بعدما أهدرت السلطة السياسية فرصة إيجاد حلّ لأزمة النفايات بكثيرٍ من اللامبالاة منذ 2010، وقع المحظور، ودخلت الأمطار عاملاً جديداً على خطّ التأزيم، فطافت الزبالة فوق أنهار الماء في شوارع ساحل المتن الشمالي، وبدأت عُصارات النفايات في أكثر من 760 مكبّاً عشوائياً في مختلف المناطق تتسرب إلى باطن الأرض والمياه الجوفية، في ظلّ تهديد جدي بانتشار الأمراض والأوبئة.
السؤال عن الحل لا يفضي إلى جواب. فالسلطة عاجزة وتتخبّط، وتبدو خطة الوزير أكرم شهيب في طور الاحتضار، مع استمرار العرقلة السياسية، و«فلتان» الشارع وغياب هيبة الدولة مع الاعتراضات في المناطق على أماكن المطامر المقترحة.
في الأرقام، يُطمر يومياً حوالى 1000 طن من النفايات مصدرها الضاحية الجنوبية لبيروت قرب المطار الدولي، فيما تتوزّع أكثر من 600 طن من نفايات مدينة بيروت بين مكب برج حمود ونهر بيروت. ويرمى في مكبّ سرار في عكار وحده بين 450 و500 طن يومياً، عدا عن أطنان أخرى ترمى في 39 مكبّاً عشوائياً في عكار وحدها. أما الـ 100 ألف طن من النفايات المجمعة في بيروت وجبل لبنان، والتي كان سيجري نقلها فور البدء بتنفيذ خطة شهيب إلى مطمر الناعمة خلال أسبوع، فقد وصلت الآن إلى 300 ألف طن!
خطة شهيب تترنح
وعودة الحديث عن خيار
«تصدير» النفايات
وعلى رغم ما قيل عن جهود الوزير نهاد المشنوق «الحثيثة» لإقناع فاعليات عكار وبعض رؤساء اتحادات البلديات بالقبول بتحويل مكب سرار إلى مطمر، إلّا أنه بات مؤكّداً أن تيار المستقبل نفسه يعرقل فتح المطمر، ما لم يتمّ فتح مطمر آخر في البقاع الشمالي. بصريح العبارة، يرفض المستقبل فتح «مطمر سني» ما لم يفتح حزب الله «مطمراً شيعياً»! وسبق أن تم اقتراح مكانين لمطمرين في البقاع، الأول على سفح السلسلة الشرقية شمال كفرزبد، والآخر على السفح الشرقي للسلسلة الغربية في منطقة التويتي، إلّا أن الدراسات أشارت إلى عدم صلاحية المكانين بسبب الإمكانية الكبيرة لتسرب عصارة النفايات إلى المياه الجوفية، ووقوع الموقع الثاني فوق «فالق اليمونة».
ويؤكّد شهّيب لـ«الأخبار» أن «مكب سرار هو المكان الأفضل في لبنان. أصلاً، هناك أزمة كبرى في المكبات العشوائية في عكار، وهناك فرصة لتحويل المكب العشوائي إلى مطمر صحي، لكن هناك عرقلة كبيرة». ولفت الى أن «ما وصلنا إليه حذرنا منه منذ شهرين، لكننا وصلنا إلى هذه المرحلة نتيجة فقدان الجدية عند كثير من السياسيين، ونتيجة نظريات بعض المراهقين في علم البيئة، ونتيجة التحريض ضد كل شيء اسمه دولة والخطة من بعض الذين دخلوا على الحراك مستفيدين من ملفات النفايات». وشدد على أنه «يجب السير بالخطة بسرعة وإلّا ستكبر الأزمة». واعتبر أن «من غير المنطقي القول إن المناطق لا تريد تحمل نفايات بيروت. فالنفايات عندما ستفرز في العمروسية والكرنتينا، ستكون نفايات الطوائف جميعها، لا نفايات طائفة أو فئة معينة. هذا الكلام معيب».
ما الحل إذاً؟ في حال سقوط خطة شهيب كما تسير إليه الأمور، فإن العودة إلى خيار ترحيل النفايات يبدو مخرجاً مكلفاً ومعقداً أمام مجلس الوزراء. وبحسب أكثر من مصدر، فإن ثلاث شركات عادت للتواصل مع رئاسة الحكومة ومع لجنة شهيب، ووصل التفاهم مع إحداها إلى مراحل متقدمة. لكن الأزمة في مسألة التصدير سياسية، بسبب عدم انعقاد مجلس الوزراء، علماً بأن من غير المعلوم ما إذا كان الرئيس تمام سلام قد قرر إعادة طرح الأمر في مجلس الوزراء، عدا عن المشاكل التقنية، إذ يحتاج التحضير إلى ما بين 15 و20 يوماً للتوضيب في حال اتخاذ قرار الترحيل، مع ضرورة الحصول على موافقة البلد، وجهة الترحيل، فضلاً عن إجراءات التوضيب الخاصة التي يفترض أن تخضع للشروط العالمية لناحية التوضيب ومواصفات النفايات ونوعيتها. بالإضافة إلى أن هذا الحل مؤقت، لا يمكن أن تتعدى مدته السنة بسبب الكلفة العالية، وبعدها تعود البلاد إلى الأزمة نفسها.
وفيما يتردّد أن رئيس الحكومة يهدّد جديّاً بالاستقالة في حال عدم السير بخطة شهيب قبل يوم الخميس، نفت أوساط «وثيقة الصلة» بسلام أن «يكون قد صدر عن السرايا أو المصيطبة أي موعد محدد لتقديم الاستقالة». وذكرت الأوساط أن «الاجتهاد في تحديد موعد قد يكون على علاقة بما قاله وزير الزراعة من أنه سيكشف الحقائق الخميس حيال ملف النفايات وخطته التي يصطدم تطبيقها بعراقيل». وقالت إن «موعداً كهذا لا صحة له»، لكنها لم تخف «امتعاض سلام وتفكيره في ضرورة إحداث صدمة في البلاد قد تكون الاستقالة، بغية تحميل الأفرقاء جميعاً مسؤولية التدهور الذي يقودون البلاد إليه».
وأوضحت المصادر أن «سلام ملمّ بالأسباب الدستورية وأهمية غياب رئيس الجمهورية حيث يقتضي رفع الاستقالة إليه واعتماد آلية دستورية بغية ملء الشغور لئلا يفاقم الفراغ بفراغ»، بيد أن «الوضع الداخلي بات يتخبط في مشكلة سياسية متفاقمة وليست دستورية فحسب، ما يحتم ضرورة إحداث الصدمة، وخصوصاً أن استقالة الحكومة وتعطيل اجتماعاتها سيان، إذ إنها تصرف الأعمال من غير أن تستقيل».
وتوقفت الأوساط عند ما سمته «المشهد المخزي» لـ«سيول النفايات» أمس، وقالت إنها ناجمة عن الإهمال وتبادل النكايات بين الأفرقاء. على أنها أكدت أن «سلام لن يتخذ أي موقف من الاستقالة قبل استمزاج رأي رئيس مجلس النواب نبيه بري والتشاور معه نظراً الى حساسية قرار كهذا، أضف إن رئيس الحكومة يأخذ في الاعتبار أيضاً اجتماع طاولة الحوار الوطني اليوم واجتماع هيئة مكتب مجلس النواب غداً، عدا عن الجهود التي يبذلها بري لعقد جلسة قريبة للهيئة العامة للبرلمان، ما يقتضي أن تكون الحكومة حاضرة حيال هذه الاستحقاقات».
الحوار ماشي
من جهة أخرى، على رغم التصعيد الذي ساد الأسبوع الماضي بين تيار المستقبل وحزب الله، إلّا أن مصادر الطرفين أكدتا لـ«الأخبار» أن «الحوار في عين التينة ماشي غداً الثلاثاء»، مع تأكيد حضور وفد حزب الله ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، من دون أن يتم حسم حضور المشنوق من عدمه. كذلك أكّد التيار الوطني الحر أنه سيشارك ممثل عن النائب ميشال عون في حوار مجلس النواب، فيما أشارت مصادر لـ«الأخبار» إلى أن «الأرجح أن لا يغيب الرئيس فؤاد السنيورة».