وقت تطرح تساؤلات قلقة للغاية تتجاوز الابعاد "اللوجستية" المزعومة لاحباط خطة معالجة أزمة النفايات على نحو يشي بخلفيات تتصل بالمسار التعطيلي الشامل للدولة والمؤسسات، بدت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقد جلسة تشريعية عامة يومي 12 و13 تشرين الثاني الجاري بمثابة محاولة "طموحة " لاختراق جدار الازمة السياسية التي باتت تنذر بتراكماتها وتعقيداتها على المستوى الوطني العام بأوخم العواقب وخصوصا بعد تصاعد موجات دق نواقيس الخطر حيال المستقبل القريب الذي تواجهه الاستحقاقات الاقتصادية والمالية في البلاد. وعلى رغم ان تحديد موعد الجلسة لا يعني تذليل العقبات التي تعترض انعقادها وتوفير الغطاء الميثاقي لها أو الاكثرية المضمونة لخروجها بالنتائج المرسومة لجدول اعمالها، فان الخطوة اكتسبت دلالات بارزة لجهة "الطحشة" التي بادر بها بري القوى السياسية والكتل النيابية واضعا الجميع أمام اختبار شديد الدقة لجهة تسهيل انعقاد جلسة تكتسب أهمية كبيرة بل مصيرية لجهة اقرار رزمة من مشاريع القوانين التي يتوقف على اقرارها انقاذ البلاد من مطبات تتسم بخطورة عالية داخليا وخارجيا ليس اقلها ما افضى به مرجع بارز الى "النهار" من ان لبنان قد يغدو مصنفا في خانة الدول الفاشلة ما لم يستدرك الامر بانفراج عبر مسلكين حتميين سريعين هما: تفعيل صورة الحكومة المعطلة بحل جذري سريع لازمة النفايات، واقرار مجلس النواب رزمة المشاريع والقوانين ذات الطابع الملح لانقاذ الواقع الاقتصادي والمالي.
ومعلوم ان الجلسة التشريعية الاخيرة للمجلس تعود الى 5 تشرين الثاني 2014، أي قبل عام كامل، وفي تلك الجلسة صادق النواب على ثمانية مشاريع قوانين، سبعة منها ذات طابع مالي، أما الثامن فكان تمديد ولاية مجلس النواب الى 20 حزيران 2017. وفي محضر تلك الجلسة وافق المجلس على عدم اشتراع قانون للانتخاب في غياب رئيس الجمهورية. وتتخذ الجلسة التي دعا اليها بري أمس طابعا حاسما بالنسبة الى رزمة المشاريع المالية والمصرفية التي وضع لبنان في مأزق كبير حيالها ما لم تقر سريعا نظرا الى التداعيات التي يرتبها ذلك، علما ان مراسلات ومفاوضات جرت بين السلطات المالية والنقدية ولا سيما منها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية مصارف لبنان والمؤسسات الدولية التي تعنى بمراقبة الدول التي تلتزم شروط مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب حصل بنتيجتها لبنان على فترة تمديد لاقرار المشاريع ثلاثة اشهر. وعلمت "النهار" في هذا السياق ان الحاكم سلامة سيقوم في الايام المقبلة بزيارة رئيس المجلس ورئيس الوزراء تمام سلام لمناقشة هذا الملف في ظل المشاريع المدرجة على جدول اعمال الجلسة التشريعية ومنها ما يتعلق بنقل الاموال عبر الحدود وبتبادل المعلومات الضريبية وبمكافحة تبييض الاموال.
وعلمت "النهار" ان اتصالات ستسبق الجلسة التشريعية من أجل تأكيد أهمية تحصين وضع لبنان داخليا وتجاه الخارج من خلال إقرار القوانين المالية الضرورية المدرجة في جدول الاعمال على أن تنفتح الافاق أمام جلسة أخرى لمتابعة القضايا الملحة والتي هي خارج جدول الاعمال حاليا.

مواقف من الجلسة
وفي هذا السياق صرّح النائب مروان حماده لـ"النهار" بأنه لا بد من العمل على تقريب وجهات النظر في شأن قانون الانتخاب في ضوء وجود 17 اقتراحا على هذا الصعيد ولو في إطار لجنة غير رسمية تضم جميع الافرقاء كما يقترح الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط. أما سلسلة الرتب والرواتب فيمكن البدء بمتابعتها بعد تحصين لبنان ماليا من خلال الجلسة التشريعية المقبلة. وقال: "أما إذا كان هناك من يتصرّف على قاعدة عنزة ولو طارت فهذا لا يجوز أن نفعل بمجلس النواب كما فعلنا بمجلس الوزراء".
وقالت مصادر في حزب "القوات اللبنانية" لـ"النهار" إن الرئيس بري أراد إرضاء النائب العماد ميشال عون ليشارك نواب "تكتل التغيير والإصلاح" في الجلسة بإدراج قانوني استعادة الجنسية وتحويل أموال عائدات الخليوي إلى المجالس البلدية، إلاّ أن العماد عون فضّل الإستمرار في التنسيق مع حزب "القوات" التزاماً لورقة "إعلان النوايا" بينهما. وعند ذلك انتقل الرئيس بري إلى نظرية عدم ضرورة الميثاقية لعقد جلسة تشريعية في أوضاع ملحّة ومصيرية كالتي يجتازها لبنان حالياً، لكنه اصطدم بموقف تبلغه من الرئيس فؤاد السنيورة، وهو أن نواب كتلة "المستقبل" الذين يؤيدون عقد الجلسة لا يمكنهم المشاركة فيها في غياب الكتل المسيحية، مما أعاد البحث إلى مرحلة ما يمكن فعله لتأمين مشاركة مقبولة في الجلسة التي باتت أمام احتمالين: إما ألا تُعقد مع كل ما قد يترتب على ذلك، وإما أن يعدّل جدول أعمالها.
وقال نائب رئيس حزب "القوات" النائب جورج عدوان لـ"النهار": "لا نزال عند موقفنا المطالب بإدراج قانوني الإنتخاب والجنسية في الجلسة وإقرارهما. لقد خرجت من اللجنة النيابية المصغرة في كانون الأول 2014 على أساس أن تنعقد الهيئة العامة بعد شهر وتقر قانوناً للإنتخاب سواء بالإتفاق عليه أو بالتصويت، وكان بقي بعد المناقشات في اللجنة قانونان متقاربان، أحدهما للرئيس بري والآخر اتفقت عليه "القوات" مع "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي". وشدد على أن "قانون الإنتخاب هو أساس للإصلاح وتطبيق الميثاقية، والمشاركة، وإعادة تكوين السلطة".
وأوضح أمين سر تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ابرهيم كنعان لـ"النهار" ان ثمة مشاريع قوانين "نطالب بها تعتبر أولوية وأساسية في تكوين السلطة وانتظام الحياة السياسية وأخرى تتعلق بالمصلحة الوطنية العليا. مطالبنا أصبحت معروفة لدى الجميع وهي قانون الانتخاب واستعادة الجنسية وتحرير أموال البلديات، ونحن لا نسعى فقط الى ادراج هذه المشاريع على جدول الاعمال بل ايضاً الى اقرارها. لذا، فإن مشاركتنا في الجلسة تتوقف على احترام مطالبنا التي باتت معلومة لدى الجميع".

 

سلام
وفي ما يتعلق بأزمة النفايات، علمت "النهار" ان الرئيس سلام أبلغ زواره أمس انه لن يدعو الى عقد جلسة لمجلس الوزراء في شأن النفايات ما لم تتأمن إنتاجيتها ووفاقيتها وإلا فإن الجلسة إذا ما انعقدت فستضاعف الازمة أكثر مما ستؤدي الى إنتاج حلول. وقال إنه سيسعى الى مجالات جديدة قبل أن يقول ما يجب قوله للرأي العام . ولفت الى ان "الحائط المسدود لا يزال أمامنا وليس وراءنا وأنا لا أريد أن اعقّد الامور".
وعلمت "النهار" ان الافكار المتداولة تتعلق إما بترحيل النفايات الى دول أجنبية وفق عروض مطروحة حاليا من شركات وإما بنقل النفايات الى سوريا بناء على عروض من رجال أعمال مقرّبين من أحزاب وجهات سياسية. وفي حين أن كلفة الترحيل الدولي تراوح بين 210 و220 دولاراً للطن الواحد، تبدو كلفة النقل الى سوريا أقل وقد يستدعي بت هذه الخيارات العودة الى مجلس الوزراء.
وصرّح وزير العمل سجعان قزي لـ"النهار" بأن "ملف النفايات كما هو مطروح الان وصل الى خواتيمه التعيسة، وهذه هي الخطة الثانية للنفايات التي تضرب من بيت أبيها وتؤكد بالوجه الشرعي أن ملف النفايات هو سلاح من الاسلحة المستعملة لإبقاء لبنان في جاذبية الصراعات على أبواب خطيرة".