لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الخامس والعشرين بعد الخمسمئة على التوالي.
ما بين حدَّي النفايات العالقة والرواتب المعلقة، تترنح الدولة المعطلة والحكومة المشلولة، حتى أصبح مجرد انعقاد جلسة لمجلس الوزراء أو لمجلس النواب «طموحاً» وطنياً!
وإذا كان الصراع الداخلي المحتدم على النفوذ والأدوار والمصالح والخيارات قد فعل فعله في استنزاف النظام وإنهاكه، فإن ما لم يكن متوقعاً هو أن يصل العبث السياسي الى حد تهديد رواتب عناصر الجيش والقوى الأمنية، إضافة الى عدد كبير من الموظفين المدنيين في بعض الوزارات والسفارات.
وبينما تواصلت المساعي الهادفة الى الترويج لمطمر مدخل بيروت الجنوبي، على قاعدة التأكيد أنه سيكون «مطابقا للمواصفات»، بدا أن محاولة إقناع أهالي الشويفات به ليست سهلة، تحت وطأة الهواجس التي تلاحقهم، فيما تساءل مواكبون لهذا الملف عما إذا كان المعنيون به قد استفسروا من الخبراء حول جواز استحداث مطمر بمحاذاة المطار، لا سيما أنه يُخشى من أن يشكل جاذبا للطيور وبالتالي مصدرا للخطر على الملاحة الجوية.
الرواتب المتأخرة
ومع تأخر صرف الرواتب لعدد كبير من موظفي القطاع العام، ومن بينهم عناصر الجيش والقوى الأمنية، عُلم أن قائد الجيش العماد جان قهوجي رفض أي تجزئة لرواتب العسكريين، وأصر على ان تُدفع للجميع أو تُحجب عن الجميع، لأنه لا يجوز ان يضم هذا الموقع او ذاك، جنودا قبضوا رواتبهم وآخرين لم يقبضوها.
وواصل قهوجي أمس اتصالاته وضغوطه في أكثر من اتجاه لتسريع دفع الرواتب المتأخرة للعسكريين، وهو تلقى، في ظل إلحاحه الشديد، تعهدا من مراجع معنية بأن تسدد الرواتب خلال 48 ساعة على أبعد تقدير.
وجرت مساء أمس اتصالات مكثفة من أجل إيجاد مخرج قانوني لصرف الرواتب، وشارك فيها كل من الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام والوزير علي حسن خليل وسهيل بوجي، وتم خلالها التداول بأكثر من اقتراح لمعالجة هذه المشكلة.
وفيما يرفض خليل تحمل تبعات أي صيغة غير محصنة قانونيا، علمت «السفير» انه يجري البحث في مخرج سريع، لا يرتبط حكما بانعقاد مجلس الوزراء، الذي لم يتحدد بعد موعد التئامه، في انتظار اختمار خطة النفايات.
وتفيد المعلومات ان من بين الاقتراحات المتداولة ان يوجه الرئيس تمام سلام رسالة أو إحالة الى وزير المال علي حسن خليل، يُضمنها تعليمات صريحة بصرف الرواتب استناداً الى حيثيات قانونية ودستورية، مطابقة لتلك التي يحويها المرسوم في العادة، على ان يتحمل سلام المسؤولية المباشرة عن هذه الصيغة التي يُفترض تصحيحها فور انعقاد مجلس الوزراء.
وقال بري أمام زواره أمس انه ليس مقبولا ان يبقى العسكريون من دون رواتب ويجب تأمينها فورا، حتى لو اضطررنا الى الاستدانة، لافتا الانتباه الى انه «إذا لم تنجح الجهود المبذولة لتسديد الرواتب، فسأتدخل لدى حاكم مصرف لبنان كي يتولى تسديدها، على ان تعيد الدولة لاحقا الى المصرف الأموال التي استدانتها منه».
ونبّه بري الى خطورة ما يلجأ اليه البعض من تحريض للجيش على «الحراك العسكري» واقتحام المؤسسات الرسمية، محذرا من ان من شأن ذلك أن يؤدي الى القضاء على ما تبقى من الدولة ومؤسساتها.
وانتقد بري مواقف أولئك الذين يرفضون البحث في مسألة الرواتب على طاولة مجلس الوزراء، قائلا: يبدو أن هناك من يستسهل الدفع نحو الانتحار البطيء عبر غرز سكين الشلل والتعطيل في جسم الدولة شيئا فشيئا.
وأكد ان واقع الحكومة لم يعد يُحتمل، ولا يجوز ان يبقى مصيرها معلقا على مزاج هذا الوزير أو ذاك.
الى ذلك، قال خليل لـ«السفير» ان رواتب المؤسسات العسكرية والامنية والادارات الاخرى باتت مؤمنة لدى الوزارة، وقدرها 444 مليار ليرة، موضحا ان صرفها يحتاج فقط الى «كبسة زر» قانونية، تحوّل الأموال الى المؤسسات المعنية.
دوامة النفايات
أما أزمة النفايات المتمادية، فما ان تُعالج إحدى عقدها حتى تبرز عقدة أخرى، فيما الوقت يمر ثقيلا، ومثقلا بالروائح الكريهة.
وبعدما دارت خطة المعالجة المفترضة دورة كاملة، في الجغرافيا والسياسة، حطت رحالها فجأة في الشويفات، مع اقتراح إنشاء مطمر قرب الاوزاعي، ضمن النطاق الاداري لبلدة الشويفات التي سارع سكانها الى الاعتراض على مشروع المطمر، انطلاقا من مخاوف تتصل بالنواحي البيئية والمدة الزمنية، بفعل الثقة المعدومة في السلطة وضماناتها.
ويخشى الاهالي من ان يجري استنساخ تجربة مكب الناعمة القريب، سواء لناحية الأضرار الصحية، أو لجهة تحول المؤقت الى مستدام.
ومن المتوقع ان يطرح النائب طلال ارسلان كل الهواجس على طاولة الحوار الوطني، الثلاثاء المقبل، في وقت استغرب مقربون منه أن يبدي النائب وليد جنبلاط موافقة على المطمر المقترح من دون التشاور مع ارسلان.
وقال الوزير شهيب لـ«السفير» ان تقدماً سُجل خلال الساعات الأخيرة على طريق معالجة أزمة النفايات، لكن لا تزال هناك بعض العقد أو الاستفسارات التي تحتاج الى أجوبة، ينبغي أن تتبلور اليوم.
وأوضح ان مكان المطمر المقترح قرب الاوزاعي يُصنف أصلا منطقة محروقة بيئيا، باعتباره يشكل منذ وقت طويل مكبا للصرف الصحي والردميات وعصارة مكب الناعمة، لافتا الانتباه الى ان اعتماده رسميا سيسمح باستخدام الشروط البيئية والصحية في طمر النفايات، وبردم مساحة من البحر تُقدر بـ120ألف متر مربع، يمكن ان تستفيد منها بلدية الشويفات بالطريقة التي تراها مناسبة.
لكن معارضي هذا الطرح يستبعدون أن يوافق الأهالي عليه، أو ان يتحمل ارسلان مسؤولية تسويقه، مشيرين الى ان المطمر يواجه التعقيدات الآتية:
- وقوعه عند مدخل بيروت الجنوبي، حيث ليس مألوفا استحداث مطمرعند أبواب العاصمة.
- وجوده بالقرب من المطار، مع ما يشكله ذلك من مخاطر على سلامة الطيران، كون المطمر يمكن أن يجذب الطيور اليه.
- انعكاسه السلبي على القيمة الفعلية للأراضي المحيطة به، والتي تندرج في إطار أملاك خاصة لم يُسأل أصحابها عن رأيهم.
- انعدام الثقة في أي ضمانات بيئية وصحية يمكن أن تمنحها دولة عاجزة، لا تستطيع أن تدفع الرواتب في موعدها، خصوصا انه ليس معلوما من سيضمن وسيراقب مدى دقة الالتزام بتلك الضمانات التي سبق أن قُدم مثلها لأهالي الناعمة، إنما من دون أي مصداقية كما أثبتت التجربة الملموسة.