأوراق لبنانياً، وانفراط عقدي »8 و14 آذار«، وإن كان ليس نهائياً، يعكس بدء مرحلة جديدة من الغموض على الصعيد الإقليمي، وبالتالي إرباكاً لبنانياً في التعاطي مع الوضع الجديد.
ويرى المصدر أن كل القوى السياسية اللبنانية تنتظر تبدلاً ما في الوضع الإقليمي، وتأمل حصول تسوية قد تنعكس تسوية شاملة في لبنان، تشبه »اتفاق الدوحة« بالتوافق على سلة واحدة تضم رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والحكومة الجديدة، إلا أن هذا بعيد المنال حالياً. وإذا لم تجد الطبقة السياسية اللبنانية وسيلة ما لإحياء المؤسسات، فإنها تعرّض الدولة للسقوط النهائي، بحيث لن تنفع أي تسوية خارجية لإنقاذها.
المصدر :السياسة