كان من المتوقع أن ينتهي الخلاف على التوافق النووي عند مختلف التيارات السياسية في إيران بعد أن أقرته الولايات المتحدة ، حيث لم تكن إيران ترى أميركا جدية وصادقة في الوصول إلى الإتفاق وإنهاء العقوبات عبر المفاوضات ، كما صرّح المرشد الأعلى آية الله خامنئي أكثر من مرة بأنه لا يرى بأنّ هناك جدوى من المفاوضات مع أمريكا والغرب وأن تلك المفاوضات التي هو سمح بخوضها مع الدول الست الكبرى بعد مجيء الرئيس المعتدل حسن روحاني سوف لن تؤدي إلى أية نتيجة إيجابية تكون لمصلحة الشعب الإيراني .
ولكن مسار الأحداث كان مغايراً بل مبايناً لتنبؤات المرشد الأعلى الإيراني ، إذ حصل اتفاق بين الطرفين عبّر عنه الرئيس روحاني بأنه كان فوز- فوز للطرفين ، بالرغم من أنه ليس مثالياً ولكنه القدر المقدور.
وشهد مجلس الشورى الإسلامي الإيراني محادثات هي أكثر سخونة منذ أكثر من ربع قرن ، حيث لم يشهد هكذا سجالات بين أعضاء في البرلمان والحكومة ، بعد حكومة أبو الحسن بني صدر التي أجهضها البرلمان في العام 1982.
وخلال تلك المحادثات ، هدّد نواب محافظون متشددون، الفريق المفاوض الإيراني بالعقوبات وتحديداً على أكبر صالحي هُدّد بالدفن في الإسمنت في قلب مفاعل أراك النووية ، ولكن بالرغم من تلك السجالات، أقرّ البرلمان الاتفاق النووي ، ثم صادق عليه مجلس الأمن القومي الإيراني ، ليحوّل الملف إلى المرشد الأعلى الذي أقرّ الإتفاق النووي ولكن سجّل عليه تحفظات كثيرة تجعل الاتفاق النووي في حالة برزخية ، وتوحي للطرف الآخر والمجتمع الدولي بأنّ جميع التفاؤلات بشأن تفاعل إيران في القضية النووية و خضوعها لرغبات الدول الست الكبرى تفتقد إلى المصداقية التامة ، حيث ترك آية الله خامنئي مجال التملص الإيراني عن الإلتزام بالاتفاق النووي مفتوحاً، بطرح تحفظات تتعلق بتنفيذ الإتفاق من الطرف الآخر وخاصة الولايات المتحدة التي لم ولن يثق بها خامنئي فحسب، بل طالب بالمزيد من اليقظة عشية الوصول إلى الإتفاق النووي .
اشترط المرشد الأعلى الإيراني عدم ذهاب الولايات المتحدة إلى فرض أيّ عقوبة جديدة كشرط لإلتزام إيران بالاتفاق النووي ، ممّا يوحي بأنّ الإتفاق النووي هو اتفاق إيران وليس اتفاق الدول الست مع إيران وفق أحد المحللين الغربيين الذين أبدى استغرابه باللعبة السياسية التي انتهجها خامنئي تجاه الإتفاق النووي ما أدى إلى تضليل أغلبية الخبراء والمحللين والسياسيين، إن في إيران أو في خارجها.
وهكذا يحاول المرشد الأعلى تحويل موضوع الإتفاق النووي ، إلى مادة لتضليل الطرف الآخر وجعله حائراً تجاه ردة الفعل الإيرانية ، تجاه إزعاجات الكونغرس الأمريكي الذي يستمر بوضع عقوبات على إيران تحت مختلف الحجج .
وكان لافتاً في ليلة عاشوراء أن عدداً كثيراً من المشاركين في احتفال تلك الليلة في مكتب المرشد الأعلى في طهران رفعوا شعارات منددة لرئيس البرلمان علي لاريجاني فور دخوله القاعة وجلوسه بجانب المرشد الأعلى .
واعتبر هؤلاء أن لاريجاني منافق وفاقد للبصيرة ، لأنه حرّض النواب على الموافقة على الإتفاق النووي، بينما يرى هؤلاء المعارضون للإتفاق النووي ، بأنه يمثل استسلام تام أمام الغطرسة الأمريكية وأن خامنئي لم يكن راضياً عنه ، وإنما قبل به تحت ضغط الرأي العام .
وهكذا يبقى الاتفاق النووي مادة للصراع بين التيارات السياسية في الداخل ، كما يبقى في حالة برزخية بين التعهد الإيراني بتنفيذه وبين تهديدها بالخروج عنه بحال استمرار الولايات المتحدة بفرض عقوباتها ضد إيران تحت الذرائع الجديدة .