منذ ان وعينا على الاجواء الاسلامية الفكرية والنضالية ونحن نسمع الشتائم ضد العلمانية ونقرأ الكتب والمقالات التي تندد بالعلمانية وتصفها بالكفر والهرطقة.
ومنذ ان وعينا على العمل الاسلامي ونحن نشتم الغرب والرأسمالية والليبرالية والديمقراطية كونهم سبب كل مصائبنا ومشاكلنا ، ان بسبب الاحتلال او الاحتكار او بسبب ما ينتشر في الغرب من فساد وافكار عدمية ومادية ومعادية للايمان والاسلام والاديان.
وقد يكون صحيحا ان الدول الغربية والرأسمالية تتحمل المسؤولية عن الكثير من المآسي التي احاطت بنا وبالعالم من حروب ومجاعات واحتلالات وكوارث، ولا زلنا الى اليوم نعاني من هذه المآسي وخصوصا تقسيم بلادنا واقامة الكيان الصهيوني ودعم الانظمة الديكتاتورية والتسلطية والسيطرة على ثروات بلادنا.
لكن في مواجهة كل هذه الصور السيئة التي تحيط بنا ، فقد بدأنا نشهد صورا ايجابية بسبب العلمانية والديمقراطية وفي دول الغرب وفي الدول الرأسمالية.
ففي الانظمة العلمانية والديمقراطية ، يستطيع الاسلاميون والحركات الاسلامية المشاركة في الانتخابات والوصول الى السلطة والى الحكم والتعبير عن الرأي بحرية، وما جرى في تركيا وتونس وتجارب لبنان ومصر( في مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير ومابعدها وحتى 30 يونيو) وقطاع غزة والضفة الغربية والعراق والمغرب نماذج من الدول التي اتاحت للحركات الاسلامية المشاركة في الحكم والانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية وهي انظمة علمانية وديمقراطية ولو بنسب متفاوتة.
وفي بلاد الغرب والرأسمالية ( حيث تنتشر العلمانية والديمقراطية) يعيش المسلمون بحرية ويتمتعون بحقوقهم السياسية والاجتماعية والانسانية والمعيشية، وطبعا لا يعني ذلك عدم وجود اختراقات لحقوق الانسان كمنع الحجاب في مدارس فرنسا او حالة "الاسلام فوبيا" المنتشرة في بعض بلاد الغرب، لكن رغم كل الملاحظات على الواقع في الغرب ، هاهم العرب والمسلمون يهاجرون الى هذه البلاد هربا من الفقر والقهر والحروب والمآسي وما نشهده من موجات هجرة عبر البحار وعبر كل خطوط السفر دليل على ذلك.
اذن فان العلمانية والديمقراطية ليست كلها سوء وانا لا اتحدث هنا من منظور فكري او عقائدي ، بل من منظار عملي وواقعي واجتماعي ، مع اننا نحتاج مجددا الى اعادة النظر بموقفنا الفكري والعقائدي والديني من العلمانية وكونها شبكة الخلاص لنا من هذه الحروب المتنقلة في بلادنا ، كما حصل في بلاد الغرب بعد الحروب الدينية التي استمرت حوالي الثلاثين عام ولم تنته الا باعتماد العلمانية ومن خلال معاهدة وستفاليا عام 1648.
اذن نحن نحتاج الى اعادة النظر بموقفنا من العلمانية ولا مانع من ان نمدح العلمانية عندما تحقق لنا نتائج ايجابية حتى لو اعترضنا على بعض مضامينها احيانا.