يقول رجل الدين الإصلاحي آية الله الشيخ محمود أمجد ، "إن الولاية التي يتحدث عنها الفقه ومن ضمنها ولاية الفقيه وعدول المؤمنين، إنّما يقتصر على الشؤون الحسبية " التي لا يرضى الله بإهمالها وهي عبارة عن شؤون لا يتولاها أحد مثل الأطفال القاصرين الذين فقدوا الوالدين وأمثالهم ممن يجب على المؤمنين ومن بينهم على الفقهاء المؤمنين، تولي شؤونهم.
وأضاف الشيخ أمجد ، إن "ولاية الفقيه" التي كان يتحدث عنها الإمام الخميني ، لم يكن المقصود منها ولاية المضطلع في الفقه ، بل كان الأساس فيه هو طهارة النفس ، إذ يعتبر الحديث الشريف " وأمام من كان من الفقهاء صائنا لنفسه .. [فللعوام أن يقلدوه].
إن صيانة النفس حسب الشيخ الإصلاحي عبارة عن خلوّ الشخص عن الأهواء النفسانية والأنانية ، وما يترتب عليه من الولاية هو أمر باطني وليس له علاقة بالشأن السياسي ، هذه الولاية هي إمتداد لولاية النبي والإمام عليهما السلام ، وليس لها صلة بالشأن السياسي.
ويرى الشيخ أمجد أن تلك الولاية هي عبارة عن ولاية روحية لن تحصل لكل من تضطلع في الفقه، لأن كلّ من يمارس دراسة الفقه لمدة 10 سنوات يمكن له بأن يصبح فقيهاً ولكن ليس له تلك الولاية.
ويرى آية الله أمجد بأن الإمام الخميني كان يملك موقع الولاية الباطنية ولكن ما كان يعتبر أنّ لنفسه الولاية على الشؤون الدنيوية، وحتى في قضايا متصلة بالشأن العام مثل رؤية الهلال كان يعتمد على فقهاء آخرين من أمثال السيد الكلبيكاني.
ولكن عند ما كان يتصل الأمر بمصالح العامة، كان يتدخل الأمام الخميني لتغليب مصالح عامة الناس على آراء الفقهاء وكان يعارض الفقهاء في آرائهم المشددة التي تعرقل في حياة الناس وتكبل أيديهم.
ويعتبر الشيخ أمجد بأن الإمام الخميني لم يكن يرى بأن الفقه والفقاهة شرط في الحاكم، ولهذا طالب بإلغاء شرط المرجعية عن الدستور خلال إعادة النظر في الدستور في العام 1988، وتم إلغاء شرط المرجعية عن القائد ، لأنه لم يكن يرى بأن للفقيه الولاية في الشؤون التنفيذية وإدارة البلاد والشؤون الأمنية والإدارية .
يقدم آية الله أمجد تعريفاً حديثاً للولاية الفقيه ، بالرغم من أنّ الولاية في القاموس الشيعي منذ البدايات، لم يكن المراد منها إلا الولاية الباطنية التي ليس لها صلة بالسياسة والخلافة، كما أنّ الإمامة عند الشيعة لم تكن إلا منصباً روحياً يختلف تماماً عن الإمارة والخلافة ، ولكن تعرض مفهوم الولاية إلى تحوّل مفهومي في القرون الأخيرة إذ التبس قميص السلطة السياسية .
ولكن الشيخ أمجد يرى بأنّ تلك الولاية الروحية كان يملكها علماء ربانيون من أمثال السيد بهاء الديني والعلامة الطباطبائي الذي لم يتقدم ليؤم الصلاة لثلاثة أشخاص فضلاً عن أن يرى لنفسه حق السلطة الإلهية على الآخرين .
يقول المراقبون في الشأن السياسي الإيراني إنّ الإمام الخميني لم يكن يعتبر نفسه إلا زعمياً سياسياً يفكر بمصالح الشعب وعامة الناس، ولم يحاول من أجل إدراج مبدأ ولاية الفقيه كمادة دستورية في الدستور الإيراني، ولم يقصد ذلك، إلا أن بعض قياديي الثورة من أمثال آية الله المنتظري اعتبروا أن إدراج مفهوم ولاية الفقيه في الدستور ضروري من أجل شرعنة العلاقة بين الشعب والقيادة.
أما آية الله أمجد الذي درس على يد العلامة الطباطبائي وعلماء آخرين من أمثال آية الله العظمي الميلاني، يرى بأن إدخال مفهوم الولاية في السياسة خطأ، حيث إن الولاية لا صلة لها بالشأن السياسي والمجتمعي وإن الفقيه ليس المراد منه من درس الفقه ، بل هو من يجتاز مقامات روحية باطنية، وحصل على مرتبة صون النفس عن الأهواء كما جاء في الحديث .
يعتقد الشيخ أمجد بأن الإمام الخميني لم يكن يعنيه إلا مصالح الشعب وعند التعارض بين المسلّمات الفقهية ومصالح الشعب كان يقف دوماً بجانب مصالح الشعب، ولم يمارس السلطة السياسية من موقع ولي الفقيه الذي يعتبر أن سلطة مخولّة له من الله أو أنه نائب للإمام المهدي .
ولهذا يرى الشيخ أمجد بأنّ أي فقيه لو كان في الموقع التأسيسي الإمام الخميني بعد إسقاط الشاه والبدء بتأسيس نظام جديد ، لكان يحدث فوضى عارم وفراغ في السلطة وتجزئة للبلاد وتعرض أمن البلد للخطر ولكان يسود الصراع والتفرقة والحرب بين أبناء البلاد .
والسبب في ذلك يعود إلى أن الفقهاء التقليديين كانوا يرون لأنفسهم حق السلطة الإلهية ويُلزمون الناس بآرائهم الفقهية التي أنتجوها من خلال قناعاتهم وفكرهم المنعزل عن الواقع ، بينما الإمام الخميني لم يكن ينظر لمبدأ ولاية الفقيه كمصدر لشرعيته وممارسته السلطة السياسية وكان يرى بأن السيادة للشعب.
ويبدو إن ما يقدمه آية الله أمجد، قراءة جديدة لدور الفقيه في السلطة السياسية ، إن ما يقول به أشبه ما يكون بالدولة المدنية من الدولة الإسلامية. فهل نحن أمام نظرية جديدة تُقصي الفقيه من الموقع الذي احتله في النظام السياسي الإيراني؟