بين الأرض والجو تدور الحرب في سورية منذ العام 2011. واذا كانت الأجواء السورية تحوّلت في بداية الأزمة "ملعباً" اقتصر على الطيران الحربي التابع للنظام لضرب معارضيه، فإنه مع مرور الوقت دخل لاعبون جدد على الخط، من طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي أعلن الحرب على "الدولة الاسلامية" وصولاً إلى الطيران الحربي الروسي الذي زاد من اشتعال سماء البلاد لحماية نظام الرئيس بشار الأسد من الانهيار، ما طرح مخاوف عالمية حول سلامة الطيران المدني في أجواء سورية.

ومنذ انفجار الأوضاع الأمنية في سورية، وتفادياً لأي خطر قد تتعرض له الطائرات المدنية وركابها، اتخذت بعض شركات الطيران العربية والأجنبية قراراً بوقف التحليق فوق سورية، قبل ان تتسع دائرة المخاطر ورقعتها بعد التدخل الروسي وتحديداً نتيجة الهجمات بصواريخ كروز البعيدة المدى التي أُطلقت من بحر قزوين باتجاه أهداف في سورية على بُعد أكثر من 1500 كيلومتر وعبرت الأجواء التي تستخدمها عدة رحلات جوية مدنية بين اوروبا والخليج وآسيا.

وقد نُشرت تقارير في صحف غربية عن المخاطر التي تواجهها رحلات شركات الطيران المدني التي تحلق فوق العراق وايران وسورية بسبب الصواريخ الروسية التي حلقت على ارتفاع منخفض جداً فوق بلاد الرافدين وايران وسقط 4 منها في اراضي الأخيرة، وهي المخاطر التي حذّرت منها شركات الامان الملاحي الجوي، وصولاً الى إصدار هيئة تنظيم الطيران المدني التابعة للاتحاد الاوروبي نشرة تحذيرية مشيرة الى ان شركات طيران عدة منها الخطوط الجوية الفرنسية والبريطانية قامت بتغيير خطوط سير بعض رحلاتها لتجنب المنطقة الممتدة بين ايران وساحل البحر المتوسط الشرقي.

وبإزاء هذا الواقع المستجد، برزت أسئلة برسم شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية "الميدل ايست" التي كانت استمرّت مع غيرها من الشركات القليلة في عبور المجال الجوي السوري بشكل روتيني، وبينها هل تخاطر الشركة في التحليق فوق الاراضي السورية؟ وهل تأثرت رحلاتها بالتطورات الأخيرة؟ وعلى ماذا تستند في اتخاذ قرار الاستمرار أو التوقف عن سلوك "خط النار"؟ علماً ان قرار شركات الطيران العربية والأجنبية التي سبق ان أوقفت مسار رحلاتها العابرة للأجواء السورية تَسبب بزيادة ساعات الطيران لبعض الخطوط من 45 دقيقة إلى نحو ساعتين، كذلك بزيادة التكلفة على المسافرين القادمين والمغادرين من وإلى مطار رفيق الحريري الدولي.

وأكد رئيس مجلس إدارة "الميدل ايست" محمد الحوت ان الشركة مستمرة في تسيير رحلاتها فوق الأجواء السورية وفق خطٍ محدد وارتفاع مدروس، موضحاً ان الرحلات لم تتأثر بدخول الطيران الروسي على خط المواجهة في سورية.

بدوره، أشار أمين سر نقابة الطيارين فادي خليل إلى أنه "في الماضي كنا ندخل الأجواء السورية على ارتفاع يفوق 27 الف قدم، واليوم هناك تعليمات بدخول الأجواء السورية على ارتفاع يفوق الـ 32 الف قدم لأن الطيران الروسي يحلق ما دون هذا الارتفاع"، لافتاً الى انه "اليوم تعبر نسبة 40 في المئة من رحلات الميدل إيست فوق هذه المنطقة نحو الخليج، وما دامت الشركة تشعر بالأمان ستبقى تطير فوقها بالركاب".

وأشار خليل الى ان "هناك متابعة يومية وتقويما دائما منذ بدء الأحداث في سورية لتطورات الوضع، وفي حال وجود أي خطر سيتم تغيير خط الرحلات اذ يبقى الأهم بالنسبة للشركة أرواح العاملين والمسافرين"، موضحاً "ان لا خطر ما دمنا مستمرين في التحليق في الخط المتبقي وهو فوق المنطقة المعروفة بـ Lebor ثم فوق منطقة القريتين (السورية) قبل ان تصل الطائرة الى نقطة محددة فإما تسلك مسار اليمين نحو الاردن وإما مسار الشمال نحو العراق"، وأضاف: "الموضوع دقيق وقد توقفنا عن عبور خطيْ الشام وحلب، لكن ما دامت هناك تطمينات دولية سنستمر في الطيران والخطر الكبير سيكون اذا امتلكت الجماعات المسلحة على الأرض أسلحة مضادّة للطائرات".

وعن المعلومات حول اتخاذ شركات طيران غربية قراراً بتغيير مسار رحلاتها نتيجة إطلاق الروس صواريخ "كروز" في اتجاه سورية وعبورها أجواء ايران والعراق، فلماذا لم تحذُ "الميدل ايست" حذو تلك الشركات؟ أجاب خليل: "الشركات التي غيّرت مسار رحلاتها أخذت بتحذيرات من الطيران فوق شمال سورية وشمال العراق وبحر قزوين ومنطقة من شمال ايران، وهذا ليس الخط نفسه الذي تعتمده (الميدل ايست)، لافتاً في الوقت نفسه الى ان الصواريخ التي أُطلقت تسير على خط منخفض جداً كي لا تكشفها الرادارات وبالتالي هي لا تشكّل خطراً في المبدأ على الطيران".

من جهته، ردّ المدير العام السابق للطيران المدني الدكتور حمدي شوق على سؤال عن الأسس التي تبني شركات الطيران على أساسها قرارها بالطيران فوق مناطق الحروب، قائلاً: "ليست هناك شركة تخاطر بأرواح ركّابها وعامليها. وقرار الطيران فوق المناطق المشتعلة يُتخذ بالنظر الى موقف الامم المتحدة من الطيران في أجواء هذه المنطقة، أي هل هناك حظر دولي أم لا؟ ثانياً يُنظر إلى قرار شركة التأمين الدولي على الطائرات وهل تفرض تحفظات على مناطق معينة ام لا؟ فإذا فرضت تحفظات عندها فمن المستحيل أن تخاطر الشركة بالطيران في هذه الاجواء"، واستطرد: "بما ان المنظمة العالمية للطيران المدني ICAO، أبقت على الممرات الجوية فوق سورية مفتوحة، وبما ان شركات التأمين لا تزال تؤمن التغطية لطائرات شركة الميدل ايست، فإن الامر بعد توافر هذين الشرطين يعود لشركة الطيران في تقدير المخاطر ودرس الأمر من عدة جوانب سواء الأمنية او الاقتصادية، وعليه تبني قرارها".

وفي ما يتعلق بشركة طيران الشرق الأوسط فإنها ليست المرة الأولى التي تسلك طائراتها مناطق الحروب، فقد حصل الامر ذاته خلال الحرب في يوغسلافيا وكرواتيا اذ استمرت باستخدام أجواء هذه الدول بشكل طبيعي، ذلك ان تغيير مسار الطيران، بحسب شوق، واتخاذ خط مصر للوصول الى الدول الخليجية او خط تركيا - العراق يعني زيادة التكلفة الاقتصادية على الشركة "فلو حسبنا تكلفة الفيول فقط تصل الى أرقام كبيرة، واذا أخذنا عدد الرحلات التي تسير يومياً والمدى الذي سيصل اليه هذا الرقم لو ضُرب على أيام السنة، نعلم حجم الخسارة"

الراي الكويتية