من مساوئ الصدف ومآسيها ذلك التزامن الذي حصل بالأمس توكيداً على ضريبة الدم التي يدفعها الجيش في مقابل معاشات لا ترتقي مهما بلغت على سلّم الرتب والرواتب إلى مرتبة الشهادة التي يرتقي إليها أبناء الشرف والتضحية والوفاء على مختلف جبهات حفظ الاستقرار والانتظام ومكافحة الإرهاب والإجرام. فليلة قبض أفراد المؤسسة العسكرية رواتبهم «على مسؤولية» رئيس الحكومة تمام سلام، لا شك أنّ حلف تعطيل المؤسسات المتسبّب بحجب المعاشات عن العسكريين شعر بصفعة موجعة تحاكي ضميره الغائب عن تحمل المسؤولية الوطنية، من خلال الحادثة الدموية التي حصلت في محلّة «المعاملتين» فجر الاثنين وأدت إلى استشهاد عسكريين أثناء قيامهما بواجب ملاحقة المطلوبين بالإضافة إلى أربعة أشخاص قضوا أثناء عملية دهم الملهى الليلي حيث قُتل أيضاً المطلوبان بجرائم منظّمة مهدي حسين زعيتر وأحمد علي عمار بعد أن بادر زعيتر ومرافقوه إلى إطلاق النار على دورية من مخابرات الجيش كان في عداد عناصرها الشهيدان الرقيب أول مارون خوري والجندي ميشال الرحباوي.

ولأنّ «الأمانة كبيرة وآمل أن أستمرّ في تحمّل مسؤوليتي مهما واجهت من عقبات» كما قال خلال حفل توزيع جوائز التميز العلمي في السرايا الحكومية، أخذ سلام على عاتقه ومسؤوليته أمس تحرير معاشات العسكريين من قيود التعطيل التي جعلتها ممنوعة من الصرف ربطاً بحسابات سياسية تستهدف تخضيع الدولة بجيشها وشعبها ومؤسساتها لمطامح ومطامع سلطوية تعطيلية تبدأ من رأس الجمهورية ولا تنتهي بنفاياتها.

وعن الصيغة القانونية التي اعتُمدت في صرف رواتب العسكريين، أوضحت مصادر حكومية لـ«المستقبل» أنها تمثلت بإرسال وزير المالية علي حسن خليل كتاباً إلى رئيس مجلس الوزراء يطلب فيه نقل اعتماد بقيمة 444 مليار ليرة لدفع رواتب مستحقة وتزويده بالتوجيهات اللازمة بهذا الصدد، فوافق سلام «لتحقيق المصلحة» على أن يُصار لاحقاً إلى عرض المرسوم الخاص بهذا الشأن في مجلس الوزراء لإقراره.

وكان وزير الدفاع سمير مقبل قد زار السرايا الحكومية صباحاً حيث أكد أنّ «الفضل الأكبر في دفع رواتب العسكريين يعود للرئيس سلام الذي تصرّف بصبر طويل ودَرَس القضية بموضوعية كي نصل إلى نتيجة ايجابية»، شاكراً كذلك «وزير المالية على تعاونه والعمل الذي قام به مع رئيس الحكومة لإنهاء هذه القضية».

ثم عُقد اجتماع في مقر وزارة الدفاع ضمّ مقبل وخليل وقائد الجيش جان قهوجي، أوضح في ختامه وزير المالية أنّ حل إشكالية الرواتب أتت بمثابة «مخرج قانوني استثنائي حتى صدور المرسوم عن مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن»، داعياً في هذا السياق «جميع القوى السياسية والكتل النيابية وأعضاء الحكومة إلى إبعاد هذا الملف عن التسييس، وتحمّل المسؤولية والموافقة في أول جلسة لمجلس الوزراء على نقل هذا الاعتماد لتمكين وزارة المالية من تغطية الأشهر المقبلة من دون أي ارتباكات».

بدورها، عمّمت قيادة الجيش نشرة عسكرية توجيهية حول «سابقة» تأخر دفع الرواتب شددت فيها على كون «معنويات العسكريين ولقمة عيش أفراد عائلاتهم هي من أولويات القيادة، ولن تسمح بالتفريط بها تحت أي ظرف من الظروف»، آملةً «ألا تتكرر هذه السابقة، من خلال قيام المعنيين باستدراكها قبل حصولها، وعدم إقحام الجيش في النزاعات والخلافات السياسية الضيقة».

التشريع.. والحوار

واليوم تتجه الأنظار إلى ساحة النجمة لمواكبة اجتماعي هيئة مكتب المجلس النيابي وطاولة الحوار الوطني. وبينما سيتبلور عن اجتماع هيئة المكتب جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ينوي رئيس المجلس نبيه بري الدعوة إلى انعقادها، توقعت مصادر الهيئة لـ«المستقبل» أن توافق أكثرية الهيئة على عقد جلسة تشريعية من دون إدراج مشروع قانون الانتخابات النيابية ضمن جدول أعمالها في مقابل تفرّد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا بالاعتراض على الأمر، مشيرةً في ضوء ذلك إلى ترقب قرار «التيار الوطني الحر» حيال المشاركة من عدمها بالجلسة لكي يحدّد بري الموقف من ميثاقيتها خصوصاً تحت وطأة مقاطعة حزبي «القوات» و«الكتائب» التشريع، الأول اعتراضاً على عدم إدراج مشروع قانون الانتخابات بنداً أول فيها، والثاني لرفضه مبدأ عقد جلسات تشريعية في ظل الشغور الرئاسي.

وفي الحوار، يعود ملف أزمة النفايات بنداً أول على الطاولة من زاوية استعراض رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان هواجسه حيال اقتراح «حزب الله» و«حركة أمل» إنشاء مطمر للنفايات في موقع الكوستابرافا في خلدة. بحيث أعربت مصادر وزارية لـ«المستقبل» عن اعتقادها بأنّ أركان الحوار المعنيين سيسعون إلى تبديد هذه الهواجس وطمأنة ارسلان إلى وجود ضمانات بيئية وحوافز إنمائية للمنطقة وبلدية الشويفات، على أن ينقل ارسلان بدوره هذه الضمانات إلى الأهالي ليتخذوا في ضوئها القرار الملائم.