تدخل المشاورات والوساطات المبذولة على أكثر من خط وفي أكثر من اتجاه ربع ساعتها الأخير اليوم سعياً وراء بلوغ أرضية توافقية يؤمل الوصول إليها والتأسيس عليها عشية انعقاد الجلسة التشريعية غداً. وفي رسم تشبيهي لصورة الأجواء خلال الساعات الأخيرة، تبدو الجهود الآيلة إلى جعل سكة تشريع الضرورة «سالكة وآمنة» في سباق متسارع مع الزمن بين تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بحق التشريع وموعده وبين تلويح حزبي مسيحي ثلاثي الأبعاد عونياً قواتياً كتائبياً باللجوء إلى الشارع على وقع التهديد باتخاذ «إجراءات قوية وحاسمة» كما توعّد النائب ميشال عون بالتكافل والتضامن بين الأحزاب الثلاثة رفضاً لما اعتبره رئيس «القوات» سمير جعجع «تلاعباً بالميثاقية» التي رأى رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل عدم إمكانية «ربطها بتقدير الرئيس بري». في وقت تميّز رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية بموقف مسيحي مغرّد خارج السرب المعترض على التشريع أكد فيه توافر «الميثاقية القانونية» لجلسة الغد، لافتاً الانتباه إلى كون كتلته النيابية «تغطي جزءاً من هذه الميثاقية» على مستوى التمثيل الحزبي المسيحي، مع تشديده انطلاقاً من «جوهر قناعاتي ومسيحيّتي» على أنّ «وضع مشروع قانون انتخابي غير متفق عليه على جدول الأعمال أو عدمه لا يمس كثيراً بأمور الطائفة المسيحية».

أما على ضفة عين التينة، فمزيد من الإصرار والتمسك برفض طعن الميثاقية من بيت «أبيها» كما بدا من حديث بري أمس أمام مجلس نقابة الصحافة، قائلاً: «أنا أبو الميثاقية ولكن بمعنى أنه عندما يكون هناك طرف بالكامل غائباً عن الجلسة (...) ليس نبيه بري الذي يتخلى عن الميثاقية (...) الأب لا يترك ابنه ولكن عليه أن يرشده»، متسائلاً في معرض تشديده على ضرورات التشريع الملحّة لإنقاذ البلد مالياً واقتصادياً: «أليس حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مارونياً؟ أليس رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه مارونياً؟ وفي داخل المجلس أليس هناك أقطاب حاضرة؟ أليس الذين يشاركون في الحوار أقطاب؟ هناك أقطاب موارنة وهناك مسيحيون يحضرون. لماذا التذرع بالميثاقية؟ لماذا يؤخذ هذا الموضوع حجة لتعطيل البلد؟». وبينما أشار إلى تعاونه مع المطلب العوني القواتي في مشروع قانون استعادة الجنسية للمتحدرين وفي إدراج اقتراح توزيع عائدات البلديات من وزارة الاتصالات، ذكّر بري في الوقت عينه بالاتفاق الذي كان قد حصل في المجلس النيابي حول إرجاء إقرار مشروع قانون انتخابي جديد في ظل الشغور الرئاسي ربطاً بضرورة احترام رأي رئيس الجمهورية في قانون الانتخاب المزمع إقراره وهو ما تم تدوينه حينها في المحضر بالإشارة إلى أنه «بعد انتخاب رئيس الجمهورية سيكون هناك قانون انتخاب جديد، وإذا زالت الظروف الاستثنائية سيكون هناك تقصير لولاية المجلس وإجراء انتخابات نيابية». 

من جهتها، أوضحت مصادر تعمل على خط الوساطة بين بري والطرفين القواتي والعوني لـ«المستقبل» أنّ «رئيس المجلس النيابي يرفض تقديم التزام زمني أو وعد مسبق يتعلق بطرح مشروع قانون الانتخابات النيابية على الجلسة المقبلة للهيئة العامة»، مشيرةً إلى أنّ أقصى ما وافق عليه بري هو الإعلان في جلسة الغد التشريعية عن «تشكيل لجنة لدرس مشروع قانون الانتخاب مع إمكانية إعطائها مهلة زمنية محددة لإنهاء مهمتها». في حين كشفت مصادر نيابية لـ«المستقبل» أنّ النائبين ابراهيم كنعان وجورج عدوان طرحا على بري مخرجاً يقضي بإدراج قانون الانتخابات «بنداً أخيراً» على جدول أعمال جلسة الغد على أن يُصار إلى إرجاء البحث به إلى الجلسة اللاحقة، غير أنّ بري رفض الأمر باعتبار أنه إذا أدرج على هذه الصيغة وبات بنداً محالاً للنقاش في أول الجلسة التشريعية المقبلة عندها في حال عدم التوافق عليه خلال هذه الجلسة فسيؤدي ذلك إلى تعليق العمل التشريعي برمته في الهيئة العامة بانتظار إقرار هذا البند.

خليل

وعن موجبات ودوافع عدم قبول بري الالتزام بوعد مسبق حيال مسألة إدراج ومناقشة قانون الانتخاب في الهيئة العامة، أوضح الوزير علي حسن خليل لـ«المستقبل» أنّ «الالتزام سلفاً بموعد من هذا القبيل من دون الاتفاق على مشروع قانون محدد للانتخابات النيابية دونه إشكاليات تشريعية كبيرة وهذا ما قاله الرئيس بري للنائبين كنعان وعدوان»، وأضاف: «فليتفق التيار الوطني والقوات والكتائب على مشروع قانون انتخاب جديد فيتم عرضه على لجنة نيابية مختصة وعندما تنتهي اللجنة من درسه يُصار فوراً إلى تحديد جلسة تشريعية خاصة لمناقشته»، مشدداً على كون «قضية قانون الانتخاب هي الأصعب ويجب عدم التعامل باستخفاف معها»، وذكّر في هذا السياق بأنّ «تسوية الدوحة تمت أساساً بغرض التوافق على قانون انتخابي جديد نظراً للتوافق المسبق حينها على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، أما اتفاق الأفرقاء على قانون انتخابي جديد فهو أمر لم يتحقق إلا في الليلة الأخيرة من محادثات الدوحة».

وإذ أكد أنّ جلسة التشريع غداً «قائمة في موعدها ومن غير الوارد تأجيلها»، ذكّر خليل المتذرعين «بحجة وجود متسع من الوقت لإقرار المشاريع المالية حتى نهاية العام» بواقع الشغور الرئاسي «ما يفرض مزيداً من الوقت لتوقيع القوانين وكالةً عن رئيس الجمهورية بغية الانتهاء من عملية إقرارها».

ورداً على سؤال، أجاب: «إقرار القوانين ذات الصلة في الهيئة العامة سيحلّ مشكلة الرواتب أقلّه على مدى الأشهر العشرة المقبلة». 

سلام

من جهته، أعرب رئيس مجلس الوزراء تمام سلام عن تأييده لانعقاد جلسة تشريع الضرورة غداً، مشدداً في هذا المجال على الحاجة الملحة «لتفعيل عمل مجلسي النواب والوزراء على حد سواء من أجل تسيير شؤون المواطنين الحيوية بعيداً عن الخلافات السياسية التي عرقلت حتى اليوم انتخاب رئيس للجمهورية».

وفي دردشة مع الإعلاميين على متن الطائرة التي أقلته أمس إلى الرياض للمشاركة في قمة الدول العربية ودول أميركا اللاتينية، أضاف سلام: «أنا مع إقرار مشاريع الضرورة وخطوات الضرورة»، متوجهاً إلى القوى السياسية بالقول: «على الأقل حافظوا على البلد ليتحمّل صراعاتكم السياسية وخلافاتكم، وافصلوا بين الأمور الخلافية السياسية والأمور المعيشية والحياتية والاقتصادية والاجتماعية التي تحتاج إليها البلاد لتمكينها من الاستمرار والصمود».

وعن ملف أزمة النفايات، قال: «الخطة المرحلية (لطمر النفايات) التي كان قد باشرها الوزير أكرم شهيب تعثرت في ظل الصراع السياسي، ربما قد تكون كلفة الترحيل عالية ومستلزماته التقنية ليست سهلة ولكن إذا نجحنا فالأمر مرحلي لمدة سنة ونصف السنة إلى حين إتاحة الفرصة أمامنا لكسب الوقت أمام تطبيق الخطة المستدامة التي يجب أن تُقر».