لم يعد في مقدور أحد من اللبنانيين أن ينكر أن حزب الله هو الطرف الأكثر قدرة على التحكم بالقرارات المصيرية للبلد. وقد تمكن من الاطباق عليه وجعله رهينة للمشروع الإيراني التوسعي في المنطقة من خلال تعطيل عمل المؤسسات فيه بحيث لم يترك سوى مساحة صغيرة يلتقي فيها مع تيار المستقبل هي طاولة الحوار التي يديرها الرئيس نبيه بري وبأشرافه. باعتبارها حاجة مذهبية لأنها الملتقى السني الشيعي الوحيد في العالم العربي وهي مطلوبة دوليا واقليميا وداخليا لمنع انفراط لبنان.
وقبل الجولة الأخيرة من الحوار كان الكثير من المراقبين اعتقدوا أن هذا الحوار قد مات. وذلك بعد تهديد الوزير نهاد المشنوق بالمغادرة ورد عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالقول /ألله معكن/.
إلا أن تعليمات واضحة تلقتها قيادات تيار المستقبل بمن فيهم الوزير المشنوق من الرئيس سعد الحريري تفيد بأن طاولة الحوار مطلوبة ولا مجال لفرطها.
وهناك انطباع في بعض الأوساط ل 14 آذار مفاده أن تيار المستقبل يتساهل دائما مع حزب الله أكثر من اللازم وأن هذه السياسة هي التي سمحت للحزب بالانتقال من موقع الخاسر في العام 2005 إلى الموقع المتكافىء في العام 2007 ثم إلى موقع المنتصر في العام 2008.
ومن القائلين بهذه النظرية شركاء تيار المستقبل الأساسيين كالقوات اللبنانية التي لم تجد فائدة في مشاركتها لا في الحكومة التي تشكلت بصفقة بين المستقبل وحزب الله. ولا في الحوار المعقود في المجلس النيابي. فيما حزب الكتائب يقف عند نقطة وسط بين المشاركة في الحوار وبين المقاطعة.
لكن مع ذلك فإنه في تقدير بعض أركان تيار المستقبل الأكثر اعتدالا أن قطع الحوار يصب في مصلحة حزب الله لأنه سيسهل له إطلاق يده بالكامل في لبنان. ولذلك فمن الأفضل أن يبقى لنا مكان نسأل فيه الحزب عما يفعله بدل أن نسهل له هذا الاستفراد. وعليه فالحوار هو القدر الذي لا يمكننا الهروب منه.
وتبدي أوساط الرئيس الحريري انزعاجها من الصورة التي يرسمها بعض الأقطاب في الرابع عشر من آذار عن تيار المستقبل وانفتاحه. وتعتبر أنهم يتسرعون أحيانا في إطلاق الأحكام. فالحوار مع حزب الله لم يؤد إلى تراجع تيار المستقبل عن أي موقف يلتزمه. وتتساءل هذه الأوساط هل المطلوب ان نرد على الحزب بأسلوب المقاطعة والتحدي فنخرب البلد ونغامر باندلاع فتنة مذهبية؟
ويمكن القول أنه على الرغم من أن ملف سلاح حزب الله وملف تورطه عسكريا في الحرب السورية يبقيان خا ج دائرة التداول على اهميتهما يبقى هناك استعداد دائم لدى تيار المستقبل لمهادنة الحزب لأسباب عدة. منها الخوف على البلد من فتنه مذهبية وكذلك تمرير للوقت الصعب بأقل الأضرار سيما وأن المجتمع الدولي ليس على استعداد لأن يقوم بدور حاسم وحازم في ملفي السلاح والتورط في سوريا. وبالتالي فإن تيار المستقبل على قناعة بأن نهاية المواجهة في سوريا ستكون لمصلحة المحور الذي ينتمي إليه