عادت النفايات إلى مربّع الأزمة الأول حيث لا ثابت على الأرض حتى الساعة سوى واقع القمامة المزري تراكماً وتكدّساً بانتظار حلول متعثرة ومطامر متعذرة لم يساهم أي من القوى السياسية في تأمين واحد منها على مستوى الخارطة الوطنية برمتها، باستثناء مطمر يتيم في عكار. فمن عدم قدرة «حزب الله» و«حركة أمل» على تأمين مطمر لا في البقاع ولا في الجنوب، مروراً برفض الأحزاب المسيحية الفاعلة اعتماد مطمر في المتن أو كسروان بالإضافة إلى رفض حزب «الطاشناق» استخدام مطمر برج حمود، عادت الأزمة أدراجها من مشارف الطمر إلى نقطة الصفر مع إعلان رئيس «الحزب الديمقراطي» النائب طلال ارسلان أمس رفض تحويل مكب «الكوستابرافا» إلى مطمر صحي، مقترحاً في المقابل العودة إلى خيار ترحيل النفايات. ولأنه خيار يحتاج إلى آلية قوننة في مجلس الوزراء تبدأ باستدراج المناقصات ولا تنتهي بفضّها، وبما أنّ حل المطامر لم يُكتب له النجاح لافتقاره إلى مبدأ التشارك في تحمل المسؤولية بين مختلف القوى والمناطق، أضحت أزمة النفايات أمام «ستاتيكو» خانق لا طمر فيه ولا ترحيل.

في ضوء ذلك، سارع رئيس الحكومة تمام سلام إلى عقد اجتماع تشاوري مع الوزير أكرم شهيب للتداول في مستجدات الأزمة من دون أن يخلص الاجتماع إلى اتخاذ موقف نهائي حيالها. وفي حين اكتفى شهيب بالقول لـ«المستقبل» إنّ «التفاهم تام» مع سلام مشيراً إلى أنه بصدد «درس الموقف الملائم من التطورات الأخيرة» بالاستناد إلى المعطيات المستجدة وبعد أن يجتمع خلال الساعات المقبلة مع لجنة الخبراء المكلفة برئاسته تطبيق خطة الحكومة لمعالجة الأزمة، علمت «المستقبل» أنّ رئيس الحكومة باشر بجوجلة المواقف مع مختلف القوى السياسية المعنية وسط إبداء عدم حماسته لطرح «الترحيل» الذي تم تداوله على طاولة الحوار الوطني أمس، نظراً لكونه موضوعاً يحتاج إلى درس معمّق وإجماع سياسي في مجلس الوزراء.

الحوار

وكان ارسلان قد طالب رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط على طاولة الحوار أمس باتخاذ موقف موحّد من قبلهما حيال موقع «الكوستابرافا»، وفق ما كشفت مصادر المتحاورين لـ«المستقبل»، فأبى جنبلاط التدخل شخصياً بهذا الموضوع وتوجّه إليه بالقول: «أنا مريض، نسّق مع أكرم (شهيب)» قبل أن يهمّ بمغادرة الجلسة. فأردف ارسلان بعد مغادرة جنبلاط قائلاً للمتحاورين: «لا يكفي التنسيق مع أكرم في هذه المسألة». 

وبينما نقلت المصادر أجواء تشي بعدم مبادرة أركان قوى الثامن من آذار إلى بذل أي جهد يُذكر في سبيل محاولة إنقاذ خطة الحكومة لطمر النفايات والتزم معظمهم الصمت حيال الموضوع، لفتت في الوقت عينه إلى أنه حين عمد رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية إلى تأييد طرح ترحيل النفايات، أجابه رئيس الحكومة: «لن أسير بهذا الطرح إذا لم يحصل إجماع في مجلس الوزراء على اعتماده لكي لا يُقال غداً إنّ هناك سمسرات وصفقات وعمولات وراء عملية الترحيل».

أما عن مجريات الحوار المتعلقة بالنقاش الدائر حول مواصفات رئيس الجمهورية المنشود، فأوضحت المصادر أنه تمحور خلال الجلسة حول نقطتين: النأي بالنفس، والعودة إلى الشعب. وأشارت إلى أنّ المناقشات إزاء النقطة الأولى استمرت حوالى الساعة ونصف الساعة وتخللها إبداء قوى الثامن من آذار رفضها المطلق لاعتناق الرئيس مبدأ النأي بلبنان عن محاور المنطقة، لافتةً في هذا الإطار إلى أنه حين تولى رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي» النائب أسعد حردان التشديد على هذا الرفض قائلاً: «كيف يمكن أن ننأى بأنفسنا بينما العالم كله يقيم تحالفات ضد الإرهاب، والجيش اللبناني يتولى محاربته عند الحدود»، ردّ ممثلو قوى الرابع عشر من آذار على هذا الطرح فأبدى كل من نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والوزير بطرس حرب ضرورة التمسك بالنأي اللبناني عن أزمات المنطقة، وهو ما عبّر عنه كذلك رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة بالقول: «كلنا نقف ضد الإرهاب لكنّ المئتي ألف سوري الذين قضوا في سوريا لم يسقطوا ضحية الإرهاب وحده بل قتلهم أيضاً النظام السوري».

وعن نقطة «العودة إلى الشعب» التي أثارها النائب ابراهيم كنعان خلال مشاركته على طاولة الحوار أمس نيابةً عن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون قائلاً: «الدستور ينصّ على أنّ الشعب هو مصدر السلطات»، ردّ ممثلو 14 آذار على هذه النقطة بالتذكير بأنّ الدستور حدد الآليات الواجب اعتمادها في تطبيق هذا المبدأ من منطلق إيكال مسؤولية انتخاب رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب بوصفه ممثلاً للشعب. وحين اعتبر كنعان أنّ المجلس النيابي الحالي غير مؤهل لذلك باعتباره «غير شرعي ووكالته منتهية الصلاحية»، أجابه حرب متسائلاً: «لكن إذا انتخبنا العماد عون رئيساً تصبح حينها وكالة المجلس شرعية؟».

التشريع

وأمس عقدت هيئة مكتب المجلس النيابي اجتماعاً جديداً برئاسة الرئيس نبيه بري لبلورة جدول أعمال الجلسة التشريعية المنوي الدعوة إليها، وفي محصلة الاجتماع بلغ عدد مشاريع واقتراحات القوانين المحالة إلى الجلسة التشريعية المرتقبة أربعين مشروعاً واقتراحاً حتى الساعة من دون إدراج مشروع قانون الانتخابات النيابية على جدول الأعمال. وعلى الأثر أبلغ عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب انطوان زهرا أعضاء الهيئة عدم مشاركة الكتلة في جلسة تشريعية لا يُدرج على جدول أعمالها قانون الانتخاب.

وأوضحت مصادر هيئة مكتب المجلس لـ»المستقبل» أنّه في ضوء موافقة أكثرية أعضاء الهيئة على جدول الجلسة التشريعية، أعرب بري خلال الاجتماع عن عزمه على الدعوة إلى عقد الجلسة على أن يقرّر موعد انعقادها لاحقاً بعد استكمال مشاوراته بهذا الشأن مع رئيس الحكومة. وفي معرض إشارتها إلى كون «التيار الوطني الحر» لا يزال يدرس خياراته حيال الجلسة التشريعية، رجحت المصادر أن يتخذ التيار العوني قرار المشاركة فيها وتأمين ميثاقية انعقادها، بخلاف موقف «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية»، آخذاً في الاعتبار تلبية مطلبي «التيار» المتمثلين بإدراج كل من اقتراح القانون المعجل المكرر الخاص باستعادة الجنسية للمتحدرين واقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى استفادة البلديات من الضريبة على القيمة المضافة على الاتصالات الخليوية.