على رغم التقدّم البطيء في الحوار الذي سيُعقد في 17 الجاري، فإنّ الانطباع الذي ساد إثر الجلسة الحوارية أمس، دلّ إلى أنّ «الشرح سيطول»، وأنّ توصّلَ المتحاورين إلى حلول عملية ما زال بعيدَ المنال. لكنّ أحد أقطاب الحوار أكّد لـ«الجمهورية» أنّ ما سيُنقِذ هذا الحوار هو استمراره وما توافَقَ عليه المتحاورون من وجوب جعلِ جدول أعمالهم سلّة متكاملة، بحيث يبدأ البحث والتوافق على البند الأسهل الأخير فيه والمتعلّق بدعم القوات المسلحة، وينطلق صعوداً إلى بقيّة البنود وصولاً إلى البند الأوّل، وهو رئاسة الجمهورية، على أن يبدأ التنفيذ بهذا البند أوّلاً. وقد تلاقت آراء المتحاورين أمس على أن موضوعَي «النأي بالنفس» وانتخاب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشَر لا يمكن اعتبارهما من مواصفات الرئيس، أوّلاً لأنّ «النأي بالنفس» هو موقف سياسي لا يقرّره الرئيس وحده وإنّما السلطة التنفيذية مجتمعةً، وثانياً لأنّ انتخاب الرئيس من الشعب يتطلّب تعديلاً دستورياً يفضي إلى تحويل النظام من نظام جمهوري برلماني إلى نظام رئاسي تكون السلطة التنفيذية فيه بيَد رئيس الجمهورية. إستأنَف المتحاورون أمس مناقشة موضوع «النأي بالنفس» من حيث انتهى النقاش في الجلسة الاخيرة. وبعد مداخلات عدة تحدّث رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة مدافعاً عن المعارضة السورية ضد النظام، داعياً الى عدم إلصاق صفة الإرهاب بها.

وتلاه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، فاعتبَر أنّ «النصرة» و»داعش» إرهابيتان. وتعاقبَ على الكلام كل من النائب أسعد حردان والنائب سليمان فرنجية وتساءَلا «كيف سننأى بأنفسنا عن الإرهاب، والعالمُ كلّه بات في مواجهته؟».

وقال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري: «فريق 8 آذار ليس ضد النأي بالنفس ولكن لديه تحفّظات، تماماً كما أنّ فريق 14 آذار ليس ضد المقاومة ولكن لديه تحفّظات عدة، كالتورّط في النزاع في سوريا، والتفرّد بقرار الحرب والسلم الذي يجب أن يكون للدولة ومؤسّساتها، وبالتالي فليعَبّر كلّ فريق عن تحفّظاته».

وسألَ الوزير بطرس حرب: «هل يجوز تحت عنوان مواجهة الإرهاب ان يكون في لبنان خلل داخليّ وتورّط في النزاع الخارجي والإقليمي؟»
وقال كنعان: «النأي بالنفس لا يمكن ان يكون صفة مطلقة للرئيس في كلّ زمان ومكان، فهو تحدّده الظروف والأخطار المحدقة بلبنان والمصلحة الوطنية ويعود للرئيس تقديره في كلّ ظرف من ظروف عهده».

وكرّر برّي موقفه من هذا الموضوع، والذي كان حدّده في الجلسة السابقة. وتمّ الاتفاق على «أنّ النأي بالنفس ليس صفة دائمة ومطلقة ترافق أيّ رئيس».

مواصفات الرئيس

واستكمل المتحاورون مناقشة مواصفات الرئيس، وأقرّوا مبدأ العودة الى الشعب في انتخابه، وذلك بعد نقاش بين حرب ومكاري والسنيورة وكنعان الذي أكد «أنّ الموضوع دستوري، مستنداً إلى الفقرة «د» من مقدّمة الدستور التي تنصّ على انّ «الشعب هو مصدر السلطات، وبالتالي يمارسها من خلال المؤسسات الدستورية»، وسألَ كنعان المتحاورين: «أين الشعب من التمديدين النيابيَين ومن قانون الانتخاب الذي مضى عليه 25 عاماً ولم يتمّ إصلاحه، وبالتالي نحن بعيدون عن تطبيق الدستور كثيراً، وما نطالب به هو احترام الدستور والميثاق لانتخاب رئيس جمهورية».

ومن جهته، قال مكاري: «ثمَّة واقع لا يمكن أحداً أن يهرب منه، هو أنّ ثمّة قانوناً موجوداً هو قانون الستّين والخلاف عليه، وثمّة آراء متعدّدة في شأنه، وهناك قسم كبير ضدّه».

وأضاف: «ما تقولونه في شأن إجراء الانتخابات النيابية لكي ينتخب المجلس الجديد رئيساً للجمهورية، هو طرحٌ دستوري، ولكن ثمّة استحالة في تطبيقه، فهذا يعني، بواقعية، أنّنا نقول منذ بداية الطريق إننا لا نريد رئيساً للجمهورية قبل سنتين، لأنّ الاتفاق على قانون انتخابات ثمّ إجراء انتخابات على أساسه، ومن ثمّ انتخاب المجلس الجديد رئيساً للجمهورية سيستغرق نحو سنتين. الخَيار هو إذاً بين أن نبقى سنتين بلا رئيس، وبين أن ننتخب رئيساً بواسطة النواب الموجودين حاليّاً، وبعدها نضع قانون انتخابات للمراحل المقبلة».

وفي شأن الاتّفاق على كلّ البنود ضمن سلّة واحدة، اعتبر مكاري «أنّها وجهة نظر مهمّة ومقنِعة إلى حدّ ما، لأنّها يمكن أن توصلنا إلى حلّ». لكنّه اقترح، في حال المضيّ فيها، «أن يلتزم كلّ من المشاركين في الحوار علناً وبصوت عالٍ انتخابَ رئيس جمهورية أوّلاً وقبل أيّ شيء آخر».

وتدخّلَ حرب مجدّداً فأكّد «أنّ الدستور لا يسمح بتجاوز الانتخابات الرئاسية الى النيابية، وأنّ أيّ تصحيح للخلل يجب أن يمرّ بالانتخابات الرئاسية».
وردّ عليه كنعان قائلاً: «إنّ الإصلاح من خلال الرئاسة وارد، لكنْ يجب ان يستند الى حيثية الرئيس وتمثيله، بحيث إنّه يمثّل إرادة شعبية وازنة، خصوصاً في بيئته المسيحية، وإلاّ فلا مفرّ من العودة الى الشعب لانتخاب نوّاب جُدد أو مجلس نيابي جديد على أساس قانون يعتمد النسبية والدوائر المتوسّطة حسب «إتفاق الطائف».

وبعد نقاش شاركَ فيه السنيورة والوزير ميشال فرعون وفرنجية طرَح بري أن تتمّ الموافقة على بند العودة الى الشعب مع إضافة عبارة «وفق المنطوق الدستوري».

النفايات

واستأثرَ ملف النفايات بالجزء الأخير من جلسة الحوار، وما وصَلت إليه المفاوضات في شأنه. وكرّر رئيس الحكومة تمّام سلام موقفَه بأنّه لا يستطيع عقد جلسة إذا لم يحصل تفاهم بين جميع الأطراف على الحلّ.

وشرح النائب طلال أرسلان موقفه مؤكّداً «أن لا ثقة للأهالي بالدولة». فيما قال جنبلاط إنّه غير مستعدّ للنزول إلى الأرض و»إنّ الوزير أكرم شهيّب تعبَ من هذا الموضوع، ولا نستطيع أن نكملَ على هذا المنوال إذا لم يكن هناك التزام كامل عند الجميع». واقترَح ترحيلَ النفايات الى الخارج.

وكان الوزير علي حسن خليل أوضَح أنّ مروحة كبيرة من الخيارات قد طرِحت، ومنها خيار ترحيل النفايات إلى خارج لبنان. أمّا النائب آغوب بقرادونيان فقال: «اتُّخِذ قرار بترحيل النفايات موَقّتاً، لكن حتى هذا الحلّ يحتاج الى مزيد من الاستشارات».

برّي

قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره مساء أمس: «إنّ جلسة الحوار كانت جيّدة، وإنّ الحوار يتقدّم ببطء، وقد تمّ الانتهاء من جوجلة مواصفات رئيس الجمهورية، وسيبقى موضوع الرئاسة متقدّماً على رأس الجدول، وكاتّفاق الدوحة، فإنّ انتخاب رئيس الجمهورية هو البند الاوّل التنفيذي. وقد أُرجِئت طاولة الحوار الى 17 الجاري بسبب سفر مجموعة من أركان الحوار الى الخارج بعدما كنتُ عازماً على عَقدها الاثنين المقبل».

وعن اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب لتحضير جدول أعمال الجلسة التشريعية المزمَع عقدُها، قال بري: « لقد حُدّد جدول الأعمال في شكل نهائي، وهو يضمّ 40 بنداً، ولن يطرأ عليه أيّ تعديل، ولا جلسة جديدة لهيئة مكتب المجلس. وقد بوشِر طبع جدول الأعمال تمهيداً لتوزيعه على النواب، أمّا موعد انعقاد الجلسة التشريعية فسيحدّد فورَ الانتهاء من التوزيع».

وأضاف برّي: «لا سببَ لتغيب المكوّنات المسيحية عن الجلسة التشريعية، لأنّني أدرجتُ لعون بندين في جدول أعمالها، وهما مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين، وبند آخر يلحّ عليه، وهو تحويل عائدات الخلوي الى البلديات. أمّا سلسلة مشروع قانون الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام فسيوَضَّع على جدول أعمال الجلسة التي ستلي الجلسة التشريعية المقبلة».

وعن مشروع قانون الانتخاب قال برّي: «لم يدرَج في جدول أعمال الجلسة التشريعية بسبب وجود عدد كبير من المشاريع في هذه الصَدد، ولا صيغة توافقية على مشروع محدّد، إلّا إذا طُرح أحد المشاريع كاقتراح قانون معجّل مكرّر، وعندئذ يعرَض في الجلسة ولا يمكن التكهّن في ما يمكن ان يكون عليه مصيره».

الجلسة التشريعية

وكان أعقب جلسة الحوار اجتماعٌ لهيئة مكتب المجلس النيابي برئاسة بري، وأقرَّت جدول أعمال الجلسة التشريعية متضمّناً 40 اقتراح قانون ومشروع قانون، فيما أدرجت سلسلة الرتب والرواتب على جدول جلسة أخرى ستَليها.

ولم يدرَج بند قانون الانتخابات الذي يطالب به «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية». وأعلنَ النائب أنطوان زهرا رفضَ إقرار جدول أعمال لا يتضمّن هذا البند، لافتاً إلى أنّه «عندما يصبح جدول الأعمال نهائياً ويحدّد موعد الجلسة فإنّ «القوات اللبنانية» تعلن موقفَها رسمياً من المشاركة فيها.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ «القوات» و«التيار الحر» لن يشاركا في أيّ جلسة تشريعية ما لم يكن جدول الأعمال مكتملاً ماليّاً وسيادياً، لأنّ قانون الانتخاب هو سيادي بامتياز كونه يجسّد البعد الميثاقي الذي ترتكز عليه الفكرة اللبنانية، وكذلك الأمر بالنسبة الى قانون استعادة الجنسية، حيث لم يعُد جائزاً ضربُ أسسِ الدستور اللبناني عرضَ الحائط.

مكاري

وأكّد مكاري أنّ «موضوع الميثاقية هو لخدمة البلد وليس لعرقلته»، معلناً أنّه سيحضر الجلسة «حتى ولو كنتُ المسيحي الوحيد الذي سيحضر».
فتفت

أمّا عضو هيئة المكتب النائب أحمد فتفت، فأعلنَ مقاطعة الجلسة لعدم ميثاقيتها في حال تغيّب «التيار الوطني الحر» و«القوات» عنها، وأوضَح لـ«الجمهورية» أن «لا قرار في كتلة «المستقبل» بعد، لكنّ موقفي يعبّر عن روحية الكتلة».

وقال: «منذ عشر سنوات ونحن نطبّق مبدأ الميثاقية في التشريع في مجلس الوزراء ومجلس النواب وفي كلّ شيء، فإمّا نلتزم الميثاقية دائماً وإمّا نلتزم الدستور دائماً، وهذا هو موقفي.

فلا نستطيع اليوم عقد جلسة لمجلس الوزراء ونقول إنّ هذا البند ميثاقي ولا يسير، ولا نقبل الثلثين ونريد مكوّنات ونخترع قصصاً، ولا نستطيع عَقد جلسة نيابية عندما يُعجبنا نقول هذا المكوّن ليس حاضراً معناه غير ميثاقية والمكوّن الآخر حاضر يعني ميثاقية، فإمّا نطبّقها على الجميع وإمّا لا نطبّقها على أحد».

وأضاف: «كلّ ذلك هو نتيجة الاستعمال الخاطئ للميثاقية منذ العام 2006 وحتى اليوم، أساساً الميثاقية هي أنّ القرارات الوطنية يجب ان لا تضربَ العيش المشترك، لكن ما يحصل لا علاقة له بالعيش المشترك، والميثاقية، هي في الأساس مسيحية ـ إسلامية وليست مذهبية، حوّلوها مذهبية في 2006 عندما أقفِل المجلس النيابي على رغم وجود أكثرية وفرَضوا حقّ «الفيتو» بأقلّيات تحت عنوان الميثاقية، وأنا أقول ليس عندما يعجبنا نطبّق الميثاقية وعندما لا يعجبنا لا نطبّقها، إمّا نَدفع ثمن الميثاقية جميعاً، وإمّا نعُد مجدّداً إلى الدستور في كلّ شيء، وأنا مع موقف زميلي أنطوان زهرا عندما قال «إذا شئنا التصويت فلنصَوّت على كلّ شيء».

كنعان

وقال كنعان لـ«الجمهورية»: «نعتبر قانون الانتخابات على رأس سلّم الأولويات، نظراً لِما يشكّله مِن حلّ جذري للأزمة السياسية التي نعيش ونعاني من انعكاساتها منذ 15 عاماً. وما أزمة الرئاسة اليوم والتمديد النيابي والشلل في المؤسسات الدستورية إلّا خير دليل على ضرورة إيلاء هذا الموضوع كلّ الجهد اللازم لإقرار قانون الانتخاب.

وفي الإطار نفسه فإنّ قانون استعادة الجنسية الذي أدرِج على جدول أعمال الجلسة بعد نقاش طويل استمرّ عقداً ونصف العقد، نطالب اليوم ليس فقط بإدراجه إنّما بالسعي لإقراره. لذلك نتمنّى أن يكون هذا المطلب الوطني مطلبَ جميع الكتَل النيابية».

مخطّط أمني خطير

أمنياً، أحبَط الأمن العام مجدّداً مخطّطاً خطيراً عبر توقيفه أحمد الصبّاغ الملقّب «ابو محمود»، وهو لبناني ويحمل هوية فلسطينية مزوّرة ويقيم في مخيّم البدّاوي.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ «ابو محمود» أُسنِدت إليه مهمّات إرهابية خطيرة من بينها إعداد متفجّرات وأحزمة ناسفة لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش اللبناني، كذلك أوكِلت إليه مهمّات تدريب إرهابيين وانتحاريين مفترَضين على طريقة تصنيع العبوات والأحزمة الناسفة وتجهيزها وتفجيرها.

وفي التحقيق معه الذي تَنشر «الجمهورية» وقائعَه (تفاصيل ص 8 ) اعترَف الصباغ بانتمائه الى مجموعة أمير «داعش» في الشمال «أبو مصعب المنية»، وتضمّ إرهابيين لبنانيين وسوريين، بعضُهم يقاتل إلى جانب «داعش» في سوريا .

وخلال آب الماضي طلبَ منه «ابو مصعب» السفرَ إلى تركيا لاستلام مبلغ ماليّ من الرقّة والعودة مع بعض الانتحاريين لتنفيذ عمليات انتحارية في لبنان، لكن تَعَذّرَ عليه ذلك لعدم قدرته على التحرّك نتيجة الملاحقات الأمنية. والأخطر أنّه كُلّف منذ شهر تجهيزَ نفسِه لتنفيذ عملية انتحارية بحزام ناسف ضد مركز الجيش اللبناني في طرابلس ردّاً على المضايقات الأمنية التي يتعرّض لها عناصر «داعش» في الشمال.