لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم السادس والعشرين بعد الخمسمئة على التوالي.
بعدما فشلت محاولة إحياء الحكومة بـ«أوكسيجين» النفايات التي تعثرت مطامرها الداخلية، لتدخل في بازار التصدير الى الخارج, يحاول الرئيس نبيه بري أن ينعش مجلس النواب عبر ضخ مصل «تشريع الضرورة» في أوردته المتيبسة.
وإذا كان بري قد وضع جميع الكتل النيابية أمام الأمر الواقع، بعدما حدد موعد الجلسة التشريعية العامة يومي الخميس والجمعة المقبلين، فإن أسئلة ما بعد حسم الموعد هي:
هل يمكن أن يقرر «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» الحضور في اللحظة الأخيرة برغم عدم شمول جدول الأعمال قانون الانتخاب؟ ما هي فرص مشاركة «التيار» على الأقل انطلاقاً من أن عصفوراً باليد (استعادة الجنسية) أفضل من عشرة على الشجرة؟ هل ثمة فرصة أمام مخرج أو إخراج ما، يسمح بضم قانون الانتخاب الى الجدول إنما من دون إقراره في الهيئة العامة؟ وإذا غاب «التيار» و «القوات» الى جانب المقاطعة المبدئية من قبل حزب الكتائب، فهل ستمضي الجلسة في طريقها بمن حضر من النواب المسيحيين، أم أن غياب المكوّنات المسيحية الأساسية عنها سينتزع منها ميثاقيتها؟ وكيف سيتصرف بري في هذه الحال؟ هل سيفضل أن يخسر الجلسة ويربح الميثاقية، أم أن «أمن التشريع» أصبح فوق كل اعتبار على قاعدة ما نفع الميثاقية إذا لم تبق دولة في الأساس؟ وأي تداعيات يمكن أن تترتب على احتمال التشريع في ظل مقاطعة «التيار» و«القوات» و«الكتائب»، معطوفاً عليها شغور موقع رئيس الجمهورية؟
في انتظار الأجوبة التي ستحملها الأيام المقبلة، المتوقع أن تكون حافلة بالاتصالات، أكد بري أمام النواب في لقاء الاربعاء في عين التينة أن «الميثاقية تعني بالدرجة الأولى الحفاظ على الوطن والمواطن، لا زيادة التعطيل والانهيار»، الأمر الذي ينطوي على تفسير مرن للميثاقية، قد يقود الى أبغض الحلال، وهو تشريع الضرورة حتى لو تغيبت عنه أطراف مسيحية.
السنيورة: ليست مزحة
ومع تعدد الاجتهادات مؤخرا في شأن موقف «تيار المستقبل»، قال الرئيس فؤاد السنيورة لـ «السفير» إنه ليس صحيحاً أن «المستقبل» أبلغ الرئيس بري أنه سيقاطع جلسة التشريع إذا امتنع كل من «القوات» و «التيار الحر» عن حضورها، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة أن تدرك كل الأطراف أهمية المشاركة في هذه الجلسة.
ولفت السنيورة الانتباه الى أن «المستقبل» يقارب الجلسة التشريعية المرتقبة من زاوية أنها تشكل خطوة حيوية لنقل لبنان الى موقع آمن، مؤكدا أن هناك ضرورة حاسمة لإقرار المشاريع المالية المطروحة على جدول الأعمال، لا سيما تلك التي تعيد مصداقية لبنان إزاء المجتمع الدولي، وبالتالي فإن المسألة ليست مزحة، بل تنطوي على مصلحة وطنية عليا.
وأضاف: نحن نتمنى على الجميع أن يتحسسوا أهمية هذه الجلسة، وكم أن انعقادها سيكون مفيداً، في مقابل الضرر الكبير الذي سيترتب على عدم التئامها، أما احتمال عدم حضور البعض، فلا يزال لدينا وقت لمحاولة معالجته من خلال الاتصالات السياسية.
عون: ننتظر إيضاحات
وأبلغ العماد ميشال عون «السفير» أن «التيار الحر» مستعد من حيث المبدأ لحضور جلسة تشريع الضرورة، لكنه ما لبث أن استدرك بالقول: نحتاج الى إيضاحات وتفسيرات حول بعض الأمور، وتبعاً لذلك نتخذ الموقف المناسب ونبني على الشيء مقتضاه.
وحول أزمة النفايات، أشار الى أن خيار الترحيل هو المطروح حاليا، لافتا الانتباه الى أن أزمة الثقة بين المواطن والدولة أسقطت حل المطامر.
وتعليقاً على الاتهامات التي تُوجه الى بعض قيادات «التيار الحر» حول التورط بالفساد، أكد عون أن «لدينا مناعة وصلابة في مواجهة الاتهامات، ونحن من نفضح الفاسدين لا العكس»، مشيرا الى ان «التيار يتعامل مع الحملات التي تستهدفه بهدوء، لأننا نثق في سلوكنا».
فرنجية: سنشارك
أما رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، فأكد لـ «السفير» أن «كتلة لبنان الحر والموحد» التي يترأسها، ستشارك في الجلسة التشريعية، لان عقدها في هذه الظروف الدقيقة بات يشكل ضرورة ماسة، مشيرا الى وجوب ألا تؤثر الخلافات السياسية على مصلحة الوطن والمواطنين.
جنبلاط: المقاطعة انتحار
وفي السياق ذاته، أبلغ النائب وليد جنبلاط «السفير» أنه ونواب الحزب التقدمي الاشتراكي سيحضرون حتماً جلسة التشريع، محذراً من أن مقاطعتها هي عملية انتحار ذاتي.
واستغرب قول البعض بأن لبنان ليس بحاجة الى قروض البنك الدولي في هذه المرحلة، مشددا على الحاجة الملحة الى هذه القروض التي تشكل فرصة تاريخية على المستويين الاقتصادي والإنمائي، لا يجوز التفريط بها، «خصوصا في ما يتعلق بسد بسري الذي ننتظره منذ عشرات السنين».
وردا على سؤال عما إذا كان يؤيد المضي في عقد الجلسة التشريعية، حتى لو غابت عنها مكونات مسيحية أساسية، أجاب: مثل هذه الفرصة لا تأتي كل يوم، وعلينا أن ننتهزها من دون مزيد من التسويف، وأن نكف عن تدمير أنفسنا بأنفسنا.
وأوضح أن لقاءه مع عدد من وجوه الحركة الوطنية السابقة يندرج في إطار استذكار الماضي والحنين اليه، لافتا الانتباه الى أنه في عز الأزمات أيام الحكومتين لم يتوقف دفع الرواتب.
بقرادونيان: لم نقرر
وفضل الأمين العام لـ «حزب الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان التمهل في حسم الخيار، قائلا لـ «السفير» إن قيادة الحزب لا تزال تدرس إمكانية حضور الجلسة التشريعية من عدمه، موضحا أن تشاوراً سيحصل مع العماد ميشال عون بهذا الصدد، «لكننا في نهاية المطاف نتخذ قرارنا المستقل».
«القوات»: سنقاطع
وفي المقابل، شدد مصدر بارز في «القوات اللبنانية» على عدم وجود سبب مقنع، يبرر عدم وضع مشاريع الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية. وقال المصدر لـ «السفير»: إذا كانت القوانين المالية ضرورية وهي كذلك، فإن قانون الانتخاب سيادي بامتياز، وبالتالي هو أكثر من ضروري وشرعي.. لكنه بالتأكيد غير مؤقت.
وأوضح المصدر أن بقاء جدول الأعمال على حاله يعني أن «القوات» و «التيار الحر» لن يشاركا في الجلسة، مشددا على أن مبدأ إدراج قانون الانتخاب على الجدول يحظى بإجماع مسيحي، لأن تصحيح التمثيل المسيحي هو حق طبيعي.
وكشف عن أن «تيار المستقبل» أبلغ «القوات» أنه سيقاطع الجلسة التشريعية إذا لم تتوفر فيها الشروط الميثاقية.