أصبح السؤال الملح اليوم سياسياً أكثر منه مشكلة متعلقة بالنفايات، إذ بدا واضحا أن ثمة من يريد شلّ عمل الحكومة وجر البلاد الى التعطيل الكامل او الى "الفوضى الخلاقة"، ربما لفرض واقع جديد لا يمكن بلوغه من دون تدمير البنية القائمة. واذا كان خطر "داعش" بدأ يطرق الحدود الشرقية الشمالية التي لا تخلو أساساً من وجود عناصر التنظيم الارهابي، وخصوصاً في جرود القاع ورأس بعلبك، فإن خطراً مماثلاً لا يقل عنه أهمية يصيب الداخل ويضرب المؤسسات المترنحة أصلا. وآخر الفصول امس سقوط محاولة ايجاد حل لمشكلة النفايات التي باتت أزمة وطنية، بل كارثة تهدد الاجواء والمياه الجوفية والصحة العامة، ومعها يمكن الدعوة الى اعلان حال طوارئ عامة في البلاد بدل اعتماد سياسة التعطيل.
ماذا جرى امس؟ قال مصدر مطلع لـ"النهار" إن تراجع الفريق الشيعي عن مطمر الكفور او أي منطقة أخرى يغلب عليها الطابع الشيعي أثار قلق أعضاء اللجنة الوزارية قبل أيام، وقد ارتضوا على مضض بما اتفق على تسميته موقع "الكوستا برافا" مطمراً بديلاً دفعاً للحل. وكان "الخليلان" (الوزير علي حسن خليل ممثلا الرئيس بري، ومستشار الامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل) تعهدا موافقة النائب طلال ارسلان على الموقع الجديد، واعتبراه موقعاً شيعياً بما هو امتداد للضاحية الجنوبية، وقالا إن سلة التقديمات لاهالي المنطقة كفيلة بارضاء الجميع، وإنه يجب تعويض بعض أصحاب العقارات المجاورة المتضررين من انشاء مطمر للنفايات ومنهم شخصيات معروفة اشترت أملاكاً طمعاً بتحول المنطقة واجهة بحرية مشابهة لبيروت وارتفاع اسعار العقارات هناك. ودعوا رئيس الوزراء الاحد الى تحديد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار الخطة. لكن الاخير فضل التمهل في الدعوة الى الثلثاء للتأكد من موافقة أهالي الشويفات. وقد أبلغ ارسلان طاولة الحوار رفضه والاهالي اقامة المطمر، ليسقط معه تلقائياً امكان فتح مطمر سرار، ما لم يتوفر مطمر شيعي يقابله!
والملف الذي حضر بقوة على طاولة الحوار، وتقدم ما عداه، بدا مسدود الافق، مما دفع الرئيس تمام سلام، بعد مداخلات عن ضرورة التصدير، الى القول إن "اللجنة الوزارية درست خيار الترحيل من بين الخيارات المطروحة، وانه لا بد من دراسة الاسعار والعروض المقدّمة، خصوصا ان ثمة عرضا بترحيلها لفترة ثلاثة اشهر، وعرضا آخر بترحيلها بشكل دائم. وان الموضوع لا يزال يحتاج الى بحث".
لكن خيار التصدير لم يحدد الوجهة، خصوصاً ان أفكاراً سابقة طرحت عن قسم الى سوريا او العراق او الى بلدان افريقية. وذكر المصدر المطلع لـ"النهار" أن اعتماد سوريا حلا عطله في وقت سابق حلفاء سوريا لمزيد من العرقلة.
وردا على سؤال لـ"النهار" عن تكلفة التصدير والمدة التي يحتاج اليها، قال: أولاً لا يمكن تصدير النفايات التي تساقط عليها المطر وبدأت بالتخمر. ثانيا، تحتاج اي شركة الى شهر في أقرب تقدير او أشهر لفض العروض وتوقيع الاتفاقات قبل بدء التصدير. ثالثاً، التكلفة ستكون كبيرة وستضيع معها كل أموال البلديات، بل ستقع الاخيرة في عجز. فالعروض المقدمة سابقا تكلف 185 دولارا للطن الواحد لنقله الى خارج لبنان، اي من دون احتساب تكاليف اخرى مرتبطة بالتصدير ومنها: فرم النفايات وهو شرط ضروري ويكلف الطن الواحد نحو 15 دولاراً، اللف بقماش سميك لا تتسرب منه أي عصارة ويكلف الطن الواحد نحو 15 الى 20 دولاراً، اضافة الى الجمع من المستوعبات والنقل الى مكان الفرز ثم الى الباخرة وقد تكلف العملية ما بين 25 و 30 دولاراً للطن الواحد. في المجموع قد يكلف الطن الواحد نحو 250 دولاراً وما فوق. واذا كانت بلديات كثيرة لن تعتمد هذا الحل لتكلفته المرتفعة فان المكبات العشوائية ستستمر ولن يصار الى حل جذري لمشكلة النفايات.
وقالت مصادر وزارية لـ"النهار" إن الرئس سلام عكف ليل أمس على إجراء مشاورات مع عدد من الوزراء والمستشارين في شأن الدعوة الى عقد مؤتمر صحافي يعلن فيه المعطيات المتعلقة بعدم إيجاد حل لمشكلة النفايات.
الحوار والحكومة
واذا كان تعثر ملف النفايات دفع رئيس الوزراء الى الاعلان انه لن يعقد جلسة لمجلس الوزراء إلا بوجود إجماع على الحلّ وبالتزام كل القوى تنفيذ القرار فعلاً وليس فقط قولاً، ومع ارجاء الحوار الوطني الى 17 تشرين الثاني الجاري، بدا ان الشلل هو الذي سيحكم المرحلة المقبلة. فلا جلسة حكومية، ولا حوار، في انتظار لا شيء، أو سلسلة مشاورات يتكل على الرئيس بري لاعادة تفعيلها.
وعلى رغم محاولة الرئيس بري اشاعة أجواء ايجابية عن جلسة أمس، إلا ان الواضح ان الحوار يراوح مكانه، من دون أي تقدّم، وبدأ يطرح الجدوى من الدوران في حلقته المفرغة طالما ان لا قدرة على التوافق على رئيس في ظل رفض فريق 8 آذار طرح فريق ١٤ آذار الرئيس التوافقي، ولا على الذهاب الى جلسة انتخاب ليفوز فيها من يفوز، وايضا اعتراض 14 آذار على المرشح الواحد الاحد.
التشريع
ويبدو ان التعطيل سيصيب أيضاً جلسة تشريع الضرورة، ففي ظل المقاطعة الكتائبية، تحدثت مصادر في "تكتل التغيير والاصلاح" عن اتجاه الى عدم المشاركة أيضاً، وأكد مصدر في حزب "القوات اللبنانية" لـ"النهار" استمرار الحزب و"التيار الوطني الحر" على موقفهما الرافض للمشاركة في جلسة اشتراعية إذا لم يتضمن جدول الأعمال البحث في مشروع الإنتخاب وإقراره، معتبراً أنه "من الأمور السيادية التي ترتبط حتماً بالأمور المالية". وأعرب نائب في قوى 14 آذار عن اقتناعه بأن الرئيس بري لن يخطو خطوة ناقصة ولن يدعو إلى جلسة اشتراعية قبل أن يوفر كل عناصرها.
ورأى بري، من جهته، أن "لا سبب ولا مبرر لتغيب أي من المكونات النيابية المسيحية عن الجلسة. وتم وضع بندين طلبهما العماد ميشال عون هما: استعادة الجنسية وتحويل أموال عائدات الخليوي الى المجالس البلدية. أما سلسلة الرتب والرواتب فستنقل الى جدول أعمال الجلسة التي تلي الجلسة المقبلة".
وقال إن "هيئة مكتب المجلس وضعت نهائياً جدول الاعمال ووصل الى 40 بنداً ولن يطرأ عليه أي تعديل ولا جلسة أخرى للهيئة. وبوشر وضع الجدول تمهيداً لتوزيعه على النواب. وسيكون موعد الجلسة في أسرع وقت. ولم يدرج قانون الانتخاب في الجلسة بسبب وجود عدد كبير من المشاريع، ولا صيغة توافقية على المشروع، إلا اذا طرح أحد المشاريع كاقتراح قانون معجل مكرر، وعندئذ يطرح في الجلسة من دون معرفة ما سينتهي اليه".