ربما لم يبلغ التأزم الداخلي مستوى من التصعيد السياسي بالخطورة التي لاحت في الساعات الاخيرة والمرشحة لمزيد من التصاعد اليوم، في كل حقب الازمات المتعاقبة في السنين العشر الاخيرة. فالصراع على الجلسة التشريعية لمجلس النواب بلغ ذروة التحدي والمكاسرة، مع اخفاق كل الجهود والمساعي والوساطات المبذولة منذ أكثر من اسبوع لتسوية بدت كأنها غدت من الاستحالات، في ظل صراع تجاوز ملف الجلسة نفسها الى اعادة خلط الاوراق وحتى التحالفات التقليدية ليرسم صورة يخشى معها استعادة انقسام على خلفية طائفية يضحي معها افرقاء الصراع أسرى عدم النزول عن السقوف الشاهقة لمواقفهم المتعارضة بحدة. واذا كانت مسألة تجاوز الميثاقية والمشاركة التي ترفعها القوى المسيحية الثلاث "التيار الوطني الحر " و"القوات اللبنانية " والكتائب أدخلت على المشهد الداخلي لاعبا مؤثراً قوياً يتمثل بـ"الحلف الثلاثي" الجديد، الذي يلعب اول ادواره في رفع "الفيتو" المسيحي في وجه رئاسة مجلس النواب بكل ما تمثله من حيثيات دستورية وطائفية، وكذلك ضمناً في وجه الافرقاء الآخرين من حلفاء وخصوم، فإن ذلك لا يحجب في المقابل بروز الموقف المتشدد لرئيس المجلس نبيه بري من الشرط الذي يتمسك به الثنائي العوني – القواتي خصوصاً في ادراج قانون الانتخاب على جدول اعمال الجلسة. هذه المواجهة بلغت ليل أمس حدود انطلاق الاستعدادات بين قوى "الحلف الثلاثي" الرافض للجلسة التشريعية لتحركات على الارض في حال المضي نحو عقد الجلسة وتجاهل مقاطعيها تردد انها تراوح بين اضراب عام وتظاهرات حاشدة وقطع طرق في يوم انعقاد الجلسة غداً.
وعلمت "النهار" ان تحديد رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، عقب اجتماع التكتل أمس، ظهر اليوم موعدا لكشف الاجراءات "القوية والحازمة" التي ستتخذ في حال الاصرار على عقد الجلسة يعود الى افساحه لـ"حزب الله" في الوساطة التي يتولاها من أجل ايجاد تسوية اللحظة الاخيرة.
وبدا أن عنوان "إلى التصعيد... دُر" ينطبق تماماً على حال كتل "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" والكتائب، في حين أخفقت حتى الساعات الاخيرة محاولة تسوية قادها وفد نيابي ضم من "المستقبل" النائبين أحمد فتفت وعاطف مجدلاني إلى الوزير بطرس حرب، وعرض في اجتماع مع الرئيس بري اقتراح تضمين جدول أعمال الجلسة التشريعية قانون الإنتخاب، وبما أن هذا الموضوع يحتاج إلى مناقشات مستفيضة، ينتقل المجلس إلى القضايا المالية الملحة ويقرّها  كما يقرّ قانون الجنسية الذي تتوافر له الغالبية بموافقة بري و"حزب الله" عليه.
وكان نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان عرض هذا الإقتراح خلال الاجتماع القيادي في "بيت الوسط" الذي ضم قياديين حزبيين وشخصيات مستقلة من 14 آذار، ووافق عليه رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة. في المقابل اقترح بري على نائبي"المستقبل" والوزير حرب تشكيل لجنة من خمسة أطراف سياسيين رئيسيين أو أكثر تُكلف التوصل إلى قانون انتخابي في مهلة شهر أو شهرين، وإذا أخفقت يُحال الموضوع مجدداً على اللجان المشتركة، لأنه لا يُعقل أن يعرض على الهيئة العامة نحو 17 مشروع قانون للتصويت. وعندما نقل النائب فتفت هذا الإقتراح إلى النائب عدوان، كان الجواب "أعوذ بالله... وهل أنت مقتنع بذلك؟". وكان الجواب سلبياً.
وقال مصدر في "المستقبل" إن "الأمور لا تزال معقدة، ومحاولة التوصل إلى مخرج سوف تُستكمل، وهناك أمل". في حين أفادت معلومات أن "المستقبل" غير مرتاح إلى الوضع لأن ما يقبل به الرئيس بري يرفضه "التيار الوطني الحر" و"القوات". وأعربت مصادر عن اعتقادها أن رئيس المجلس لم يكن يتوقع هذا التشدد من الكتل المسيحية، وكان يعوّل على موقف إيجابي من "الكتلة العونية" بعد موافقته على مشروع قانون التجنيس وأموال البلديات، وفي ضوء عدم سماعه إلحاحاً، بحسب المصادر، على مطلب إدراج قانون الإنتخاب.
وفي الخلاصة بدا المشهد ليل أمس كالآتي:
"تيار المستقبل" سيتخذ موقفه ليل اليوم بعد عودة الرئيس فؤاد السنيورة من الخارج، فيما "التيار الوطني الحر" و"القوات" والكتائب تتجه إلى إضراب وربما قطع طرق في بعض المناطق ذات الغالبية المسيحية مما قد يجعل انتقال بعض النواب إلى ساحة النجمة متعذراً.
إلاّ أن مصدراً مطلعاً على مجمل الاتصالات واللقاءات التي تلاحقت طوال نهار أمس وليله قال لـ"النهار" إن انعقاد الجلسة لم يعد ممكناً في هذا الجو المتشنج، والأمور متجهة إلى تأجيلها أسبوعاً أو أسبوعين في نهاية المطاف، ريثما يتم التوصل إلى حل على قاعدة بدء البحث في قانون الانتخاب ثم الانتقال إلى البنود المالية الملحة واقرارها.

بري
وسط هذا الاستنفار السياسي المحموم، رد بري على ما اعتبره "حملة قائمة عليه" قائلاً: "انا ابو الميثاقية كما قال الدكتور سمير جعجع ولكن بمعنى انه عندما يكون هناك طرف غائب بالكامل عن الجلسة". وبرر اصراره على عدم ادراج قانون الانتخاب على جدول الاعمال بأن الموضوع يحتاج الى تفاهم وطني غير موجود.
وسألت "النهار" رئيس المجلس ليلا عن الاحراج الذي يواجهه أمام الشارع المسيحي، فأجاب: "انا اقبل باستفتاء عند المسيحيين فقط بين طرحي لانعقاد الجلسة والمعارضين لها حيال الجلسة واهميتها".

سلام
وفي الرياض، صرّح رئيس الوزراء تمّام سلام لمندوب "النهار" الى القمة الرابعة للدول العربية ودول أميركا الجنوبية احمد عياش بأنه يدعم بكل "تأكيد" دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقد جلسة تشريعية وانه سيكون حاضرا غدا في الجلسة كحكومة. وأضاف: "في ظل الصراع السياسي القائم والعقبات الكثيرة والمزايدات السياسية الامور غير مطمئنة ولكن هناك أمور ملحّة وضاغطة لها ضرورة وأسبقية في ما يساهم في تعزيز الوضع الداخلي لبنانياً. في مواجهة هذه العاصفة التي نمر بها علينا أن ندرك أن فرزها عن الصراع السياسي ضروري".
وأضاف: "ان مشاريع القوانين المطروحة في الجلسة ليس عليها أن تبصر النور فقط بل يجب علينا أن نتابع المسعى لتنفيذها ونعيد القليل من الثقة الى وضعنا الاقتصادي والمالي وهو من القطاعات الاكثر نشاطا والاكثر نجاحا، فهل هناك علينا أن نتعثر؟".
وهل يؤدي انعقاد الجلسة النيابية الى انعكاس إيجابي على الوضع الحكومي؟ أجاب: "لا بد ان كل الامور التي فيها فائدة للوطن تنعكس على الوطن واللبنانيين جميعاً، وتنعكس إيجابا على الحكومة وكل مؤسسات الدولة".