تزداد كارثة النفايات المكدسة في الشوارع والمكبات العشوائية تعقيداً، وتزداد المخاطر على صحة اللبنانيين وتتفاقم أزمة انحلال الدولة العاجزة المهترئة يوماً بعد يوم. «البلد إن لم يسقط بالسياسة فسيسقط في النفايات»، والكلام لرئيس مجلس الوزراء تمام سلام في جلسة حوار مجلس النواب أول من أمس. الغريب أن كلّ القوى السياسية تعلن تأييدها لخطّة الوزير أكرم شهيّب.
وأمس، كرّر هؤلاء كلامهم، من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، وطبعاً حزب الله والرئيس نبيه بري، فيما تموت خطّة شهيّب. والأصحّ أن خطة شهيّب ماتت، ما لم يتم إنقاذها في الـ24 ساعة المقبلة. فمن المرجّح أن شهيّب، الذي زار سلام أمس وسيزور بري اليوم، سيرفع غداً تقريره إلى رئيس الحكومة معلناً فشل الخطة، وأنه حاول فعل ما يستطيع فعله وحان دور الآخرين، «ويا دار ما دخلك شر»!
أحد خيارات الترحيل التي تمّ عرضها تتضمن نقل النفايات إلى إفريقيا
لماذا سقطت الخطّة؟ أسئلة كثيرة علّ «فشة خلق» شهيّب تجيب عنها. إنما الأكيد أن القوى السياسية التي تدرك حجم الخطورة التي تشكّلها الأزمة وانعكاسها على ما تبقى من جسم الدولة، لا تزال تتعامل بالكيد والنكاية. وما كلام سلام في الجلسة سوى تعبير عن هذا الواقع. رئيس الحكومة يريد غطاءً سياسياً من مجلس الوزراء لتنفيذ الخطة بالقوة، ويقول بالفصيح: لا أستطيع أن أقيم مكبّاً في الشمال من دون مكب في البقاع ومكب في كسروان أو جبيل، فضلاً عن أن النائب وليد جنبلاط لم يعد باستطاعته فتح مكبّ الناعمة، ولو لأيام، وبرج حمود على درب الناعمة، وخيار استحداث مكب على شاطئ الأوزاعي في «الكوستابرافا» يعارضه الرئيس نبيه بري والنائب طلال أرسلان، وحزب الله لم يستطع إقناع العشائر البقاعية بفتح مكبّ في البقاع الشمالي.
وبدل أن يكون «الحراك الشعبي» المعترض على الأزمة عاملاً إيجابيّاً، تحوّل هو الآخر إلى وسيلة تعقيد جديد، فوصلت هيبة الدولة إلى الحضيض، وصار كل طامحٍ إلى دور أو ظهور على شاشة تلفزيون، خبيراً بيئياً!
وليس معلوماً ماذا سيحل بعد الخميس. فطرح ترحيل النفايات إلى الخارج ليس بالأمر السهل، مع أن رئاسة الوزراء تلقت في الأيام الماضية عروضاً وتصوّرات للترحيل من ثلاث جهات، بينها شركة ألمانية وأخرى بريطانية ومن مقاولين محليين، من دون أن يظهر إن كان سلام سيطرح الأمر في جلسة لمجلس الوزراء. وتقول مصادر مقرّبة من رئاسة الحكومة إنه «إن لم يكن هناك تصور واضح لنتيجة الجلسة، فالرئيس لن يدعو إليها، على الرغم من أن الجميع سيشارك في الجلسة».
وعلمت «الأخبار» أن أحد خيارات الترحيل التي تمّ عرضها تتضمن نقل النفايات إلى أفريقيا، فيما تشير المصادر إلى أن «المسألة معقّدة للغاية، ولا تقل كلفة نقل الطن الواحد في أحسن الأحوال عن مئتي دولار، فيما تحتاج العملية إلى سلسلة من الإجراءات لا يمكن إعدادها قبل شهرٍ من تاريخ اتخاذ القرار».
الأزمة كانت أيضاً محور نقاش طويل في جلسة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله أمس، من دون الوصول إلى نتيجة.
وأكد الوزير نهاد المشنوق، بعد انتهاء الجلسة، أن «النقاش في الجلسة كان جدياً وإيجابياً»، فيما أكّدت مصادر عين التينة أنه جرى نقاش موضوع النفايات والخطة الأمنية في البقاع بشكل مطوّل. وأشارت إلى أنه تم التأكيد على أن «حزب الله وحركة أمل لا يتعاطيان في ملفّ النفايات كأنهما محايدان وغير معنيين، بل على العكس، يحاولان إيجاد الحلول. ومحاولة تصوير حزب الله أنه لا يريد إيجاد حل هو إجحاف. فكل الجهود التي بذلت لفتح مطمر في سرار والأموال والمئة مليون دولار التي دفعت وتدخلات الوزير المشنوق والمملكة السعودية لم تنجح حتى الآن، ويريدون من حزب الله في يوم وليلة أن يقنع أهالي البقاع الشمالي».
وأشارت المصادر إلى أن «المشنوق كان لبقاً في طرح مسألة الخطة الأمنية في البقاع خلال الجلسة، وحصل عتاب مع ممثلي حزب الله، وردّ ممثلو الحزب بسؤال وزير الداخلية عمّا هو مطلوب من حزب الله فعله في البقاع الشمالي ليفعله». وبحسب المصادر، «تم التوافق على أن الأجهزة الأمنية والعسكرية مقصّرة في أداء مهماتها بتوقيف المطلوبين»، وأنه «يجب الضغط على الأجهزة كي تقوم بواجباتها في البقاع... فكل يوم يتم توقيف خلايا إرهابية، فهل تعجز الأجهزة عن توقيف عددٍ من المطلوبين الجنائيين، وهم أقل من مئة مطلوب أساسي؟».