منذ وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم , بدأ الخلاف بين المسلمين , وإنقسموا الى فريقين , والذي جعلهم ينقسمون هو الصراع حول من يكون الإمام ويحكم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , فتكوّن خلافا سياسيا بالدرجة الاولى , وحكم تلك المرحلة الانتقالية قبل وصول الخلاف إلى المسائل الفقهية والفروع , عقلاء الصحابة , وعلى رأسهم الامام علي بن أبي طالب , الذي آثر السكوت أحيانا والكلام التوضيحي حول أصل المشكلة أحيانا أخرى , عبر مجموعة من الخُطب والمواعظ , حاول فيها تِبيان الحقيقة والواقع , مع الحفاظ على وحدة المسلمين , مما جعله يتعاون مع الخلفاء بشؤون المسلمين السياسية والاجتماعية والدينية والعسكرية , إلا أن هذا الشرخ بين الفريقين ظل يتوسع كل يوم حتى أصبح من المستحيل إصلاحه , وخاصة عندما تحوّل من سياسي الى ديني فقهي فيما بعد .
وقد جعل هذا الخلاف حول الحكم كل فريق يستل سيفه ويعلن مواقفه ، ويقاتل الفريق الآخر حتى انفلتت الأمور واتخذت أبعادا إيديولوجية واجتماعية وسياسية متشعبة، واختفى النقاش ليحل محله التكفير وإقصاء كل طائفة للأخرى .
وتحوّل أصل الخلاف إلى مسائل فقهية وفتاوى مذهبية مرتبطة بالفروع أساسا كما يقول أصحاب الاختصاص في التاريخ الاسلامي , أما الأصول والعقائد فهي واحدة. فعلماء كل طائفة كان لهم رأي مخالف في مسألة معينة وكل عالم تعصب لطائفته، ومن بين أهم نقاط الخلاف: العصمة والصحابة والتقية وزواج المتعة والميراث.
إن هذه المسائل الخلافية الخمسة بين السنة والشيعة والتي تفرّع عنها الكثير من الآراء والمواقف والتنابذ بينهما حتى إستحكم الخلاف الفكري والثقافي , هي مجرّد قشور لأصل الخلاف الحقيقي الذي هو الحكم والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فكل فريق له أدلته حول هذه المسائل الجزئية , ولا ينبغي تحويلها إلى أصول دينية يُكفّرُ على أساسها المخالف لها . لأن أصحاب الحق في الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله , لم يستعملوا الخلاف والاختلاف آنذاك لتكفير المسلمين وإخراجهم من دائرة الاسلام .
هذا الخلاف السياسي حول الحكم والخلافة قد تجاوزه الاوائل , وسادت بينهم علاقات التعاون و كانت علاقة الامام علي عليه السلام مع الخلفاء الثلاثة علاقة طبيعية ولم ينقع التواصل بينهم , وكان الامام علي عليه السلام حاضرا في مجالسهم وحاضرا للمشورة في شؤون السياسة والحرب والدين والشريعة والعقيدة , وهذا ما ذكره المؤرخون من الفريقين .
فتاوى التكفير اليوم بين السنة والشيعة , وبين السنة أنفسهم , ليس لها أي مبرر ديني على الاطلاق , وتحميل المسؤولية لبعضهم البعض حول إخفاقات المسلمين , وفشلهم بالنهوض بالامة ليس هو إلا هروب من المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء الذين ينبغي عليهم أن يتمثلوا بالصحابة الاوائل , ويُؤثرون الوحدة بين المسلمين ويعملون من أجلها , وعدم تعميق الشرخ بمسائل ظاهرية ليس لها علاقة بالعقيدة الاصيلة , لأن الاختلاف في الفروع الفقهية لا يُخرج المسلم عن إسلامه .
ولا يجوز للعلماء والفقهاء أن يقبلوا بتحويل الخلاف السياسي إلى خلاف ديني , كما يريده الحكام الذين يعتمدون على ذلك من أجل الحفاظ على الحكم والسلطة , وقد بات واضحا أنه لا خلاف جذري ديني اليوم بين السنة والشيعة , بل هو خلاف سياسي بامياز .
أما مسألة الحوار الضروري اليوم بين الفريقين هي مسؤولية مشتركة وليست على عاتق فريق من الفريقين , فالوصول إلى الحق والحقيقة يقتضي تعاونا بين المذاهب الاسلامية , والاقدام بجرأة على إزالة الافكار الدخيلة والخاطئة .