لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والعشرين بعد الخمسمئة على التوالي.
بدل ان تجد طاولة الحوار طريقة لطمر النفايات المتراكمة، وهذا أضعف الإيمان، إذا بالنفايات تطمر الحوار ومصداقيته، مع فشل «المجلس الرئاسي» الذي يضم أقطاب الطوائف والمذاهب في التوافق على سلة «المطامر»، بعدما أدى رفض إنشاء مطمر الـ«كوستابرافا» الى تداعي حجارة دومينو الخطة التي سبق لمجلس الوزراء أن اقرّها.
ومع «دفن» خيار المطامر في مقابر فيتوات الطوائف والمذاهب.. عاد الملف الى المربع الاول ليتجدد البحث في خيارات بديلة من نوع ترحيل النفايات، وهو خيار باهظ ماديا، ومعقّد تقنيا، يتطلب إنضاجه وقتا وجهدا، في حين ان كل يوم يمر من دون معالجة، يحمل معه مخاطر داهمة تهدد صحة اللبنانيين وبيئتهم.
أما مواصفات رئيس الجمهورية المفترض، فقد اكتملت جوجلتها خلال جلسة الحوار أمس، لكن «تسييلها» الى مرشح من لحم ودم يبقى التحدي الاصعب الذي لا تبدو طاولة الحوار قادرة على التصدي له، وهي التي تتخبط في مستنقع النفايات، علما ان الرئيس نبيه بري أكد امام زواره أمس ان الجلسة كانت جيدة، وتم الانتهاء من جوجلة مواصفات الرئيس، موضحا ان موضوع الرئاسة سيبقى متقدما على رأس جدول الاعمال، تماما كما كانت الحال في مؤتمر الدوحة، ومشيرا الى ان الجلسة المقبلة تأجلت حتى 17 الحالي، لارتباط عدد من أقطاب الحوار بمواعيد سفر.

رسالة تحذير
وفيما يستمر شلل المؤسسات الدستورية، علمت «السفير» أن جهة رسمية لبنانية وجّهت رسالة الى رئاستي المجلس النيابي والحكومة ومراجع رسمية أخرى، تحذرها فيها من بدء العد العكسي لانتهاء فترة السماح الدولية التي كانت مددت حتى نهاية العام الحالي قبل تصنيف لبنان من بين الدول «الأكثر تخلفاً في الأداءين المالي والاقتصادي».
وتشير الرسالة الى أن ثمة فرصة لبنانية متاحة قبل اجتماع منظمة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب (غافي) في مطلع شباط المقبل، وعلى لبنان أن يستغلها من أجل اقرار مشاريع قوانين أرسلها مصرف لبنان للحكومة وتحتاج الى مصادقة مجلس النيابي عليها وأبرزها قانون «نقل الأموال عبر الحدود»، «تعديل قانون تبييض الأموال» (إضافة بند يجعل التهرّب الضريبي جزءاً من تبييض الأموال)، تبادل المعلومات المتعلقة بالتهرب الضريبي والمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة في العام 1999 المتعلقة بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب.
وبموجب الرسالة فانه لم يبق أمام مجلس النواب سوى وقت قصير لاقرار هذه التشريعات، والا فإننا مقبلون على مرحلة من ارتفاع مستوى مخاطر الأمن المصرفي من أبرز تداعياتها، احتمال فرض قيود على التحويلات المالية والمصرفية من لبنان وإليه، ما يعني الضغط على آخر أنبوب «أوكسجين» يمد الجسد اللبناني بالحياة، وهو تحويلات المغتربين، التي قدرها البنك الدولي في نيسان الماضي بـ8.9 مليار دولار.
وتحذر الرسالة من أن عدم التجاوب مع المؤسسات الدولية سيؤدي الى خفض التصنيف الائتماني للبنان من «B- مع نظرة مستقرة» إلى «B- مع نظرة سلبية»، وبالتالي، يزداد خطر خفض تصنيفه إلى «ccc»، بما يعنيه ذلك من ضرر بالغ للاقتصاد، أقله جعل السندات اللبنانية بلا قيمة فعلية، ناهيك عن الضرر على سمعة القطاع المصرفي اللبناني وآلية تعاملها مع المصارف الأجنبية.

مخاض التشريع
وبينما يستمر التجاذب حول «تشريع الضرورة»، قال بري إنه جرى خلال اجتماع هيئة مكتب المجلس النيابي أمس تحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية، بشكل نهائي، لافتا الانتباه الى انه يضم 40 بندا، ليس من بينها قانون الانتخاب الذي لم يُدرج بسبب وجود عدد كبير من المشاريع غير المتوافق عليها، إلا في حال تقدم عدد من النواب باقتراح قانون معجل مكرر، إذ يُطرح حينها على الجلسة إنما من دون ضمان مساره ومصيره.
وأشار الى انه لن يكون هناك اجتماع آخر لهيئة المكتب ولا تعديل لجدول الاعمال الذي يتم حاليا طبعه، تمهيدا لتوزيعه على النواب، أما موعد الجلسة فسيحدد لاحقا.
وأضاف بري: لا مبرر لغياب المكونات المسيحية، بعدما تضمن الجدول بندين يهمان هذه المكونات، لاسيما العماد ميشال عون، وهما استعادة الجنسية وتحويل عائدات الخلوي الى البلديات، أما سلسلة الرتب والرواتب فستنقل الى الجلسة التشريعية التي تلي.
لكن أوساطا سياسية مسيحية اعتبرت انه لو كان بري قد اقفل الابواب نهائيا امام جدول الاعمال، لبادر فورا الى تحديد موعد الجلسة التشريعية، مشددة على ان بري لا يستطيع ان يغامر بعقد جلسة غير مضمونة الميثاقية، «وهو بالتأكيد لن يقبل بأن يزايد عليه في الميثاقية الرئيس فؤاد السنيورة الذي ابلغه ان تيار المستقبل لن يحضر جلسة تغيب عنها المكونات المسيحية الاساسية»، وفق الاوساط.
وأبلغ أمين سر «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان «السفير» انه لا تزال هناك إمكانية للتوافق على بنود الجلسة التشريعية المفترضة، برغم مواقف الرئيس بري، مؤكدا انه «لا يحق لنا ان نفرض شروطا على رئيس المجلس، تماما كما لا نقبل ان يفرض علينا أمرا واقعا».
وشدد على ان قانون الانتخاب المطابق للمواصفات هو مدخل الحل للأزمة السياسية، فكيف يمكن ان تعقد جلسة تشريعية لا اثر لهذا القانون فيها، معتبرا ان إدراجه على رأس جدول الاعمال هو ممر إلزامي نحو الجلسة، مشيرا الى ان المطلوب ليس فقط إدراج القوانين التي نطالب بها وإنما إقرارها ايضا.

«طمر» المطامر
ومع تعثر خطة الوزير أكرم شهيب، بفعل «الفيتوات» المتنقلة على المطامر، قال شهيب لـ«السفير» إنه يدرس خياراته بعد تعذر التوافق على المطامر التي تتطلبها المرحلة الانتقالية لخطة المعالجة، مشيرا الى انه سيتشاور مع الرئيس تمام سلام والنائب وليد جنبلاط قبل اتخاذ قراره.
وأشار شهيب الى ان بعض السياسيين غمروه بالتأييد النظري «لكنهم خذلوني عمليا، كما ان بعض الاعلام أدى دورا تحريضيا سيئا ساهم في تأليب الناس على الخطة وطمس جوانبها العلمية والبيئية».
ولفت الانتباه الى ان اقتراح ترحيل النفايات مكلف ماديا ودونه شروط واتفاقيات دولية لا يمكن التحايل عليها، موضحا ان مجلس الوزراء هو المعني في نهاية المطاف باعتماد هذا الاقتراح او اهماله.
وأبلغت مصادر مواكبة لملف النفايات «السفير» انه لا تزال توجد فسحة من الوقت قبل الوصول الى المحظور، موضحة ان المكان الذي توضع فيه نفايات الضاحية قرب المطار يحتمل استقبال كميات إضافية لمدة شهر، علما ان الكمية تجاوزت المئة الف طن حتى الآن، بينما لا تزال هناك قابلية للاستفادة من المكان الذي تُنقل اليه نفايات بيروت قرابة أسبوعين، لافتة الانتباه الى ان المشكلة الحقيقية تكمن في نفايات بعض بلدات المتن وكسروان.
وأفادت المصادر ان خيار ترحيل النفايات عاد للبروز، لكنه يحتاج الى درس دقيق من حيث المدة الزمنية ودفتر الشروط قبل الخوض فيه، كاشفة عن ان هناك ورقة رسمية كانت قد أعدت بهذا الصدد لتكون بديلة عن خطة مجلس الوزراء إذا أخفقت.