من المفارقات اللطيفة والتي تبعث على الكثير من السخرية والمزيد من الحسرة على جمهور مغلوب على أمره. مبادرة حزب الله على رفع دعوى جزائية أمام القضاء اللبناني بحق الإعلامية ديما صادق على خلفية أقدامها على نشر منشور على صفحتها على الفايسبوك يتضمن أسماء شخصيات في حزب الله على صلة بالفساد او الممنوعات وقامت السيدة صادق بتسمية الأشخاص مع التهم الموجهة إليهم أو إلى اقربائهم.
ومما جاء في المنشور /حزب الله ليس له أي ضلوع في قضايا الفساد المالي لأنه بكل بساطة لا يسرق الأموال. إنما هو من يرعى حاشية لها أصول وجذور وأخوة واقرباء وابناء. شقيق محمد فنيش مهرب أدوية فاسدة وشقيق النائب حسين الموسوي مهرب حبوب الهلوسة والكبتاغون ومتورط في سرقة سيارات ومتواري عن الأنظار.
فالمفارقة ليست في الدعوى بحد ذاتها ولابما يمكن أن يكون الحكم الصادر فيها. فمن الطبيعي والطبيعي جدا أن يلجأ أي مواطن أو جهة سياسية أو حزبية أو شخصية اعتبارية إلى القضاء بدعوى قدح وذم. فهذا منطق الدولة. إنما الغرابة هي في إقدام حزب الله على مثل هذه الخطوة الغريبة على ثقافته وسلوكه وطريقة تعاطيه في تحصيل حقوقه. وهو الذي يتجاوز الدولة بكافة مؤسساتها ويقفز فوق أحكامها وقراراتها.
فحزب ألله الذي تمادى بعيدا في تعطيل المؤسسات والسلطات في الدولة اللبنانية بما فيها سلطة القضاء. فمن تعطيل جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية حيث مضى على الشغور الرئاسي أكثر من سنة ونصف إلى تعطيل مجلس الوزراء إلى تعطيل أجهزة الرقابة على التهريب إلى تأمين الغطاء والملجأ للكثير من الملاحقين قضائيا بتهم متنوعة تصل إلى حدود القتل العمدي والقتل عن سابق تصور وتصميم. اضافة إلى خروجه على شرعية الدولة بامتلاكه ترسانة عسكرية متنوعة وضخمة يهدد بها من يشاء وساعة يشاء من الأطراف اللبنانية وتضم أكبر منظومة صاروخية تؤهله لامتلاك قراري الحرب والسلم مع إسرائيل. عدا عن القفز فوق الدولة وتجاوز قراراتها الداعية إلى اعتماد سياسة النأي بالنفس حيال الأزمة السورية فيتورط بالانخراط في الحرب الدائرة فيها منذ أكثر من أربع سنوات فيدفع اثمانا باهظة في الأرواح والعتاد. ومع ذلك فإنه اليوم يحاول ذر الرماد في العيون فيلجأ إلى القضاء اللبناني بدعوى ضد إعلامية بتهمة قدح وذم.
فحزب ألله الذي يحاول دائما استغباء الناس وتحديدا جمهوره فإنه مع مفهوم الدولة التي تحمي مصالحه ويعبر إليها من خلال ديما صادق. ولكنه ضد الدولة عندما تحد من مصالحه والتي تهدد مشاريعه.
فلم يخطر ببال حزب الله أن يلجأ إلى القضاء عام 2008 في السابع من أيار في قضية شبكة اتصالاته فأصدر حكمه يومها باجتياح بيروت. لكنه اليوم يريد القضاء الذي يبريء عناصره ومسؤوليه من تهم الفساد.
وما بين الدولة التي يريدها حزب الله والدولة التي يحاول طمسها واضعافها والقضاء عليها تبرز مهمته. ولكنها مهمة تبدو صعبة مع تنامي وعي اللبنانيين وادراكهم لأساليب الاستغباء والدجل السياسي واللعب على المتناقضات التي تستخدمها قيادات الحزب في خطاباتها وتصاريحها وأحاديثها مع الناس