استمر الأخذ والرد بين القوى السياسية بشأن الجلسة التشريعية التي دعا إليها الرئيس نبيه بري في الـ 12 والـ 13 من الأسبوع المقبل، في ظلّ اصرار التيار الوطني الحر، وحزبي القوات اللبنانية والكتائب، على تضمين جدول الأعمال بند قانون الانتخاب.
وتلعب القوى المسيحية على وتر «الميثاقية» لكبح بري عن عقد الجلسة في حال مقاطعتها إياها، بينما يدفع رئيس المجلس مدعوماً من تيار المستقبل نحو عقد الجلسة تحت عنوان «تشريع الضرورة»، لعدد من القوانين المالية، التي يفرض البنك الدولي على لبنان إصدارها قبل نهاية العام، مع التلويح بأزمة اقتصادية مقبلة أذا لم تقرّ.
إلّا أن الفشل الذريع الذي أصاب خطة الوزير أكرم شهيّب لحل أزمة النفايات، وتعثّر خيارات ترحيل النفايات إلى الخارج حتى الآن، يضعان القوى السياسية أمام احتمالات الفوضى الكاملة إذا استمر توقّف المجلس النيابي وتعطيل الحكومة، ما يدفع بالجميع للبحث عن مخارج.
ويبدو التفاهم الذي أرسي أول من أمس بين التيار الوطني الحر والقوات صلباً في مواجهة دعوة بري، وتأكيد الفريقين ومعهما حزب الكتائب على ضرورة تضمين جدول الأعمال بند قانون الانتخاب، بمعزل عن حظوظه في الهيئة العامة.
وفيما يحاول حزب الله الدخول على خطّ الوساطة بين الرابية وعين التينة، من دون التوصّل إلى أي نتيجة، حتى الآن، بحسب ما تؤكّد مصادر نيابية في قوى 8 آذار لـ«الأخبار»، دخل تيار المستقبل بدوره على خط الوساطة، عبر إحدى شخصياته، وبتدخل مباشر من الرئيس سعد الحريري. وسُجّل أمس اتصال بين الحريري والبطريرك الماروني بشارة الراعي، «جرى خلاله التطرق إلى الأوضاع السياسية في البلاد، وانعكاس الفراغ الرئاسي على الوضع السياسي والأمني والاقتصادي على لبنان». وأدخل تيار المستقبل عامل «الضغط المالي والنقدي» على القوى السياسية، ولا سيما حلفائه المسيحيين، إذ بدت جولات رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه على السياسيين، ومنهم رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، في إطار «دعم» عقد الجلسة، عبر شرح انعكاسات عدم صدور القوانين. وصرّح طربيه بعد لقائه الجميّل بأن «المهل المعطاة للبنان لإقرار هذه القوانين تنتهي في نهاية هذا العام، وإذا لم يقرها لبنان، لا سمح الله، فسيصبح الدولة الوحيدة مع دولة جزر القمر خارج الشرعية المالية الدولية». وأضاف طربيه أنه «إذا لم نلتزم القواعد المالية المطلوبة، فلا يمكننا أن نتلقى تحويلات، ولا أن نجري تحويلات مالية، بمعنى آخر ستجف السيولة عن لبنان، وستنقطع عنه تحويلات المغتربين وسيعجز اللبنانيون عن تمويل نفقات أولادهم في الخارج، وكل هذه الأمور لا يستطيع بلد في العالم تحملها»، وزار طربيه البطريرك الراعي للغاية نفسها.
إلّا أن مصادر زارت الراعي أمس، أكّدت لـ«الأخبار» أن «البطريرك قلق جداً من حصول أزمة مالية إذا لم تُقرّ القوانين وتُعقد الجلسة». وذهبت المصادر أبعد من ذلك، مؤكّدة أن «الراعي لا يهتم كثيراً الآن بقانون الانتخاب، لأنه مقتنع بأنه لا إمكانية لاقرار قانون الانتخاب في ظلّ رفض القوى الأخرى، وعلى رأسها تيار المستقبل، بل ما يقلقه هو الوضع المالي، لأنه مقتنع أيضاً بأن هناك خطرا ماليا كبيرا على لبنان إذا لم تُعقد الجلسة»، وعليه، فإنه «يحبّذ عقد الجلسة في أقرب فرصة ممكنة». وأكّدت المصادر أن «الراعي ليس متحمساً لقانون استعادة الجنسية، بعدما وصلته معلومات عن احتمال طرح تيار المستقبل قانون منح المرأة الجنسية لزوجها وأولادها، في مقابل قانون استعادة الجنسية، ومعلومات عن احصائيات تشير إلى أن عدد النساء اللبنانيات المتزوجات بأوروبيين وأميركيين لا يتجاوز الـ 1000 امرأة، بينما يتجاوز عدد النساء اللواتي تزوجن سوريين وفلسطينيين وأردنيين وعراقيين حوالى 300 ألف».
المستقبل قد يطرح قانون
منح المرأة الجنسية لزوجها وأولادها في مقابل قانون استعادة الجنسية
وعليه، يكون الراعي قد منح غطاءً لعقد الجلسة، من دون التأكد مما إذا كان الرئيس بري سيعتبر الأمر غطاءً «ميثاقياً»، إذا استمر التيار الوطني الحر والقوات والكتائب على مواقفهم.
والتقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أكد بعد اللقاء ضرورة «بذل الجهود لعقد جلسة نيابية واحدة على الأقل لاقرار تشريعات تتعلق بالمالية العامة والقطاع الخاص، اضافة الى تشريعات مصرفية تتعلق بحركة الأموال عبر الحدود، ومكافحة التهرب الضريبي وتعديلات على قانون مكافحة غسل الأموال»، آملاً انعقاد المجلس «لأن هناك قوانين تمسّ تمويل البنية التحتية وتمويل النشاط الحكومي بالعملات الصعبة». وشدّد سلامة على «ضرورة عدم لجوء الحكومة إلى البنك المركزي لتغطية التزاماتها بالعملة الصعبة».
النفايات «باقية»
وفي أزمة النفايات، تبدو حتّى الآن خطّة الترحيل التي اقترحت في جلسة الحوار الأخيرة، غير قابلة للتنفيذ «نظراً لوجود عوائق مالية وفنّية». وأشارت مصادر وزارية معنية لـ«الأخبار» إلى أن «شروط الشركات الأوروبية التي يجري التفاوض معها صارمة جداً». وقالت المصادر إن «شهيب وخلال كلامه مع عدد من الوزراء أكد أمامهم أن الأمل في نجاح هذا الخيار ضعيف، ولكنه ليس مستحيلاً»، مشيرة إلى أن «صعوبة السير في هذا الخيار تعود إلى عدم القدرة على سحب أكثر من 200 الف طن من النفايات من الشوارع، وسط التعقيدات التقنية والمالية وعامل الزمن»، ولا سيما أن «الشركات التي ستتولى استيراد هذه النفايات لن تقبل أخذ النفايات المنتشرة في الشوارع، لأنها تخمّرت». وأضافت أن «هذا الخيار لا يُمكن أن يستمر أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر، نتيجة كلفته الباهظة، وعدم قدرة الخزينة على تحمّل أعبائه، وبالتالي ستكون هذه الفترة مهلة مؤقتة لإعادة البحث في خيار المحارق والمطامر، وإذا فشلنا فستجد الحكومة نفسها من جديد أسيرة لملف القمامة».
أرسلان: الطائف سقط
بدوره، أكد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان أن «البلد سقط نظامه، وقضية النفايات دليل قطعي وإضافي، وكأن زبالة المسلم غير زبالة المسيحي». وقال أرسلان في مقابلة مع قناة المنار: «الطائف سقط، ونحن لا نستطيع ادارة امورنا، ولا نعتمد الدستور قاعدة للاصلاح». ولفت إلى أن «هناك نعمة أن لا قرار دولياً لتفجير الوضع في لبنان، وما من توازن داخلي وإلا لكنا في خراب». وأكد أرسلان أن «هناك تنسيقا دائما مع النائب وليد جنبلاط في موضوع مطمر النفايات، والشويفات في تركيبتها مختلطة من كل الطوائف اللبنانية، وكان هناك اجماع من كافة الطوائف على رفض المطمر».