بعيداً من تموجات الصعود والهبوط العبثية في ما سمي السباق مع الوقت لتعويم خطة النفايات التي غرقت مجدداً في حقل ألغام الاشتراطات السياسية، برز تطور عسكري تمثل في تمكن الجيش للمرة الثانية في أقل من عشرة أيام من تسديد ضربة موجعة جديدة الى "جبهة النصرة" على الحدود الشرقية. وأفادت المعلومات المتوافرة في هذا الصدد ان الجيش استهدف بعد ظهر أمس اجتماعا لقادة ميدانيين في "النصرة" في وادي الخيل بجرود عرسال بثلاث موجات صاروخية لم يعرف ما اذا كانت اطلقت من طوافات أو من راجمات صاروخية وتمكن من تحقيق اصابات عدة فيهم بين قتيل وجريح.
وجاء هذا التطور وسط مضي الولايات المتحدة في تأكيد التزاماتها حيال لبنان وخصوصاً من حيث دعم الجيش من منطلق تشديدها على أهمية عامل الاستقرار في لبنان. وبرز في هذا السياق كلام مسهب لمصدر ديبلوماسي اميركي لـ"النهار" تخوّف فيه مع مرور كل يوم وكل شهر على الشغور الرئاسي من ان يرتفع الثمن بالنسبة الى لبنان، ولم يخف قلق واشنطن اكثر فأكثر من عدم قدرة الزعماء اللبنانيين على الاجتماع وايجاد الحل الصحيح على رغم وجود دعم دولي قوي للبنان من أجل تحمل مسؤولياته. وقال المصدر إن الحل يتطلب الاخذ والعطاء، معرباً عن ثقته بأن اللبنانيين قادرون على حل خلافاتهم وانتخاب الرئيس المناسب ومن ثم الانتقال الى قرارات أخرى حول الحكومة ومجلس النواب. ورأى ان رئيس الجمهورية وان كان يمثل الموقع المسيحي الاول فهو رمز وحدة البلاد ويجب ان يكون مقبولاً لدى جميع الطوائف التي تقع عليها المسؤولية في المشاركة في ذلك. واذ لم يخف قلقه من الشلل في المؤسسات الدستورية، أكد استمرار التزام الولايات المتحدة دعم لبنان واستقراره واستعدادها لتزويد الجيش وقواه الامنية كل ما تحتاج إليه نظراً الى الاهمية الكبرى التي توليها لاستقرار لبنان وازدهاره.
... الدوامة
أما في ما يتعلق بملف النفايات، فبدا لوهلة بعد يوم ماراتوني أمضاه وزير الزراعة أكرم شهيب في "مفاوضات" معقدة بين السرايا وحزب الكتائب و"التيار الوطني الحر" فضلاً عن الاتصالات المفتوحة مع عين التينة ان خطة شهيب كادت تعود الى المربع الاول بفعل نشوء "عقدة مسيحية" بعد "العقدة الشيعية " نتيجة رفض انشاء مطامر في مناطق كسروان والمتن. ذلك ان حصيلة الاجتماعات المتعاقبة لم تفض الى تذليل العقد المتبقية أمام تنفيذ الخطة التي طرأت عليها تعديلات اللحظة الاخيرة.
وعلمت "النهار" ان الاجوبة التي كان ينتظرها أمس رئيس الوزراء تمام سلام في شأن المطمر الثالث في البقاع الشمالي بما يسمح بالسير في إتجاه تطبيق خطة الوزير شهيّب والتي أقرها مجلس الوزراء لم تؤد الى الغاية المطلوبة منها، مما أفسح في المجال لإحياء النقاش في شأن خطة وزير البيئة محمد المشنوق والتي سبق لمجلس الوزراء أن أقرها أيضا لكن التطورات أطاحتها. وشرحت مصادر وزارية لـ"النهار" بعض وقائع الاتصالات على هذا الصعيد وفيها أن عدم التأكد من إمكان إنشاء مطمر ثالث في البقاع الشمالي كما تعهّد "حزب الله" دفع المعنيين الى العودة الى خطة وزير البيئة التي تتضمن اقامة مطمر في كل قضاء أو قضاءين بدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري وهذا يعني في الدرجة الاولى منطقتيّ كسروان والمتن. وهذا ما دعا الى قيام الوزير شهيّب بزيارة رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل وإنضمام وزير التربية الياس بوصعب الى إجتماع السرايا مساء أمس. وأوضحت المصادر أن الكتائب إعترضت على تحميل كسروان والمتن المسؤولية الان بعدما تحمّل مطمر برج حمود طوال 30 سنة نفايات كل لبنان، وتالياً فإن على مناطق أخرى أن تتحمل المسؤولية ولو لسنة واحدة ريثما يتم التوصل الى حل نهائي، في المقابل جاءت مشاركة الوزير بوصعب باسم "التيار الوطني الحر" إمتداداً لجهد بدأ في ضهور الشوير وجوارها للمساهمة في حل قضية النفايات هناك. وعُلم ان "أمل" و"حزب الله" قررا اقامة المطمر في الجنوب بدل البقاع الشمالي.
وأعلن شهيب ليلاً عبر برنامج "كلام الناس" ان الرئيس سلام سيدعو في الساعات المقبلة الى جلسة لمجلس الوزراء للبحث في ملف النفايات، معلناً ان الكلام الجدي جاء من الرئيس بري قبل 48 ساعة بأنه بالتنسيق مع "حزب الله" سيقدم موقعاً لمطمر وقد نقل الوزير علي حسن خليل الينا ان هناك مطمرا سيكون في تصرف مجلس الوزراء وهو مدروس بيئيا. واوضح شهيب ان المطامر المحددة ستتوزع بين سرار في عكار والموقع الاخر الذي سيبلغ الى مجلس الوزراء وصيدا والناعمة فيما تستمر الاتصالات في شأن موقع في برج حمود يتضمن ما تبقى من مطمر برج حمود ومنطقة محاذية له لجهة البحر، لكنه أكد انه لم يتبلغ جواباً عنه. وكشف شهيب ارقاما مخيفة عن ازمة النفايات منها ان هناك ما يناهز الـ 100 ألف طن منتشرة من دون طمر ونحو 100 ألف طن اخرى طمرت بين البحر وجدار المطار كما احرق ما بين 10 و12 الف طن.
بري
وقال رئيس مجلس النواب أمام زواره ان "مشكلة النفايات حلت في المناطق الشيعية، واتحدث بقرف عن هذا الموضوع، ولكن ظهرت فجأة مشكلة مسيحية. وهناك اتصالات جارية لتذليل هذه المشكلة. واصبحت ازمة النفايات هي الاساس في عمل الدولة، نظراً الى اخطارها ومضاعفاتها على البيئة وصحة المواطنين".
وأضاف انه سيدعو"حتماً" الى جلسة عامة لمجلس النواب "لان الموضوع، لم يعد يحتمل ولو حضرت وحدي الى المجلس. وستتابع هيئة مكتب المجلس استكمال درس 13 مشروعاً في اجتماعها المقبل. وطلب الاعضاء مناقشتها. وابدي ارتياحي الى تعاونهم. وفي النهاية الجلسة التشريعية ستنعقد، لان الامر لم يعد يحتمل المزاح والبلد في خطر ولم تعد المشكلة ميثاقية، ولا مبرر لغياب أي جهة عنها. وجاء اقتراح استعادة الجنسية بمزيج بين مشروع الحكومة وصيغة وضعتها اللجان وتبناه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية".
وسئل عن قانون الانتخاب وامكان وضعه على جدول الاعمال، فأجاب بري: "طالما يشكل قانون الانتخاب خلافاً بين الاطراف، لن ادرجه على جدول الجلسة العامة، الى ان يتفق عليه. ثمة عدد كبير من المشاريع يقتضي مقارنتها واستخلاص صيغة يتم التوافق عليها. ولن يكون هناك قانون انتخاب بلا نسبية".
الموقف في فيينا
في سياق آخر، علمت "النهار" أن الرئيس سلام تبلّغ من وزراء حزب الكتائب الثلاثة سجعان قزي ورمزي جريج وألان حكيم أن الحزب سيكون في المرصاد لأي موقف يصدر في فيينا بإسم لبنان في إطار المؤتمر الجاري حاليا لحل الازمة السورية. وقد أكد الوزراء الذين زاروا الرئيس سلام ان الموقف اللبناني المطلوب هو الموقف التاريخي والتقليدي الذي يجعل لبنان خارج أي محور، خصوصاً وإن مؤتمر فيينا ينقسم الى محورين حالياً. من هنا رأى الوزراء أن ثمة علامات إستفهام حول أي موقف سيعلنه الوزير جبران باسيل: هل هو موقف لبنان أم موقف حلفائه في أحد المحورين؟ وحذر الوزراء من تضييع حق لبنان في إغتنام فرصة تاريخية أن يكون الى طاولة الكبار بعدما ضيّع فرصة سابقة عندما كان الكبار يقررون مصيره.
كما علمت "النهار" ان وزيريّ الحزب التقدمي الاشتراكي أكرم شهيّب ووائل أبو فاعور أبلغا الرئيس سلام بتكليف من رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط رفض أي موقف في فيينا يبعد لبنان عن سياسة النأي بالنفس.