العمل جارٍ بقوّة على تسوية سياسية للجلسة التشريعية، في ظلّ رغبة معظم الأطراف تجنّب أزمة جديدة تضاعِف التأزيم الحاصل بدلاً من احتوائه، خصوصاً أنّ التسوية التي يُعمَل عليها ترضي كلّ الأطراف، إنْ لجهة إقرار البنود المالية الملِحّة، أو لناحية إدخال البند الانتخابي في صلب الجلسة التشريعية، على أن يُرَحَّل البحث في حيثياته إلى جلسة لاحقة مخصّصة لقانون الانتخاب نتيجة تعَدّد المشاريع المطروحة. وقد تقصّدَ رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع توجيه رسالة إيجابية أمس لرئيس مجلس النواب نبيه بري بوصفه «أب الميثاقية الحديثة»، بهدف إبقاء أبواب الحلول مفتوحة، وتبريد المناخات المتشنّجة، تمهيداً لتمرير الجلسة التشريعية على قاعدة «أكل العنَب لا قتل الناطور». ولكن لم يرشَح حتى ساعة متأخّرة من ليل أمس ما يرَجّح احتمالَ التسوية على المواجهة، حيث لم يخرج الاجتماع بين بري والنائبين جورج عدوان وابراهيم كنعان بنتائج إيجابية وعملية تُعبِّد الطريقَ أمام التوافق الذي ما زال متعذّراً، فيما تترقّب الأوساط ما سيُعلنه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون اليوم والذي من المتوقع أن يكون تصعيدياً، إذا لم تطرأ أجواء إيجابية بفعل الوساطات المستمرّة، وقد يذهب إلى حدّ عدم المشاركة في جلسة الحوار المقبلة، هذا في وقتٍ كثّفَت الأحزاب المسيحية مشاوراتها، ونشَط على خطّ التسوية والاتصالات كلٌّ من تيار «المستقبل» و«حزب الله»، في محاولة للمساهمة في إنقاذ الوضع. وفي موازاة قانون الانتخاب انكبَّت كتَل نيابية عدّة على إقفال أيّ ثغَرات محتملة في قانون استعادة الجنسية من أجل إقراره في الهيئة العامّة، وبالتالي إذا سَلكت الأمور كما يُرسَم لها فيكون قطوع هذه الجلسة مرَّ على خير، وخلاف ذلك يعني استعارَ المواجهة الداخلية وتحوّلَها هذه المرّة إلى طائفية. وسط استمرار الاشتباك السياسي الحاد في البلاد، تنضمّ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقرّرة غداً إلى سابقاتها، وستشكّل مناسبةً لإطلاق المواقف من الجلسة التشريعية عشية انعقادها، ويتوجّه رئيس الحكومة تمّام سلام اليوم إلى الرياض للمشاركة في أعمال القمّة العربية - الأميركية اللاتينية، فيما نشَطت حركة الاتصالات واللقاءات التنسيقية والاجتماعات الماراتونية على الجبهة التشريعية،

وهي ستتواصل في الساعات الفاصلة عن جلسة «تشريع الضرورة» الخميس لإيجاد المخرج الملائم وتمريرها «على خير» وبأقلّ الأضرار الممكنة لطرفَي النزاع، حيث تتركّز الأنظار اليوم على بيانَي كتلة «المستقبل»، وكتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعهما الذي نُقل موعدُه من الخميس إلى الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم، خصوصاً أنّ الطرفين دخَلا على خط الوساطة، وبالتالي أيّ موقف منهما كفيل بقلبِ الأمور رأساً على عقب، لأنّ لا الحزب في وارد التضحية بعلاقته مع عون، ولا «المستقبل» في وارد التضحية بعلاقته مع جعجع.

وعشيّة هذا الاجتماع، قال الوزير محمد فنيش إنّ «هناك دعوة لانعقاد جلسة للمجلس النيابي هي أكثر من ضرورة، فانعقاد المجلس بالأصل لا يتعارض مع شيء، ولا شيء ينبغي أن يعطّل انعقاده، ومع ذلك فهناك ضرورات باعتراف الجميع تُحتّم انعقاده»، آملاً في «أن تثمر الجهود في إزالة المعوقات أمام انعقاد المجلس لإقرار مشاريع هي ضرورية وملِحّة لمصلحة إنماء كلّ المناطق اللبنانية ولمصلحة جميع اللبنانيين».
وكان رئيس «الكتلة» النائب محمد رعد قال أمس أنْ «ثمّة قوانين من مصلحة البلد أن تقَرّ الآن في المجلس النيابي».

إبراهيم

وفي الملف الأمني، وفي موضوع اكتشاف شبكة التجسّس الإسرائيلية، قال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لـ«الجمهورية: «إنّ الأمن العام يحارب الإرهاب بوجهَيه التكفيري والإسرائيلي، وملاحقتُنا الشبكات التكفيرية لم تشغلنا عن العَمالة لصالح إسرائيل، لأنه في النهاية المواجهة على هذين الخطّين حماية للبلد. ما نقوم به هو جزء من واجبنا، وسنتصدّى لكلّ ما يعرِّض أمنَ البلد للأخطار».

وكشف ابراهيم أنّ الأيام المقبلة ستكشف مزيداً من الشبكات، وأعضاؤها قيد التحقيق، مؤكّداً أنّ الأمن العام يَعمل كما تقتضي مصلحة الوطن الأمنية ويترجم سياساته لأفعال، مؤكّداً أنّه في الوقت نفسه وفي خضمّ العمل الأمني لا نغفل الشقّ الإداري وخدمةَ المواطن، واليوم تلقّينا جائزة الـ ISO التي تؤكّد على جودة الإدارة في الأمن العام وفقَ المعايير الدولية، وسيتمّ الإعلان عن هذه الجائزة في احتفال كبير قريباً».

تحرُّك فرنجية

وفي حراكٍ لافت لم يقُم به من قبل، علمَت «الجمهورية» أنّ رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية نشطَ في الأيام القليلة الماضية على خط الاتصالات، فلبّى دعوةَ رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل إلى عشاء لم يعلَن عنه مساءَ السبت الماضي في دارته في البترون، وشاركَ فيه نجلُه طوني فرنجية.

وتركّزَ البحث حول آخر التطورات المتصلة بالتحضيرات الجارية للجلسة التشريعية والموقف المسيحي شبه الموحّد الذي يَجمع «الكتائب» والتيار الحر» و«القوات» على رغم التمايز في بعض التفاصيل التي لا تلغي الإجماعَ على عدم المشاركة في الجلسة ولو بشروط متفاوتة، والذي كان يمكن أن يأتي متكاملاً لو انضمَّت»المردة» إلى هذا الإجماع.

كذلك تناولَ البحث قضايا مختلفة تتّصل بالعلاقات بين التيارَين في إطار «التكتّل»، والتي اهتزّت أكثرَ من مرّة في الأشهر الماضية على خلفية التمديد لقائد الجيش ورفض «المردة» المشاركة في تظاهرات «التيار» وقرار فرنجية بالمشاركة في الجلسة التشريعية الخميس.

عند الجميّل

ويزور فرنجية، يرافقه الوزير السابق يوسف سعادة، عند الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم رئيسَ حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في بكفيا، للتشاور في آخر التطورات والقضايا المطروحة على المستويات كافّة.

تحرّك كنعان وعدوان

وتحرّكَ موفدا عون وجعجع النائبان ابراهيم كنعان وجورج عدوان، في محاولةٍ لإدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة كي تصبح ميثاقية، وبالتالي يشارك «التيار» و«القوات» فيها، فزارا رئيسَ مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وانضمّ إلى الاجتماع وزير المال علي حسن خليل.

فأعلن عدوان أنّ «القوات» و«التيار» لن يتركا الخطر الميثاقي يهدّد البلد، والتشريعات الضرورية سنَبحثها في الوقت المناسب، وهذا الموضع ليس للبحث». وأكّد أنّ «الجلسة من دوننا والتيار لا تؤمّن الميثاقية». وأوضح أنّ القوات «تريد انتخابات، وسنَفعلها حسب القانون الانتخابي الجديد»، آملاً من شركائهم في الوطن أن يسمعوا صرختَهم.

ومن جهته، شدّد كنعان على أنّ «الميثاقية يجب أن تكون في كلّ الأوقات ويجب احترامها وتكريسها، لأنّ مدلولاتها خطيرة على العيش المشترك»، وأكّد أنّ تشريع الضرورة يشمل كلّ الأولويات». وعن المشاركة في الجلسة التشريعية، أجاب أنّه «لم يتمّ بتّ الموضوع وسيكون هناك متابعة للأمر مع كلّ الأفرقاء».

«التحرير والتنمية»

وكان رئيس مجلس النواب ترَأس أمس اجتماعاً لكتلة «التحرير والتنمية»، تحضيراً للجلسة التي أكّد النائب أنور الخليل أنّها «قائمة لا محال، وهي تطبيق للطائف».

إستعادة الجنسية

إلى ذلك، وفي إطار تذليل العقبات التقنية من أمام ملف استعادة الجنسية، عَقد نواب «التيار الوطني الحر» و»المستقبل» و»القوات» و»الكتائب» والوزير بطرس حرب، والمؤسسة المارونية للانتشار، اجتماعاً في المجلس النيابي، جرى التداول خلاله في الجلسة التشريعية، وملفّ استعادة الجنسية.

وتمّ الاتّفاق بأن يُستكمل النقاش اليوم في جلسة عند الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، ومن المحتمل أن تصل إلى اتفاق على البنود الخلافية.
وأكّد النائب جمال الجرّاح لـ«الجمهوريّة» أنّ «النقاش تَركّز على النقاط القانونية والآليّة المعتمدة لاستعادة الجنسية»، لافتاً إلى أنّ لتيار «المستقبل» ملاحظات قانونية وهي في طريقها نحو الحلّ، ولا خلافات، بل استضاحات».

من جهته، أوضَح عضو الـ«تكتّل» النائب ألان عون لـ«الجمهورية» أنّ «هذا الاجتماع غير رسميّ، وهو مع فريق «14 آذار» وخصوصاً تيار «المستقبل»، مشيراً إلى أنّه «سيكون هناك تواصُل مع المكوّن الشيعي في وقتٍ لاحق، لكن ليس هناك أيّ مشكلة أساسية معهم، ونأمل خيراً في اجتماع اليوم».

وعلى عكس التفاؤل، فإنّ عضو كتلة الكتائب النائب إيلي ماروني عبّرَ عن تشاؤمه في إمكان والوصول إلى اتفاق في جلسة اليوم.
وقال لـ«الجمهورية» إنّ «قانون الجنسية متوقّف منذ فترة، فلم يتغيّر شيء الآن ليقَرّ». لكنّه شدّد على أنّ «البحث يُستكمل اليوم لحسم الأمور».

الراعي

وكان الراعي قد قال خلال افتتاح الدورة العادية الـ 49 لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، إنّ «مِن واجبنا ككنائس أن ننادي دائماً بالمبادئ الدستورية والميثاقية وبانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة الحياة إلى المجلس النيابي والحكومة والمؤسسات العامة»، داعياً مجلس النواب إلى «اتّخاذ إجراء تقني، في غياب إمكانية التشريع العادي، يختصّ بالقوانين المالية وخصوصاً تلك المطلوبة من المجتمع الدولي منذ خمس سنوات».
لافتاً إلى أنّه «ثمّة مطلب من كتل سياسية بإدراج البحث في قانون جديد للانتخابات.

ولسنا نرى سبباً لتعقيد هذا المطلب، علماً أنّ إصدار كلّ قانون يُقرّه مجلس النواب إنّما يعود إلى رئيس الجمهورية، لكي يصبح نافذاً وقابلاً للنشر بموجب المادتين 51 و56 من الدستور.

أمّا المطلب الآخر الذي أدرِج في جدول أعمال الجلسة وهو اقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى تحديد شروط استعادة الجنسية اللبنانية، فلا يمكن أن تدخل إليه أصولاً، كملاحظات وتعديلات، موادّ تختصّ باكتساب الجنسية. فهذه تقتضي قانوناً خاصّاً بها».

من جهته، أكّد السفير البابوي غبريال كاتشيا أنّ «لبنان مهمّ بالنسبة للكرسي الرسولي، فهو على رغم كلّ الصعوبات، وخصوصاً الأزمة الدستورية الحاليّة، يستمرّ بإعطاء مثال على العيش المشترك واحترام كرامة الإنسان على اختلافه». ورأى «أنّ إيجاد حلول للأزمة الدستورية هو أمرٌ طارئ، وله تأثير ليس فقط على الداخل اللبناني، ولكن على منطقة الشرق الأوسط ككل».