فاطمة، ضحية اخرى، كونها فتاة ولاجئة. بالامس تغيّر مصير تلك الفتاة السورية، القاصر المولودة عام 1999، وأضحت قضية أمنية وحقوقية، بعد ان جرى اختطافها "بالقوّة" من داخل المخيم في سهل زحلة، حيث تقيم لاجئة مع عائلتها من حلب الى لبنان منذ سنتين، على يد شاب من "العشائر العربية" من بلدة الفاعور في قضاء زحلة، بغرض الزواج بها.
يسحق اللجوء النساء، تحت وطأة حاجة عائلاتهن الى مأوى والى مدخول لتعتاش منه، فتضطرّ احيانا وتجبر أحيانا أخرى، على العمل في الاراضي الزراعية او في المصانع من ضمن "ورشة" يشرف عليها شاويش المخيم، لقاء السماح للعائلة بالسكن في المخيم متقاضيا في الوقت نفسه إيجارًا ومقتطعًا جزءًا من مدخول الفتاة والمرأة، الذي يذهب الباقي منه لإعالة عائلتها. ان تكون اليد العاملة، واحيانا الوحيدة التي يتكّل على مدخولهارجال العائلة، لا يعني ان تكتسب الفتاةموقعا لها في هرمية العائلة، بل هي كانت وستبقى الانثى، التي يتعلق بها العرض والشرف، وتمارس عليها كل عادات المجتمع وتقاليده، لا شأن لها ولا قرار حتى في حياتها الشخصية.
تعمل فاطمة في أراضي منظمة عالمية تعنى بالزراعة، من الثامنة صباحا وحتى الثانية ظهرا، لتعود الى المخيم ولا تخرج منه حتى الى الدكان، على ما يؤكّد والدها،أما معرفة خاطف فاطمة بهافتعود الى انهما يعملان في المكان نفسه. عند السادسة من مساء امس، وبحسب روايات شهود، ونقلا عن والدتها، وشكوى والدها لدى النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، اقتحمتسيارة مرسيدس سوداء اللون، يستقلّها خاطف فاطمة ومعه 4 آخرين، المخيم وصولا الى امام خيمة عائلة فاطمة التي كانت تساعد، مع اختها الاصغر منها، والدتيهما في توضيب الغسيل. توجه احد ركاب السيارة الى فاطمة "اطلعي معنا وليه"، ولما تمنّعت، جرّها بالقوةوأدخلها عنوة في السيارة تاركة خلفها حذائها، فيما تولى آخر دفعوالدتها،التي سارعت للتدخل، فسقطتعلى سياج حديدي، وعندما بدأت شقيقتها بالصراخ، دفعت هي الاخرى ارضا.ثم عادت الوالدة واندفعت نحو السيارة التي اقتادتابنتها،التي استُخدِم حجابهالكمّ فمها، فشهر احد ركاب السيارة مسدسًا بوجه الوالدة مهدّدا اياها.
الساعة 11 ليلا، اتصل بشاويش المخيم الذي تقطنه عائلة فاطمة، المدعو عليالذي يعمل حارسًا لمقرّ المنظمة التي تعمل فيهامع خاطفها، وأبلغه "البنت موجودة عندي ويروحو يعملو شو ما بدهم". في هذه الاثناء أفضت الاتصالات التي قام بها أقارب فاطمة ورجال عشيرتهاالى التأكد من هوية خاطفها، وتحديد المكان الذي يُشتبه بوجودها فيه، من دون ان يسمح لهم بمقابلتها وسط محاولات "الوسيط" لإقناعهم بأنها موافقة على الزواج، وقد سعى والدها الى تقديم شكوى في المخفر في الليلة نفسها، فقيل له ان يعود في اليوم التالي ليقدم شكواه لدى النيابة العامة الاستئنافية، وهكذا باتت فاطمة ليلتها خارج كنف عائلتها.
فما هو مصير فاطمة؟ والدها يريد ان يختلي هو او والدتها بها، في مكان محايد بحماية القوى الامنية اللبنانية، ليفهما منها ان كانت راغبة بالزواج بملء إرادتها أم أنها خاضعة لتهويل وضغوط وتهديدها بإيذاء عائلتها. وكانالوالد طالب في شكواه لدى النيابة العامة الاستئنافية ارجاع ابنته، فهل ستكون فاطمة بخير اذا عادت، وإن كانت حياتها مصانة فلا تدفع ثمن الانتصار للعرض والشرف؟ الوالد مقتنع بان ابنته مغلوبة على امرها، ويريد إنقاذها، ويقول "انا اعرف ابنتي، واذا تبيّن لي بأن لديها رضى بنسبة واحد في المئة، اتركها لتتزوجه ولا اريدها". مشيرا الى ان التهويل عليهابموضوع جريمة الشرف هو اسلوب يستخدمه خاطفها ومن معه للضغط عليها.
بموازاة اللجوء الى القانون اللبناني من خلال تقديم شكوى، قامت عشيرة فاطمة بتفويض عدد من المشايخ في القضية، وعلى رأسهم الشيخ بكر رفاعي مفتي بعلبك- الهرمل السابق.الذي قال في اتصال هاتفي لـ "النهار" معه، بأن الموضوع بات في عهدة القوى الامنية، التي عليها ان تحمي القاصر. ليلفت الى معلومة تقول بأنه جرى عقد قران فاطمة القاصر على خاطفها، من دون وجود وليّأمرها وخلافا للشرع والقانون، على ما أشار رفاعي، وهذا يستوجب بحسب رفاعي، في حال صحّت المعلومة، معاقبة الشيخ نفسه الذي عقد القران.
ليست فاطمة وحدها ضحية، فوالدتها كانت تنتظر في السيارة خروج زوجها من المخفر، متقوقعة في ركن من المقعد الخلفي، تخفي وجهها بيديها، وتكاد لا ترفع عينيها لدى الحديث معها، وكأنها مذنبة، وكأن عليها يقعهول ما أصاب مجتمعًا بأكمله يشعر بانه انتُهك. فهل كان خاطف فاطمةليتجرأ ويقوم بفعلته، منتهكا أعراف العشائر، باقتحامه المخيم واقتياده احدى فتياته، لولا انه مخيم للاجئين السوريين،مستقويًا ليس فقط بمرافقيه وبالسلاح، بل ايضا بواقعة ان اللجوء لا يسحق فقط النساء بل يكسر ايضا الرجال. فسكان مخيمات اللجوء، يعيشون بخوف من ان يقوموا، حتى بردات فعل دفاعية، لأنهم لا يعلمون من الذي يقتحمهم؟ ومتى؟أهي قوى شرعية أم شاب يرغب بفتاة.