أطلق تحديد موعد الجلسة التشريعية لمجلس النواب في 12 و13 تشرين الاول الجاري ديناميكية سياسية لافتة، برزت خصوصا بين القوى المسيحية في اطار تحديد مواقفها من المشاركة في هذه الجلسة، في ظل المساعي الجارية للتوفيق بين مبدأ "تشريع الضرورة" وإيجاد مخرج يؤمن الطابع الميثاقي عبر تمثيل مسيحي يجنّب الجلسة تداعيات أزمة اضافية. والواقع ان معظم المعطيات مالت في الساعات الاخيرة الى ترجيح كفة انعقاد الجلسة في ظل اتساع مروحة القوى التي تزمع المشاركة فيها مما يؤمن حتما الغالبية لإمرار رزمة البنود المالية ومشاريع الاتفاقات مع صناديق ومنظمات دولية وعربية، وهي البنود التي تعتبر جسر العبور الى منع تعرض لبنان لتداعيات سلبية للغاية مطلع السنة المقبلة تؤثر على استقراره المالي والاقتصادي، فضلاً عن تجنّب خسارته قروضاً ومنحاً دولية في مشاريع حيوية. وأبرز تعداد أولي ومبدئي للكتل والنواب الذين سيشاركون في الجلسة ان غالبية واسعة تزمع الحضور فيما تتركز المساعي راهنا على توفير موافقة "التيار الوطني الحر" على الحضور علما ان حضور نواب "تيار المردة" وحزب الطاشناق يبدو مؤكدا. أما حضور "القوات اللبنانية" فيبدو مستبعدا نظرا الى انها تتمسك بشرط ادراج قانون الانتخاب على جدول الاعمال ولا تظهر استعداداً للمرونة اسوة بـ"التيار". كما أن مشاركة نواب الكتائب ليست واردة في ظل موقف الحزب المتمسك بعدم الاعتراف بتشريع الضرورة قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
بري
وعلمت "النهار" ان رئيس مجلس النواب نبيه بري رغبة منه في مشاركة "التيار الوطني الحر"، حرص على تضمين جدول أعمال الجلسة التشريعية الذي وزع أمس بنداً يتعلق بتوزيع عائدات الخليوي على البلديات وهو المطلب الذي ثابر التيار على طرحه إضافة الى بند اقتراح القانون المعجّل المكرر الرامي الى تحديد شروط استعادة الجنسية اللبنانية. وردد بري امام زواره امس ان "الجلسة التشريعية مستمرة على أساس جدول الاعمال الذي تم توزيعه". ورداً على رافضي انعقاد هذه الجلسة، قال بري: "إن ضميري مرتاح الى ما قمت به حيال التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وكان الطرفان قد تقدما باقتراح معجل أدرجته في جدول الاعمال ورغم وجوده في اللجان (مشروع استعادة الجنسية). وما حصل مغاير للاصول، لانه طالما هو في اللجان يقتضي انتظار انجازه، إلا اذا طلبت الهيئة العامة وضع اليد عليه. وفي المناسبة لا أريد ان أجعل من ذلك سابقة. تم ادراج استعادة الجنسية وعائدات أموال البلديات، لذلك يجب عقد الجلسة، لان البلد سيذهب الى المزبلة قبل التوصل الى أماكن لمزابل النفايات".
وأفاد أنه في اجتماعه مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف أمس أظهر له الاخير أن خطورة الوضع المالي في البلد اذا تمت خسارة القروض والهبات المالية "وكنت أعرف هذا الامر قبل أن أتبلغ من الجهتين هذه الخلاصة. وسمعت من سلامة يقول حتى ان أصدقاءنا لم يعودوا يوفرون لنا الحماية (المالية) ولذلك أنا لا أستطيع تحمّل ذلك".
وسئل عن ضرورة توافر الميثاقية في الجلسة؟ فأجاب: "الميثاقية تعني حماية الوطن وليس تخريبه. وأنا من جهتي أحافظ عليها من أجل بقاء الوطن وليس من أجل أطراف. وعندما نقول الميثاقية يعني عدم وجود مكوّن رئيسي، لا يكون حاضراً ابداً. ثمة نواب من الموارنة والطوائف المسيحية الاخرى سيحضرون الجلسة ومن بينهم اعضاء كتلة النائب سليمان فرنجية، مما يعني ان الميثاقية موجودة، وهي ليست من أجل فلان وعلتان وأتمنى حضور الجميع".
وأضاف: "تعاطيت بتقدير واحترام ولم أقابل بذلك وعلى الجميع احترام البلد وانقاذه. وصلتني رسائل عدة تطلب عقد الجلسة وتوسلت إليّ عقدها حتى لا يتسول لبنان. واذا لم تنعقد الجلسة فهذا يعني السير بالبلد نحو الانتحار، لمن يريد الحياة وحبها".
وفي ما يتعلّق بموقف "كتلة المستقبل" لجهة حضور الجلسة، صرّح عضو الكتلة النائب عاطف مجدلاني لـ"النهار" بأن الكتلة ستحدد موقفها في اجتماعها الاسبوعي الثلثاء المقبل. وأوضح ان الجلسة المقبلة لمجلس النواب "ليست تشريعية بالمعنى العادي وإنما هي جلسة إنقاذية للبنان من الانهيار الاقتصادي والمالي إذا لم يتم إقرار المشاريع الملحة".
في معراب
في ضوء ذلك، تكثفت وتيرة الاتصالات بين الرابية ومعراب، فيما لوحظ ان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ألغى مؤتمرا صحافيا كان يزمع عقده بعد ظهر امس في ما فسر بأنه إفساح منه للجهود الجارية لايجاد مخرج لموضوع ادراج قانون الانتخاب في جدول أعمال الجلسة. وزار النائب ابرهيم كنعان معراب مساء موفدا من النائب ميشال عون في حضور رئيس جهاز الاعلام والتواصل في "القوات" ملحم رياشي. وصرح كنعان على الاثر: "نحن مرتاحون الى التجاوب الحاصل مع مبدأ تشريع الضرورة، كما أننا نؤيد الأولويات المالية ولكن الى جانبها هناك أولويات تفوقها أهمية وهي قانون انتخاب جديد يُراعي الأصول الدستورية بعد 25 عاماً من اتفاق الطائف".
وإذ أكّد "ان تشريع الضرورة والأولويات الوطنية المطروحة اليوم نقررها معا كشركاء في الوطن، من غير أن يفرضها أحدٌ على الآخر"، أشار كنعان الى أنه "لا أحد يمكنه أخذنا الى مشروعنا أو فكرتنا هكذا من دون أولوياتنا التي سبق لنا ان حددناها. نحن لا نزال ننظر الى تشريع الضرورة كعمل ضروري في المرحلة الحالية، ولكننا في انتظار الأجوبة وكيفية التعامل مع طروحاتنا...".
وعن مشاركة "تكتل التغيير والاصلاح" في الجلسة التشريعية اذا لم يُدرج قانون الانتخاب على جدول أعمالها، قال كنعان: "موقفي واضح ولا يحتاج الى تفسير، فنحن طرحنا مسلّمات وثوابت لتشريع الضرورة وهي أهم من المشاركة في جلسة تشريعية أو عدمها".
عروض الترحيل
الى ذلك، بدت محركات أزمة النفايات خامدة تماما فيما ترتفع باطراد في أنحاء العاصمة وضواحيها ومناطق جبل لبنان تلال النفايات وأكوامها منذرة بمزيد من تفاقم هذه الازمة. وفهم ان المعنيين بالازمة يعقدون اجتماعات بعيدة من الاضواء من اجل بلورة مخارج جديدة وسط تصاعد الكلام عن خيار ترحيل النفايات، بينما أفادت معلومات ان رئيس الوزراء تمام سلام تلقى عروضا عدة لترحيل النفايات منها عروض من ثلاثة رجال أعمال قريبين من دمشق مع شرط أن يتم التواصل بين حكومتي البلدين من أجل الحصول على الموافقة الرسمية من الجانب السوري لإبرام مثل هذه العقود كي تطمر النفايات في الاراضي السورية.
عرسال
على صعيد آخر، عاد الوضع الامني في بلدة عرسال الى الواجهة امس في ظل تفجير أدرج في اطار تصفيات بين تنظيمات استهدف مكتب "هيئة علماء القلمون" السورية، مما أدى الى مقتل خمسة من أفراد الهيئة وجرح ستة. وحصل التفجير بواسطة عبوة ناسفة زرعت في دراجة نارية عند مدخل المبنى الذي كانت الهيئة تعقد اجتماعا فيه، ورجح مصدر أمني ان يكون تنظيم "داعش" وراء الانفجار نتيجة خلافات بينه وبين الهيئة، علما ان الاخيرة تابعت سابقا قضية العسكريين المخطوفين لدى "جبهة النصرة" و"داعش".