فحص: تعملت الوطنية في إيران

تم إجراء هذه المقابلة بعد إعادة نشر كتاب "الشيعة والدولة في لبنان ملامح في الرؤية والذاكرة" للسيد هاني فحص في العام 2001 في منزله في بئر العبد.

 نشكركم يا سماحة السيد ، لماذا الإهتمام بهذه القضية، قضية الشيعة والدولة في لبنان؟

فحص: اشكركم على الاهتمام بالموضوع وهو هم مشترك بيننا جميعاً وأتمنى ان أكمل شغلي في هذا الموضوع لأن ما اشتغلته على لبنان مع مقدمات نظرية – طبعاً ينحصر في فترة زمنية محددة من سنة 1922 عندما تأسست الدولة اللبنانية تحت ظل الانتداب إلى سنة 1947 يعني في العهد الاول الاستقلالي بعد الاستقلال الذي حصل بعد 1943- اما الدواعي الى الاهتمام بالموضوع  فهي عديدة، من اهمها التجربة الجديدة في إيران والاهتمام الإيراني بلبنان، اضافة الى مستجدات الوضع اللبناني ككل، والوضع الشيعي في الوضع اللبناني.

بالنسبة لإيران ، ثورة ومشروع دولة اسلامية ، هذه المسألة أعادت طرح موقف الشيعة من الدولة أساساً ، الشيعة تاريخياً مشروع معارضة ، الثورة [ الإسلامية الإيرانية] وضعتهم أمام إختبار جديد ، كيف تحول رفضك للباطل إلى أطروحة حق ، وأنا يلفتني ويستدعي إنتباهي أن الجرعة الإيديولوجية العالية التي تأسست عليها الثورة والدولة إبتدأت تتراجع بشكل منهجي لصالح أطروحة تجريبية في إيران. هذا يعني أن إيران قررت ضمناً أن لا تكتفي بذاكرتها ولا بعقلها وأن يتحول المشروع الإسلامي إلى مشروع كوني ، يعني أن يتكامل بالمشروعات الأخرى ، هذه ميزة المشروع الإسلامي أنه مفتوح مع الأخرين والآخرون يشكلون شرطه .إذن هذا يخلصنا من فكرة الحصرية الشيعية ، إذن الشيعة ليسوا خارج التاريخ ، ليسوا خارج الإجتماع ، ليسوا خارج العام الإسلامي والعربي والدولي .

هذا فتح لنا على إعادة النظر في الكثير من المفاهيم المعّممة ...وهذا ما إهتممت به كثيراً هذا الإختزال القاسي وااللامنهجي واللاتاريخي للتشيع بالرفض وفي تقديري أن الرفض ليس صحيحاً دائماً.

 

في الدولة الصفوية مثلاً لا يوجد عندنا هذا الرفض بل تعامل وتعاط بين الشيعة والدولة

فحص : هذا التعميم رفض الدولة الصفوية ، وهذا التعميم الذي أقول عنه كان يرفض الدولة الصفوية ، وهذا لا يعني أنني أؤيدها الآن ، وإنما تتعرض إلى النقد . إن مسألة المنهجية فهو أن الرفض ليس مطلقاً ، إنما هو الإعتراض وليس الرفض والرفض ليس دائماً صحيحاً ، هذه الرفضوية أن ترتقي المعارضة السياسية إلى مستوى الإيديولوجية المستحكمة ، هذا يعطل التاريخ ويضعك خارج التاريخ ، إضافة إلى ذلك أن الرفض لم يكن مصاحباً دائماً للتاريخ الشيعي ، هناك رفض وقبول ، هناك رفض بنسبة وقبول بنسبة ما الذي يتحكم بذلك ؟ تتحكم معيارية علمية ، عقيدية ، أخلاقية ، مصلحة الأمة هذه التي إنبنى عليها فقهنا ، فقهنا المبني على هذه المسألة، وأخلاقية أئمتنا (ع) ، الذين كانوا يرجحون العام على الخاص ، بواقعية من دون أن يتخلوا عن رؤيتهم "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور الا عليّ خاصة."

إذن الإمام (ع) يحتمل ويتوقع أن تسلم أمور المسلمين مع غيره وأن أقل ولمن ترجيح مشروعه يمكن أن تترتب عليه ضرائب هو لا يتحملها. فأولويات الأمة مختلفة ، إضافة إلى ذلك أن هناك ظلماً آخر ، أنا في رأيي هذا ظلم للتشيع خاصة إذا قرأنا التاريخ بالطول وبالعرض ، يعني أنا يلفت نظري الرسالة أيام الدستورية ، الرسالة التي خرجت من النجف بتوقيع الشيخ لإخوند وعدد من كبار المجتهدين ، أرسلت أن السلطان محمد رشاد التركي تشكو له أن هذا الولد القاجاري لا يريد أن يطبق الدستور وأنت أعلنت أنك مع الدستور ، فيخاطبه خطاباً ولائياً متجاوزاً حساسيته الشيعية مع الفارق القومي والفارق المذهبي . إذن هذه إحدى مظاهر حركية الفكر الشيعي وأولوياته . إضافة إلى ذلك أنا في تقديري مقابل هذا الظلم للشيعة بإختزالهم بالرفض هناك ظلم للسنة بإختزالهم في الدولة مع العلم في رأيي أن الدولة ليس خطأ دائماً الدولة من ضرورات الإجتماع والعدل المطلق شأن الله ، العدل البشري نسبي ، فإذا غلبت نسبة الجور على نسبة العدل لا بد من الإعتراض ، أما إذا غلبت نسبة العدل ولو قليلاً على نسبة الجور فلا بد من نقاش وإن تبنى العلاقة على سياق أخروعلى نصاب آخر، فالدولة ليست دائماً خطأ ، إضافة إلى ذلك إن السنة ليسوا دائماً مع الدولة .

التاريخ مليء بالمعارضات السنيّة والإحتجاجات والإنقلابات السنية سواء كان صحيحة أو خطأ. توافق أم لا توافق ، يضاف إلى ذلك أن هذه حركات التحرر ، يعني عمر المختار لم يأت من عدم تاريخي ، عبد الكريم الخطابي والثورة الجزائرية لم تأت من عدم تاريخي ،بل تأتي متصلة ولها حجتها في الماضي ولها حجتها في الفقه أيضاُ ، هذا ما أردت أن أقوله شكل عام .

 أنا بتقديري هنا يمكن أن ننقد علاقتهم بالسلطة ، ننقد علاقة السلطة بهم وعلاقتهم بالسلطة ، يعني لكون السلطة تاريجياً سنيّة حاولت استتباع الفكر السني ، والفكر السني أيضاً مراعاة للمصلحة ومراعاة للصراع أيضاً أتبع نفسه بالدولة إلى حدّ ما. فحصل الإلتباس بين الدولة والسنة، هذا الدافع العام ، أما الدافع الخاص فسببه إهتمام إيران بالشأن اللبناني الشيعي . يعني إيران في التجربة الشيعية اللبنانية رسالة إلى العالم الإسلامي المتعدد . إيران فيها تعددية ما ، ولكن هذه التعددية المتوفرة في لبنان تختلف ، فممكن أن إيران لكون الشيعة في لبنان عمقها تقدم رسالة أخرى إلى العالم العربي والإسلامي . وهذه الرسالة قدمت من خلال المقاومة ، أنا في رأيي لو لم تسهم إيران في المقاومة في لبنان، لكانت حصلت مقاومة ولكن ليست بهذا الحجم ، فلا يجوز إنكار الدور الإيراني والمثال الإيراني والخطاب الإيراني ودوره ، هذه الرسالة الرسالة الأخرى يجب ان نقدمها كلبنانيين منسجمين في ذلك مع الطموح الإيراني ، الطموح الإيراني الشيعي العالم الثالثي الشرقي الإسلامي العام لتقديم نموذج حضاري معاصر قائم على أصول غير منقطع وغير مندفع ، يعني لا معاصرة فالته ولا ماضوية مهيمنة ، في تقديري المقاومة وهنا لا بد من الرجوع إلى الإمام الصدر الذي أسس. الإمام الصدر كان يريد للوجود الشيعي عدداً وفعالية لأن الشيعة كثيرون في لبنان يعني هم من الأقليات الكبيرة أو من الأكثريات الصغيرة.

 

هل الشيعة أقلية في لبنان أو أكثرية

فحص: لبنان هو مجموعة أقليات ، أما في العدد فالشيعة هم الأكثر.

 

ولكن حسب الإحصاءات الجديدة

فحص : الإحصائيات لم تستكمل خوفاً من الفضيحة.

 

يقال بأن آخر الإحصائيات تفيد بأن الشيعة يزيدون عن السنة

فحص: نعم يزيدون والآن الرقم ليس في ذاكرتي ، وبرأيي أن الأرقام يجب أن تكون معماة لأن في لبنان مفهوم الأقلية والأكثرية مختلف لأنه معنىً وليس عدداً لذلك المسيحي في لبنان ضرورة اسلامية حتى لو كان عدد المسحيين عشرين بالمائة وأنا بدون مسحيين لا أقبل لبنان! لا معنى له .

سيصبح محافظة عربية سورية. ميزة لبنان هذا الجمع . إذن لا نتوقف عند العدد بل ننطلق عند المعنى. أعود إلى كلامي وأقول بأن الإمام الصدر موسى ، ليس مؤسساً منقطعاً عن الماضي الشيعي في لبنان ، بل هو أعاد التأسيس على معطيات جديدة بعد أن تكمن ، مجيء السيد موسى من قم ومن طهران مروراً بالنجف جعله يرى لبنان بموضوعية أكثر وبحياد ، إلى حد ما ، ويرى هذا التعدد ، ويرى الشيعة ودورهم وإمكانية مساهمتهم في المستقبل فحاول أن يدخل الشيعة في الدولة . يعني يجعل وجود الشيعة موازياً لحضورهم في الدولة ، لأن حضورهم في الدولة كان أقل من وجودهم ، أقل من عددهم وأقل من فعاليتهم ، وأراد أن يدخل هذا سلمياً ، لهذا اسس المجلس الإسلامي الشيعي ، وأراد إستنهاض الشيعة من خلال مشروع لبناني وطني مطل على العرب ، يختلف عن حركة التحرر العربي ويختلف عن اليمين اللبناني ، وسطي إعتدالي . يعني يحقق شروط الذات من أجل أن يندمج بالأخر ، كان مشروعه سلمياً ، وارتأى ان يكون المجلس الشيعي هو القناة ، نحن عارضناه وقتها...