قتل خمسة أشخاص وجرح عشرة على الأقل في انفجار استهدف، أمس، اجتماعا لـ«هيئة علماء القلمون» في بلدة عرسال، لم تتضح ظروفه بشكل كامل، ولم تقدم أية جهة على تبنيه، فيما لوحظ أن الجهات الأمنية الرسمية اللبنانية لم تصدر بيانا حول هذا الحادث الأول من نوعه في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وأظهرت هوية من عرفوا من القتلى والجرحى، أن الانفجار كان يستهدف مشايخ «هيئة القلمون» المقربين من «جبهة النصرة»، وهم، في معظمهم، على خلاف مستحكم مع تنظيم «الدولة الاسلامية» في جرود عرسال والقلمون، كما أن «مشايخ القلمون» لعبوا، بالتنسيق مع الشيخ مصطفى الحجيري «أبو طاقية» و«هيئة علماء المسلمين» وبعض الأجهزة الأمنية اللبنانية أدوارا في قضية العسكريين الأسرى لدى «النصرة» في جرود عرسال، في أكثر من محطة منذ آب 2014 حتى الآن.
وفي التفاصيل، أن تفجيرا هز عرسال عند الساعة الثانية عشرة والربع ظهر امس استهدف مقر «هيئة علماء القلمون» في محلة السبيل، عند تقاطع طريقي وادي حميد ومنطقة الجمالة التي تؤدي الى «حاجز المصيدة» للجيش اللبناني على بعد حوالي كيلومترين.
وفور وقوع الانفجار، حضر عدد كبير من أهالي البلدة، فيما فرض الجيش اللبناني طوقا أمنيا على المكان، وتبين أن دراجة نارية قد تحولت الى اشلاء عند مدخل المحل الذي كان يعقد فيه اجتماع الهيئة، فيما انتشرت الدماء في المكان، واقتصرت الأضرار المادية على المحل المستهدف والمحلات المجاورة له.
وأدى الانفجار الى مقتل كل من المشايخ علي بكور وفوزي علي العرابي وعلي رشق وعمر عبدالله الحلبي، ووجدت أشلاء تبين أنها تعود لجثة مشوهة مجهولة الهوية، يرجح أن تكون للانتحاري الذي فجر نفسه، اذا حسمت التحقيقات في الساعات المقبلة، فرضية العملية الانتحارية، وعرف من الجرحى كل من رئيس الهيئة الشيخ عثمان منصور (غادر مستشفى الرحمة في عرسال ليلا) وقاسم حمود ووضاح البدوي وعبير بكور وعادل كلكوش.
وتتركز التحقيقات الأمنية على فرضيتين: الأولى، وهي الأرجح، تشير الى أن انتحاريا كان يقود الدراجة فجر نفسه بأعضاء الهيئة الذين كانوا مجتمعين، وما يعزز هذه الفرضية هو الانتشار الأفقي للتفجير وعدم وجود حفرة في المكان، فضلا عن الأشلاء، وبينها رأس الانتحاري المفصول عن جسده، وقد تعذر على أعضاء الهيئة التعرف على هويته.
أما الفرضية الثانية، والتي باتت شبه مستبعدة، فتشير الى وضع عبوة ناسفة تحت مقعد الدراجة النارية خارج المحل، وقد تم تفجيرها فور ركنها في المكان، أما الشخص المجهول الهوية، فهو مواطن سوري كان يعقد قرانه أمام المحكمة على الجريحة عبير بكور التي تبين أن اصابتها (في الرأس) حرجة.
ورجحت مصادر معنية أن يكون حجم العبوة بين 8 الى 10 كيلوغرامات من الـ «تي ان تي».
ومن غير المستبعد أن يكون الانتحاري هو نفسه من كان يقود الدراجة النارية، وتوجه بها الى المحل الذي استأجرته الهيئة، وجعلته مقراً لها ولمحكمتها الشرعية التي تتولى الأمور الشرعية، وحتى الانسانية، للنازحين السوريين في معظم مخيمات عرسال وجرودها، بالتنسيق مع اتحاد الجمعيات الاغاثية.
ووفق مصادر اسلامية معنية فان «هيئة علماء القلمون» التي ولدت غداة أحداث آب 2014 مباشرة، هي أقرب ما تكون في فكرها وسلوكها الى «النصرة» و «جيش الفتح» و «أحرار الشام»، ويتبادل مشايخها الذين يصل عددهم الى نحو عشرين معمما، العداء الفقهي والشرعي مع «داعش»، كما أن الهيئة تتواصل بشكل مستمر مع دار الفتوى في لبنان ومع ممثليها في منطقة البقاع الشمالي.
ووجهت أصابع الإتهام إلى تنظيم «داعش» الذي كان وضع أسماء بعض مشايخ «هيئة علماء القلمون» على «لائحة الموت» التي تضم أسماء سوريين آخرين و«عراسلة»، علما أن بعض أهالي عرسال تداولوا فرضية أن تكون هناك أسباب عاطفية وراء الانفجار، بإقدام سوري على تفجير نفسه أثناء عقد قران خطيبته السابقة على رجل آخر من التابعية السورية، وهي الرواية التي نفتها «الهيئة» كليا.
ووفق مصادر عرسالية، فان «هيئة علماء القلمون» لعبت دورا في سحب المسلحين من مخيمات النازحين، وتتواصل بشكل دائم مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، وتتميز بانفتاحها واعتدالها، وبالتالي فان استهدافها يؤشر الى انتقال الصراع بين المجموعات المسلحة من الأرض السورية الى الأرض اللبنانية، وهذه مسألة تستوجب من الدولة اللبنانية الضرب بيد من حديد من أجل عدم تكريس هذه الظاهرة التي سيكون أهل عرسال أول من يدفع ثمنها.
يذكر أن هذا الانفجار يتوج 15 حادثة وقعت بعيداً عن الإعلام خلال التسعين يوماً الأخيرة، وتتراوح ما بين سرقة واعتداء وخطف وقتل، وآخرها قتل السوري صالح العبد (من جراجير) الذي وجد قبل خمسة أيام مكبلاً ومقتولاً بالرصاص ومحروقا في إحدى التلال المسكونة شرق عرسال. هذه الجريمة اعتبرها أهالي البلدة «رسالة موجهة لهم أولا وللنازحين ثانيا ومفادها: نحن هنا ، نقتل، نخطف، نسرق، نعتدي ونفعل ما نشاء وساعة نشاء».