لا شيء مقنعاً للبنانيين. ما يسري على النفايات يسري على الانتخابات والميثاقية.
لا مقاطعة ما يسمى «تشريع الضرورة» يمكن أن تُقنع، خصوصا أن أكثر المتحمسين لها هو مصرف لبنان المركزي، ولا عقد جلسة تشريعية في غياب ثلاثة مكوّنات مسيحية أساسية، يمكن أن يُقنع أيضاً، سواء اندرج ذلك في خانة الحرص على الميثاقية أم الدستورية أو أن الضرورات تبيح المحظورات.
لا شيء يُقنع غالبية اللبنانيين طالما أنهم يفتقدون المرجعية الفاصلة في قضاياهم الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
لا الدستور الحالي اسمه دستور، بل هو عبارة عن ممسحة يمكن أن تُستخدم لتجميل أبشع الارتكابات أو لأبلسة أفضل الأشياء.
اذا عاد اللبنانيون الى الأرشيف القريب سيجدون وقائع كثيرة تدين المتحمسين لجلسة الخميس التشريعية.. وأيضاً المصرّين على مقاطعتها.
في المضمون، ليس خافياً على أحد أن القوانين المالية التي ينادي البعض بإقرارها تحت طائلة وضع لبنان في «القائمة السوداء»، هي قوانين موجّهة ضد المقاومة وجمهورها المنتشر في أربع رياح الأرض. الإرهاب كما يفهمه الأميركيون لبنانياً، هو التضييق على تحويلات جمهور المقاومة المنتشر في الخارج، وليس المقصود منه تحويلات «داعش» أو «النصرة» أو «جيش الفتح». هؤلاء لا يقفون بالطابور وينتظرون دورهم في المصارف لأجل تحويل مبلغ أو استقبال مبلغ من جالية أو عاصمة. هؤلاء يعملون بـ«الكاش» الذي يأتيهم آخر كل شهر من مصادر تساهم بشكل أو بآخر في صياغة القوانين المالية المغلّفة بعنوان «التضييق على الإرهاب»!
في المضمون، يجب أن يقف كل لبنان ضد هذه القوانين.. أما وأن السيد الأميركي هو المتحكم بالدولار والاقتصاد العالمي، فقد بات على الجميع أن يرضخوا لإرادته ومشيئته التي لا يردها مخلوق، بما في ذلك المقاومة التي ستعلن اليوم بلسان «كتلة الوفاء للمقاومة» تأييدها لـ «تشــريع الضرورة»!
إنها لعبة عضّ أصابع.. والمؤسف كثيراً أنها تتخذ اليوم طابعاً إسلامياً مسيحياً اعتقد اللبنانيون أنه قد طوي مع ولادة اتفاق الطائف.. ولاحقاً مع ارتسام فالق الفتنة السنية الشيعية بعد الاحتلال الأميركي للعراق واغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، لتزيد الأزمة السورية الطين بلة، فتنة ومخاوف ونبش تاريخ وأحقاد وعصبيات من كل حدب وصوب.
إنها لعبة عضّ أصابع، على اللبنانيين أن لا ينخرطوا فيها، وألا يصدّقوا أحدا من قياداتهم، لا الإسلامية ولا المسيحية. عليهم ألا يصدّقوا حزباً مسيحياً في «14 آذار»، لولا بصمته قبل سنة، لما حصل التمديد الثاني للمجلس النيابي برغم كل ما تشدّق به.. قبل التمديد وبعده. عليهم أيضا ألا يصدّقوا من كان مستعداً لفتح أبواب المجلس النيابي في الأمس القريب والتضحية بـ «النيات» من أجل تشريع يخص ضابطاً وليس اقتصاداً أو كياناً. عليهم ألا يصدقوا من منع فتح أبواب المجلس أمام أي محاولة لإعطاء شرعية لقرارات من سمّاها «الحكومة البتراء». عليهم ألا يصدقوا من أبدى في الكثير من المناسبات، استعداداً للمقايضات والتسويات، على حساب المسيحيين، من «الحلف الرباعي» إلى «حكومته» التي كان أبرز حماتها ستة سطور تعهّد فيها بالتوافق خارج مجلس الوزراء مع خصمه اللدود قبل أن يلتزم بأي أمر مع الآخرين على طاولة الحكومة نفسها..
ومن باب العلم والخبر ليس إلا، فإن السفير السعودي الحالي، كان قد نقل قبل أيام قليلة من إعلان «حزب الله» انخراطه في «معركة القصير»، قبل سنتين ونيف، رسالة بقيت قيد الكتمان إلى قيادتي «حزب الله» و «أمل» كان يفترض أن تتوج بالمصالحة بين «الثنائي الشيعي» وسعد الحريري وتكون باكورتها تشكيل لجنة ثلاثية، تجتمع على ارض الرياض، وفق الاقتراح السعودي، بالشراكة الكاملة مع وليد جنبلاط ودائما على حساب المسيحيين.
هذا الأمر نفسه تكرر في أكثر من مناسبة وليس مستبعداً أن يتكرر في كل حين. ولو قرر المعنيون أن يقابلوا ذلك بالنفي والمكابرة.
لا بد من وقفة عند محطتين لا يمكن تجاوزهما: تفاهم مار مخايل بين «حزب الله» والعماد ميشال عون، قبل نحو عقد من الزمن. و»إعلان النوايا» بين «القوات» و «التيار الحر» قبل أقل من سنة.
التفاهم الأول أحدث توازناً سياسياً لم يكن «حزب الله» في لحظته يقدّر تداعياته المستقبلية، خصوصاً أنه حصل على عتبة حرب تموز 2006 وكل ما تلاها من «مصائب وطنية».
أما «إعلان النوايا»، فقد حمل في طياته استشعاراً مسيحياً لحدود العلاقات مع الحلفاء المسلمين، خصوصاً مع بدء الحديث عن مشروع تقسيم سوريا وتسليط الضوء على قضية الأقليات في المنطقة. هذا الإعلان هو كما «التفاهم»، ضربة معلم بامتياز. الأول، أصاب «14 آذار» وظهيرها الإقليمي ـ الدولي، والثاني، أصاب أٌقرب حليفين لكل من «القوات» و «التيار الحر»، أي «تيار المستقبل» و «حزب الله».
في الأول والثاني، يفتقد «المستقبل» لعنصر المبادرة، وهذا تعبير عن مأزق إقليمي ومحلي، لا يمكن مداواته إلا بعودة سعد الحريري إلى بيروت، وهي عودة باتت مؤكدة، بحسب العارفين، خلال خمسة أسابيع على أبعد تقدير، وربما تكون سريعة ومفاجئة على طريقة «العودة الأولى»، قبل سنة ونيف.
في الثاني، يسجل لسمير جعجع أنه بات يمتلك عنصر المبادرة، وهو نجح بإلزام «الجنرال» بـ «التوقيع». القانون الانتخابي ممر إلزامي للتشريع، ولو أن الاثنين لا يتفقان على رؤية انتخابية موحدة.
في الماضي، يسجَّل لـ «الجبهة اللبنانية» بعتاة قادتها من زعماء الأحزاب المسيحية، أنها كانت تمتلك تصوراً عن «لبنان الذي نريد». أما اليوم، فإن نقطة ضعف الموارنة تكمن في أنهم يستطيعون إشهار الـ «لا» في مناسبات كثيرة، ولكنهم لا يتفقون على مشروع موحَّد، لا في القانون الانتخابي ولا في غيره.
من الواضح أن «أجندات» الطوائف باتت مختلفة. المسيحيون يحوّلون قلقهم الوطني، وهو مبرر، إلى ضياع كبير. لا يريدون أن يشكلوا معاً عنصر توازن وطني. زعماؤهم بمعظمهم يغلّبون حساباتهم الشخصية و «مشاريعهم» على ما عداها وطنياً. يشعرون أن «التحالف الرباعي» قد يتكرر في أية لحظة وأن هناك من هو مستعد لأن يفتدي الفتنة السنية ـ الشيعية بأية صفقة أو معادلة ولو كانت على حساب المسيحيين، باعتبارهم صاروا «لزوم ما لا يلزم»!
آن الأوان لأن يتوقف شدّ الحبال.
آن الأوان لأن يخرج اللبنانيون من حرتقاتهم الصغيرة وأن ينظروا الى العالم الذي يتشكل من جديد من عند حدودهم القريبة.
كيف يدير اللبنانيون هذا الفاصل الزمني الذي ربما لن يكون طويلاً، بالحد الأدنى من الضرر و «التماسك الوطني» الذي واجهوا به محنتهم السورية طيلة خمس سنوات انقضت؟
الخطير في الأمر أن استعجال أو تسرّع البعض من اللبنانيين أو استشعارهم السلبي لما يمكن أن تحمله اليهم تطورات الإقليم، قد يدفعهم إلى خطوات ناقصة تهدد الاستقرار اللبناني بحدوده الدنيا.
لا يمكن لعاقل بكل معنى الكلمة، خصوصاً اذا كان معنياً بحماية ذاته وخصوصيته قبل حماية بلده، الا أن يتضامن مع المسيحيين، حتى لو كان بعض قادتهم يغنّون على موال قديم لم يعد له أي إعراب في الحاضر.. والمستقبل اللبناني.
ولا يمكن لعاقل إلا أن يقول أن قانوناً انتخابياً في لبنان في هذه اللحظة، يمكن أن يمر في أمسية خريفية عابرة، وهو كاد يساوي بمضمونه إعادة تشكيل النظام السياسي بكل توازناته و «سلاطينه» و «رؤسائه» وامتداداته الخارجية.
«لا بد من مخرج ولو طال السفر». لا بد من صيغة في آخر لحظة تحفظ لرئيس المجلس حماسته لإعادة فتح أبواب المؤسسات، وأولها المؤسسة التشريعية الأم، وفي الوقت نفسه، تؤمّن لـ «الحلف الثلاثي» مخرجاً يحفظ له ماء الوجه في شارعه من دون أن يغادر لا «النوايا» ولا «التفاهم» طالما أن زمن التسوية اللبنانية.. ما زال مؤجلاً.
السفير : المأزق الإقليمي يسرّع عودة الحريري إلى بيروت! «أجندات» الطوائف تهدّد الاستقرار.. والتوازنات
السفير : المأزق الإقليمي يسرّع عودة الحريري إلى بيروت!...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
487
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro