لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم العشرين بعد الخمسمئة على التوالي.
برغم الصراخ السياسي، التأمت أمس جلسة الحوار العشرين بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، في عين التينة، بحضور الوزير علي حسن خليل وجميع أعضاء الوفدين، بمن فيهم وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان قد لوّح بالمقاطعة قبل أن يعود عنها.
ومع انعقاد الجلسة، فوق أنقاض الاتهامات المتبادلة، يكون قد ثبت مرة أخرى أن القرار السياسي الذي أطلق الحوار الثلاثي، لا يزال ساري المفعول، وهو القرار ذاته الذي يبقي حوار مجلس النواب حياً، وحكومة الرئيس تمام سلام موصولة بالحياة ولو عبر أنابيب التنفس الاصطناعي.
وإذا كان الاشتباك السعودي ـ الإيراني قد بلغ حدّه الأقصى خلال الفترة الأخيرة، من الواضح أن طهران والرياض لا تزالان تتجنبان «التضحية» بالحوار بين حليفيهما، من دون أن يخلو الأمر أحياناً من بعض الرصاص السياسي الطائش الذي لم يصب بعد في الحوار مقتلاً، بفعل الحصانة التي يحظى بها.
ويبدو أن المطلوب أن تظل الساحة اللبنانية «تحت السيطرة»، لحاجة الأطراف الإقليمية والدولية الى الإبقاء على حد أدنى من استقرارها، كمساحة «مضبوطة» إما لإدارة الصراع وإما لربط النزاع، وهما وظيفتان يراد للبنان أن يؤديهما في هذه المرحلة، وسط تفجر الساحات الأخرى.
وقالت اوساط المتحاورين لـ «السفير» ان جلسة الأمس اتسمت بالمصارحة والمكاشفة، وسادها نقاش عميق وجدّي، انتهى الى خلاصات عملية يُفترض ان تخضع للاختبار التطبيقي في الفترة الفاصلة عن الموعد الجلسة المقبلة التي حُددت في 12 تشرين الثاني المقبل.
وأكدت الأوساط أنه جرى خلال الاجتماع تأكيد ضرورة استمرار الحوار ودوره الحيوي في المحافظة على الاستقرار، مشيرة الى ان حضور وزير الداخلية الذي كان مترددا في المشاركة، أتى ليحسم هذا المبدأ، وموضحة ان المشنوق كان إيجابياً وهادئاً في مداخلاته.
وأشارت الاوساط الى انه تم البحث في كيفية إعادة تفعيل عملي الحكومة ومجلس النواب، لاسيما في ظل الوضع المالي الضاغط نتيجة المخاطر المحدقة بالقروض الممنوحة من البنك الدولي، كما جرى التطرق الى أزمة النفايات بمخاطرها الداهمة ومعالجاتها المطروحة، حيث شرح كل طرف وجهة نظره حيالها، والدور الذي يؤديه لتسهيل حلها.
وكان هناك نقاش مستفيض حول الوضع الامني، خصوصا خطة البقاع التي تناولها كل فريق من زاويته، إذ عرض وفد «المستقبل» مآخذه على النقص في التعاون من قبل «حزب الله»، بينما اعتبر وفد الحزب ان الدولة هي التي تتحمل المسؤولية عن عدم تطبيق الخطة، عارضاً بالوقائع والمعطيات جوانب التقصير من قبل قوى الأمن التي دعاها الى ان تقوم بواجباتها في فرض الأمن والاستقرار.
وبينما أكد المشنوق عبر «تويتر» أن جلسة الحوار كانت أكثر من جدية في كل الملفات، أبلغ عضو وفد «المستقبل» النائب سمير الجسر «السفير» ان الجدية والصراحة سادتا الجلسة، وأن كل طرف تحدث عن نظرته للأمور وهواجسه.
وأشار الى أن هذه الجلسة كانت مثمرة أكثر من أي وقت مضى، حيث أكد الطرفان تمسكهما بحكومة الرئيس تمام سلام ورفض اعتكافه، وتم الاتفاق على تهيئة الأجواء لتفعيل العمل الحكومي، والبدء فعلياً بمعالجة قضايا الناس، لا سيما في ما يتعلق بأزمة النفايات، فضلا عن تفعيل العمل الأمني في كل المناطق.
وأكد الجسر أنه تم التوافق على العديد من الخطوات الأمنية التي يُفترض أن تظهر نتائجها تباعاً في الشارع اللبناني خلال الأيام المقبلة، من غير ان تُستثنى منها أي جهة.
وعما إذا كانت الجلسة العشرين شهدت غسل قلوب بعد المواقف النارية المتبادلة بين الطرفين، قال: القلوب مغسولة، وما نريده خطوات عملانية تصب في مصلحة الوطن والمواطنين.
وبعد الجلسة صدر بيان أكد فيه المجتمعون «اصرارهم على التمسك بالحوار واستكماله»، وشدّدوا «على تهيئة الأجواء لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية حكومة ومجلساً نيابياً لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والحياتية، وعلى تعزيز الأمن في كل المناطق اللبنانية واستكمال الاجراءات المتفق عليها في هذا الشأن».
كوهين.. والزيارة السرية
ومن علامات عدم انتهاء صلاحية «مظلة الحماية» المنبسطة فوق الداخل اللبناني، أقلّه في بُعدها الأمني، ما توافر من معلومات لـ «السفير» حول زيارة سرية قام بها قبل أكثر من أسبوع نائب مدير جهاز الاستخبارات الاميركية «السي آي آيه» ديفيد كوهين، الى لبنان، واستغرقت قرابة ثلاث ساعات، التقى خلالها كلا من وزير الداخلية نهاد المشنوق، قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم. كما عقد اجتماعا مشتركا مع كل من مدير عام جهاز أمن الدولة اللواء جورج قرعة ومدير المخابرات العميد ادمون فاضل ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن العميد عماد عثمان.
وتركز البحث خلال هذه اللقاءات على احتياجات ومتطلبات المؤسسات العسكرية والامنية اللبنانية للمضي في مكافحة الارهاب.
وفي سياق متصل، ابلغ السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل بعض القيادات اللبنانية التي التقاها في إطار زيارات وداعية، ان واشنطن مستمرة في الدعم التام للجيش اللبناني والاجهزة الامنية في مكافحة الارهاب، متوقفاً في هذا السياق عند التطور اللافت للانتباه في سلوك جهاز الامن العام على مستوى مواجهة الارهاب.
«تشريح» التشريع
على صعيد آخر، عقدت هيئة مكتب المجلس النيابي اجتماعاً، أمس برئاسة الرئيس نبيه بري، ناقشت خلاله مشاريع واقتراحات القوانين التي ينبغي إدراجها على جدول أعمال الجلسة التشريعية المفترض انعقادها تحت سقف الضرورة.
ولئن كان قد تم الاتفاق على جدول أعمال مؤلف من 19 بنداً، إلا ان ذلك لم يكن كافياً لتحديد موعد الجلسة، بعدما تبين أن 13 مشروعاً أضيفت إلى اللائحة التي كانت وزعت على النواب، من غير أن يتمكنوا من الاطلاع عليها، فطلبوا استمهالهم، ما أدى إلى تأجيل الاجتماع حتى الثلاثاء المقبل.
لكن التحدي الاهم الذي لا يزال يواجه «تشريع الضرورة» يكمن في تمسك «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» بإدراج قانون الانتخاب كبند أول على جدول أعمال الجلسة، وهو ما يتحفظ عليه بري حتى الآن، انطلاقاً من وجود نحو 17 مشروع واقتراح قانون انتخاب يتم التداول بها، وعدم الاتفاق على أي منها، علما ان هناك من يعتبر ان حساسية الموضوع تمنع طرحه قبل الوصول إلى حد أدنى من التوافق في شأنه.
ويُنتظر ان يكون اجتماع هيئة المكتب الثلاثاء مفصلياً، فإما تنضج الحلول التي يُعمل على بلورتها، وإما ستكون الجلسة التشريعية مهددة تحت وطأة افتقارها الى الميثاقية، علماً ان ثمة من يراهن على موقف متمايز لـ «التيار»، مع تحقق أحد مطالبه، وهو إدراج قانون استعادة الجنسية على جدول أعمال الجلسة، بعدما وقّع عليه النائبان آلان عون وإيلي كيروز، بصيغة اقتراح معجل مكرر.
ولئن كانت العقدة امام الجلسة التشريعية لا تزال تتمثل في قانون الانتخاب، إلا ان أوساطاً متابعة اعتبرت ان على «التيار» و «القوات» ان يتفاهما أولاً حول مشروع واحد، لأن من شأن ذلك ان يسهل طريق قانون الانتخاب الى جدول الاعمال، في حين ان استمرار خلافهما حياله يشكل نقطة ضعف في الموقف المسيحي.
وقال أمين سر «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ «السفير» إن ادراج مشروع استعادة الجنسية على جدول الاعمال يشكل نقلة إيجابية في اتجاه تأمين المناخ الملائم لعقد جلسة تشريع الضرورة، داعياً الى البناء على هذا التطور الايجابي من خلال الاسراع في بلورة مقاربة مشتركة لقانون الانتخاب، قبل اجتماع هيئة المكتب الثلاثاء المقبل، تمهيدا لوضعه على جدول الاعمال.