فيما تجاوَز الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» مضاعفات المواقف السلبية التي عبّر عنها أحد أركانه وزير الداخلية نهاد المشنوق أخيراً، وأكّد المتحاورون إصرارهم على المضيّ فيه، ظلّ ملف النفايات يدور في الحلقة المفرغة وسط ضبابية تلفّ مصير جلسة مجلس الوزراء التي ستُخصّص له ولم تتقرّر بعد، في ظلّ تلويح البعض بـ«خميس الحسم»، أي غداً، والذي قد يكون تنفيسة غضَب تتمثّل بتنحّي وزير الزراعة أكرم شهيّب عن «مهمته البيئية». أمّا على جبهة التشريع، فالاستعدادات جارية قدُماً في هيئة مكتب مجلس النواب، لكنّها قد تصطدم بموضوع قانون الانتخاب الذي قد لا يحصل توافق على إدراجه في جدول الأعمال لأسباب سياسية وأخرى تشريعية، خصوصاً أنّ هناك 17 مشروع قانون واقتراح قانون في شأنه، وكلّها لم تُقرّ في اللجان النيابية المشتركة، فكيف والحال هذه أن يتمّ إدراجها على جدول أعمال الجلسة التشريعية؟ وكانت جلسة الحوار الرقم العشرون بين الحزب و«المستقبل» قد انعقدت مساء أمس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وحضرها عن «حزب الله» المعاون السياسي للامين العام للحزب الحاج حسين الخليل والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله، وعن تيار «المستقبل» مدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر. كذلك حضر الجلسة الوزير علي حسن خليل.

وبعد الجلسة صدر البيان الآتي: «أكّد المجتمعون إصرارهم على التمسك بالحوار واستكماله، وشدّدوا على تهيئة الأجواء لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية حكومةً ومجلساً نيابياً لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والحياتية، وعلى تعزيز الأمن في كل المناطق اللبنانية واستكمال الإجراءات المتفَق عليها في هذا الشأن».

عسيري

وكان ملف الحوار بين المواضيع التي بحَثها السفير السعودي علي عواض عسيري مع وزير الداخلية والبلديات المشنوق، مؤكّداً أهمّية مشاركة الأخير فيه.

وقال عسيري بعد اللقاء إنّ الزيارة «تأتي انطلاقاً من حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على أمن لبنان واستقراره، وتشجيعه الدائم لكلّ الأفرقاء على الحوار وإيجاد الحلول للقضايا الخلافية، وبالتالي مساعدة الحكومة على الاستمرار في تحمّل مسؤولياتها الوطنية حتى يتمّ التوصل الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية».

وأوضح عسيري أنّه شدّد على أهمّية مشاركة المشنوق في الحوار «وضرورة سعي كلّ القوى السياسية لدفع الأمور الى الامام لِما فيه المصلحة العليا للبنان في هذا الظرف الذي تمرّ به المنطقة».

ملفّ النفايات

وفي ملف النفايات، علمت «الجمهورية» أنّ رئيس الحكومة تمام سلام الذي بحَث فيه مع وزير الزراعة أكرم شهيب ووزير الصحة وائل ابو فاعور، لم يتلقّ حتى الآن ردوداً إيجابية حول خطة شهيب، وهو بالتالي لا يزال عند موقفه، أي يريد أن يكون مشروع جمعِ النفايات ومعالجتها حلّاً بيئياً صحّياً اجتماعياً وليس مشكلاً سياسياً أمنياً، وبالتالي فهو يربط انعقاد جلسة مجلس الوزراء المخصصة للنفايات بحصول توافق بين جميع الأطراف على تسهيل تنفيذ الخطة وعدم عرقلتها، وليس مستعدّاً لدعوة المجلس الى الانعقاد إذا لم يضمن أن يصدر عن الجلسة قرار في شأن ملف النفايات.

واكتفى شهيب بعد زيارته سلام بالقول: «الخميس آتٍ». وأضاف: «أمس (أمس الاوّل) كان لدولته دور كبير جداً على طاولة الحوار، إنّما ننتظر ما إذا كانت ردود الفعل إيجابية أم لا، ونأمل في ان تكون إيجابية. وفي كلّ الحالات نَراكم يوم الخميس».

زوّار السراي

وقالت مصادر مطّلعة على موقف سلام لـ«الجمهورية» : «عندما يقول رئيس الحكومة إنّه سيستخلص العبَر، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سيستقيل، إنّما سيُطلع الرأي العام في الوقت المناسب على الأوضاع، وهو يدرك انّ وضع البلد لا يتحمّل مزيداً من الفراغ، لأنّ هناك من يتربّص بوحدة لبنان وبوجود الدولة».

قزّي

وفي هذا السياق، قال وزير العمل سجعان قزي الذي زارَ ووزيرَ الإعلام رمزي جريج السراي الحكومي، لـ«الجمهورية»: «أن يستخلص الرئيس سلام العبَر من تأزّم موضوع النفايات، لا يعني أنّه سيستقيل، لأنّه يدرك أنّ لبنان لا يتحمّل مزيداً من الفراغ، وهو الذي أطلقَ «المصلحة الوطنية» شعاراً لحكومته، ولن يقدّم للّذين يعرقلون الخطة وغيرها لبنانَ على طبق من النفايات».

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «إنّ الخميس سيكون حاسماً بالنسبة الى سلام، خصوصاً أنّ ملف النفايات وصل الى حائط مسدود. وحذّرت من أنّه «إذا لم يتمّ تدارك الموضوع في الساعات القليلة المقبلة فإنّ انسداد الأفق قد يدفع البلاد إلى الشارع» .

وقبل 48 ساعة على ما سُمّي «مهلة الخميس» التي تنتهي غداً والخاصة بالنفايات، قال أحد أعضاء اللجنة التقنية إنّ شهيب لم يتبلغ أيّ جديد من مسؤولي حزب الله في شأن مطمر البقاع، وهو ما أدّى الى نوع من الإحباط لديه، فأجرى اتصالات مع من كانوا يعاونونه في المهمّة كوسَطاء واستمزجَ الآراء في الساعات الماضية بلا جدوى، قبل ان يزور وأبو فاعور سلام، حيث تمّ تقويم الأوضاع الخاصة بهذا الملف وما يمكن أن تؤول إليه المعالجات الجارية والتي اصطدمت خلال الأيام الأخيرة بما يشبه اللامبالاة لدى مسؤولي «حزب الله».

«صفر كبير»

وقالت مصادر رافقت الاجتماع لـ«الجمهورية» إنّ التقويم النهائي لكلّ المساعي الجارية أنتجَ «صفراً كبيراً» على مسار التحضير لمطمر البقاع، على رغم كل الوعود التي قطِعت، وإنّ رهاناً كبيراً بات معقوداً على همّة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وعَد بحلّ لموضوع المطمر قبل الثلثاء المقبل، الأمر الذي قد يؤدّي الى مقاربة جديدة للملف.

شهيّب يفدي

وفي هذه الأجواء كشفَت مصادر وزارية تواكب ملف النفايات انّ الاتصالات الأخيرة التي دفعَت سلام الى التريّث في اتّخاذ ايّ موقف نهائي من استمرار الشلل الحكومي غداً حدَت بشهيّب الى المضيّ في اتجاه إعلان موقف حاسم ونهائي بات واضحاً، وملخّصُه الاعتذار عن استكمال المهمة التي أوكِلت اليه في شأن ملف النفايات، شاكراً لسلام ثقته، وكذلك الأطراف الذين عاونوه بصدق، ملقياً اللوم على الآخرين.

وقالت المصادر نفسها إنّ شهيب باتّخاذه مثلَ هذا القرار منفرداً يفتدي سقوط الحكومة بكاملها ويعطي سلام مهلة إضافية لاستغلالها في ممارسة مزيد من الضغوط السياسية.

وأشارت المصادر الى أنّ شهيب سيتّخذ قراره مستنداً إلى دعم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي نصَحه بـ»قلب الطاولة نهائياً» في ظلّ المصاعب التي واجهته وتسبّبت بها أطراف سبق لها أن أيّدت مهمته وأعطته وعوداً باطلة، وهو ما أدّى الى الكارثة البيئية التي شهد لبنان نموذجاً منها الأحد الماضي، وهو نموذج مرشّح للتكرار في الأيام القليلة المقبلة.

صمت واتصالات

وحول زيارة وزيرَي الكتائب جريج وقزي لسلام، قالت مصادر حكومية إنّهما ناقشا وإياه ما يعوق الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء والأجواءَ السلبية المتحكّمة بملف النفايات، خصوصاً على مستوى البحث عن إيجاد مكان مطمر في البقاع أو في أيّ منطقة أخرى من لبنان.

وتحدّثت المصادر عن «أجواء انزعاج وغضب» سادت اللقاء بسبب ما آلت اليه المساعي التي بُذلت بلا جدوى، وعبّر المجتمعون عن رفضهم المطلق استغلالَ قضية بيئية بهذا الحجم في مسارات سياسية، ما يدلّ على حجم العجز السياسي الذي بلغَه بعض الأطراف لتغيير الواقع وتطويع المواقف لِما يريدونه ولو على حساب صحّة اللبنانيين وسلامتهم جميعاً بلا رادع أو وازع وطني.

وقالت المصادر إنّ الاتصالات التي يجريها وزراء الكتائب لا تقف عند حدود التشاور وسلام، وإنّ هناك مشاورات إضافية ستشهدها الساعات المقبلة لتكوين مقاربة تعزّز الضغوط في اتّجاه انعقاد جلسة لمجلس الوزراء أياً كانت مواقف الأطراف منها، خصوصاً بعدما تبلّغوا مواقف إيجابية لوزراء «التيار الوطني الحر» حول ملف النفايات، ما قد يلاقي مساعي بري لمعالجة موضوع «مطمر البقاع» الثلثاء المقبل حدّاً أقصى حيث موعد الجلسة الجديدة للحوار بين رؤساء الكتل النيابية وهيئة مكتب المجلس النيابي.

«التغيير والإصلاح»

وإلى ذلك، أوضح تكتّل «التغيير والإصلاح» بعد اجتماعه الأسبوعي أنّ العراقيل في خطة النفايات ليست عنده، وأنّ الوزير الذي كُلّف الملف يعرف ذلك. وأعلن أنّه كونه يعي أنّ مصالح الوطن والمواطن فوق كلّ اعتبار، فإنّ وزراء «التكتل»، وبناءً على طلب رئيسه النائب ميشال عون سيحضرون جلسةً لمجلس الوزراء مخصّصةً للنفايات، «بحلولنا وليس بمزايدات الآخرين في هذا الملف بالذات».

«القوات»

في هذا الوقت، ناشَد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع سلام والوزراء المعنيين بملفّ النفايات تنفيذَ خطة شهيب في أسرع وقت ممكن، معتبراً «أنّ المنطق الذي تتبعه الحكومة هو منطق خاطئ، إذ لا يمكن «تبويس» أيدي الوزراء لإيجاد حلّ لأزمة النفايات».

وتساءل: «ما الذي ينتظرونه لتنفيذ هذه الخطة، خصوصاً أنّ الحكومة أقرّت الخطة وهناك لجنة وزارية مكلّفة تنفيذها؟ وهل هناك سلطة في العالم تحتاج الى موافقة الجميع لتنفيذ أمر ما؟ إنّ هذا لا يحصل في أيّ مكان». وأكّد «أنّ من واجب الحكومة ممارسة مسؤولياتها سواء اعترَض البعض أم لم يعترض».

«المستقبل»

ومن جهتها، أعلنَت كتلة «المستقبل» دعمَها «القوي» للحكومة ودعَتها للمسارعة إلى الإمساك بزمام المبادرة والمضيّ في تطبيق الخطة الإنقاذية لشهيّب وما طرحه سلام في شأن قضية النفايات.

تشريع

وعلى جبهة التشريع، تستكمل هيئة مكتب المجلس النيابي في اجتماع آخر تعقده الثلثاء المقبل إثر جلسة الحوار المقررة في مجلس النواب، البحثَ في جدول اعمال الجلسة التشريعية المرتقبة، وذلك بعد اجتماع عقدَته امس برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.

مكاري

وأكد نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري «أنّ المسؤولية الوطنية تفرض علينا الإسراع في إقرار القوانين اللازمة تفادياً للكارثة. لذلك عَقد مكتب المجلس جلسة اليوم (أمس)، ونظراً لكثرة المشاريع المنجَزة فقد قرّر المكتب قسماً منها، وبعد ورود مشاريع جديدة أرجئ الأمر إلى الثلثاء في 3 تشرين الثاني المقبل لاستكمال جدول الأعمال والانتهاء منه».

وأشار مكاري إلى أنّ اقتراح قانون استعادة الجنسية المعجّل المكرّر وضِعَ على جدول الأعمال. وتحدّث عن وجود «رغبة» في التشريع، مؤكداً «أنّ مبدأ تطيير الجلسة غير وارد في أذهان جميع الأفرقاء».

وهل يمكن ان يكون قانون الانتخابات على جدول اجتماع الثلثاء المقبل؟ أجاب مكاري: «قلنا: الاجتماع المقبل هو لدرس مجموعة مشاريع وردَت اليوم (أمس)، وربّما يكون قانون الانتخاب أحدها، لأنّنا لم نَطّلِع عليها بعد».

حمادة

وبدوره، النائب مروان حمادة أكد لـ«الجمهورية» أنّ اجتماع هيئة مكتب المجلس «لم يكن فاشلاً، بل على العكس، فقد اتّفقنا على إدراج 19 مشروع قانون واقتراح قانون على جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة، وبقي امامنا عدد من المشاريع التي وردت اليوم (امس) ولم نستطع الاطّلاع عليها خلال الجلسة لضيقِ الوقت، وبالتالي نَعتبر أنّنا قطعنا شوطاً لا بأس به في اعتماد المشاريع الملِحّة اقتصاياً ومالياً وبيئياً وغذائياً وأيضاً وطنياً من خلال اقتراح استعادة الجنسية الذي اتفقنا على إدراجه في جدول أعمال الجلسة التشريعية.

أمّا بقية المشاريع فننتظر الأسبوع المقبل للاطلاع عليها والبحث في إدراجها أو متابعة التشاور في شأنها، على أمل أن لا تكون الجلسة التشريعية المقبلة جلسة يتيمة وأن تعاد الحياة الى السلطة التشريعية في انتظار جلاء الأمور بالنسبة الى الرئاسة الأولى أو للعمل الحكومي ومستقبله».

إستعادة الجنسية

وعلمت «الجمهورية» أنّه بعد انتهاء اجتماع هيئة مكتب المجلس، حصَلت اتصالات بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» تحضيراً لمزيد من التشاور في الايام المقبلة، في ضوء تحديد معالم جدول أعمال الجلسة التشريعية المرتقبة.

وكان نوّاب «التيار» و«القوات» وقّعوا في مكتب النائب ابراهيم كنعان مشروع قانون معجّل مكرّر لاستعادة الجنسية اللبنانية. ومثّل «القوات» النائب إيلي كيروز، فيما مثّل التيار النائب آلان عون.

كنعان لـ«الجمهورية»

وقال كنعان لـ«الجمهورية»: «إنّها خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي منتظَرة منذ زمن بعيد، ولا تتعلق فقط بـ»التيار» و»القوات» أو حتى بالمسيحيين، إنّما لها بُعد وطني استراتيجي على خلفية تعزيز القدرات اللبنانية من خلال المتحدّرين من أصل لبناني والمنتشرين في كلّ أنحاء العالم».

وأضاف: «إنّ هذه الخطوة تأتي باكورة ثمار التعاون بين «التيار» و«القوات» بعد توقيع إعلان النيّات، وستتبعها خطوات أخرى في المرحلة المقبلة تعود بالنفع على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصا».

وعن قانون الانتخاب قال كنعان: «نحن نعتبر أنّ قانون الانتخاب أساسي في معالجة الخَلل التمثيلي في النظام والخروج من هذه الأزمة التي تُكرّر نفسَها كلّ فترة. ولذلك نحن متمسّكون بضرورة وضع حد لتأجيل هذا الملف من خلال التزام جدّي للوصول الى قانون جديد وليس الى مخارج شكلية تمَدّد الأزمة التي نعيشها، وتأخذنا إلى ما هو أسوأ على صعيد عمل المؤسسات الدستورية».

زهرا

وكان النائب أنطوان زهرا قد أكد إصرار «القوات» على إدراج قانون الانتخابات في مطلع جدول أعمال أيّ جلسة تشريعية ستُعقد. وقال: «ما زال موقفنا على هذا النحو، وهذا ما أبلغته الى دولة الرئيس بري والزملاء في هيئة المكتب، موقفُنا من الجلسة يتوقّف على إدراج قانون الانتخابات».

وعمّا إذا كانت «القوات» متفقة مع «التيار الوطني الحر» على صيغة لقانون الانتخاب؟ أجاب زهرا: «لا، لم نصل إلى صيغة موحّدة، لكنّنا مستعدّون للتصويت على ما هو مطروح».