كان الشيعة في القرون الأولى يرجعون إلى أئمَّة أهل البيت(ع) في مسائل الحلال والحرام ، واستمر الحال إلى زمن الإمام الثاني عشر المهدي (ع) وهذا ما يعتقد به الشيعة بأنه (ع) غاب غيبتين، الأولى ما تسمَّى بالصغرى،وله سفراء يشكلون له حلقة التواصل بينهم وبين إمامهم.. واستمرت من سنة(260- إلى 329ه) نعلم هنا أنَّ عمر الطائفة الشيعية لا يقل عن الألف سنة بعد وفاة السفير الرابع للإمام المهدي (ع) ومعها نشأت فكرة نائب الإمام من الفقهاء والمجتهدين ووجوب الرجوع إليهم طبقاً لما ورد عن المهدي(ع) "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم"..
وبالتأكيد هنا إختلف الفقهاء فيما بينهم حول حدود وصلاحيَّات الفقيه حول النيابة والولاية عن المعصوم(ع) فهنا لست بصدد بيان الخلاف حول تضيقها أو توسيعها،بقدر ما أريد أن نسلِّط الضوء على مسألة الرجوع إلى الفقيه الذي هو ليس معصوماً بالتأكيد،لأنَّ هذه القضية لا يحلُّها ولا يحملها إلاَّ شخصٌ له تسديدات إلهية مباشرة من السماء ويكون معصوماً، وقد تعرَّض الفقهاء وعلماء الكلام لهذه القضية وذهبوا إلى عدم إنتقال هذه الصفة بشكلٍ عام وواسع، لأنها من خصائص المعصوم وحده..
نذكر ما قاله الفقيه محمد جواد مغنية في كتابه فقه الإمام الصادق:"ونحن نعتقد أنَّ المعصوم وحده هو الذي يجب اتِّباعه في جميع أقواله وأفعاله،سواء أكانت من الموضوعات أم من غيرها، أما النائب والوكيل فلا، بداهة أنَّ النائب غير المنوب عنه،والوكيل غير الأصيل،وليس من الضرورة أن يكون النائب في شيء نائباً في كل شيء،وأيضاً نعتقد أنَّ من قال وادَّعى أنَّ للمجتهد العادل ما للمعصوم هو واحد من إثنين لا ثالث لهما،إما ذاهل مفغَّل،وإما أنه يجرُّ النار إلى قرصه،ويزعم لنفسه ما خصَّ الله به صفوة الصفوة من خلقه،وهم النبي(ص) وأهل بيته(ع) وأعوذ بالله من هذه الدعوة وصاحبها"...إنتهى..
هنا نقول لعلَّ من ضمن دوافع وبواعث تلك المسألة هي رغبة القائلين بالنيابة العامة من الفقهاء في أن يكون مصدراً إضافياً لمصادر التشريع، وبعض الدوافع المختلفة منها السياسة وعلى رأس تلك الدوافع السياسية حاجة الدولة "إسلامية أو صفوية" إلى مرجع واحد على الأقل يستطيع تسويغ وشرعنة وتنفيذ ما تريده السلطة مع ضمان الإنقياد والطاعة العمياء من العامة لذلك الأمر السلطوي،من هنا أصبح الأتباع والمقلِّدون منذ تلك الحقبة إلى يومنا هذا يطيعون الفقيه النائب العام بشكلٍ مطلق ولا يجرؤ أحد على إبداء أي ملاحظة أو نقد أو تعليق أو تشخيص على خلاف رأيه، وإذا أخطأ "لكونه غير معصوم" يغضُّون النظر عن ذلك الخطأ أو يبررون له وبذلك بالقول إنه يفكر بطريقة وبعقل وبعلم ودراية وبإلهام نحن لا نستطيع إدراكها، أو تحضر أمامنا الروايات القائلة "والرَّادُ عليهم كالرَّاد على الله وهو على حدِّ الشرك بالله" .