تتواصل الاتصالات الأميركية- الروسية لحسم «عقدتي» التصور الذي قدمه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى اجتماع فيينا أول أمس، وتتعلقان بمدة المرحلة الانتقالية بين 6 أشهر و18 شهراً وإمكانية ترشح الرئيس بشار الأسد إلى الانتخابات الرئاسية في نهاية المرحلة الانتقالية، على أن يحصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في جولته في المنطقة على أجوبة قبل عودته إلى البيت الأبيض و «عقد لقاء حاسم» في فيينا الجمعة المقبل 

وقالت مصادر مطلعة لـ «الحياة» أمس أن اجتماع فيينا تضمّن «تنازل» موسكو عن دعوة إيران كما كانت تطلب سابقاً في مقابل «مرونة» واشنطن إزاء الهيئة الانتقالية ودور الأسد، مشيرة إلى أن محادثات لافروف ووزراء الخارجية، الأميركي جون كيري والسعودي عادل الجبير والتركي فريدون سينرلي أوغلو تضمّنت تقديم التصوّر الروسي الذي كان الرئيس فلاديمير بوتين طرحه خلال محادثات مع الأسد الثلثاء الماضي في جلستين موسعتين وثالثة مغلقة.

ووفق التصوُّر الروسي، فإن العمليات العسكرية ستنتهي في 6 كانون الثاني (يناير) المقبل، ما يعني أن الكرملين يبحث عن «مخرج سياسي» بتقديم حل يؤدي إلى «نظام سياسي جديد من دون فراغ دستوري»، ويقود إلى «تحالف» بين القوات المقاتلة على الأرض من الجيش النظامي و «الجيش الحر» و «وحدات حماية الشعب» الكردي لتحقيق «مكاسب رمزية» ضد تنظيم «داعش»، إضافة إلى توفير «الحماية للعلويين والأقليات وحماية مؤسسات الدولة والجيش».

وقالت المصادر أن «الأفكار» التي طرحت في فيينا شملت تشكيل «حكومة وحدة وطنية» من شخصية معارضة في بداية العام المقبل، ورفض اقتراح من دمشق بـ «إعطاء أربع حقائب غير أساسية للمعارضة» على أن تتولى من المؤسسات السورية القائمة «تعديل صلاحيات رئيس الحكومة والرئيس الأسد، بحيث تنتقل الصلاحيات التنفيذية الكاملة إلى هذه الحكومة مع بقاء الأسد في منصبه بصلاحيات بروتوكولية». وهنا، جرى نقاش بين الحاضرين إزاء احتمال بقاء الجيش والأمن تحت صلاحيات الأسد، وفق فهم روسي سابق لطبيعة العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة. ولكن بدا واضحاً في التصور الروسي إشراف حكومة الوحدة الوطنية على الأجهزة الأمنية لـ «إعادة هيكلتها وإصلاحها»، وفق المصادر. وستكون هذه الحكومة شريكاً في الحرب على الارهاب.

وتضمنت الأفكار أيضاً تأجيل الانتخابات البرلمانية السورية المقرّرة في أيار (مايو) أو حزيران (يونيو) المقبل، علماً أن دمشق كانت أبلغت موسكو بإمكانية إجراء هذه الانتخابات في وقت مبكر بحدود شهرين، الأمر الذي لم يلقَ قبولاً، إضافة إلى إجراء «مراجعة للدستور لتعديله»، بحيث تجري عملية إقرار صلاحيات الرئيس وصلاحيات رئيس الحكومة، في ظل أفكار عن نحو 23 صلاحية في أيدي رئيس الجمهورية، كان معارضون ومؤسسات دولية اقترحوا تعديلها. وتضمّنت المبادرة الإيرانية ذات النقاط الأربع بنداً لـ «مراجعة الدستور»، الأمر الذي اعتُبر تقليداً للنموذج اللبناني في العلاقة بين الرئاستين.

وتنتهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات رئاسية بموجب الدستور الجديد. لكن الخلاف الذي ظهر في اجتماع فيينا، يتعلق بمدة هذه المرحلة. إذ إن الجانب الروسي يرى ضرورة أن تستمر إلى 18 شهراً «من أجل طمأنة العلويين والأقليات إلى أنهم جزء من النظام الجديد مع تأكيد علمانية الدولة، وكي يجري الحفاظ على مؤسساتها»، بعدما «تنازل» الروس عن اقتراح سابق بانتهاء المرحلة الانتقالية مع انتهاء ولاية الأسد في العام 2021. أما تركيا ودول أخرى فتتحدث عن ستة أشهر باعتبارها «مرحلة كافية وضرورية لإقناع المعارضة بالعملية السياسية، خصوصاً لجهة التخلي عن شرط تنحّي الأسد»، وفق المصادر. وأضافت أن «العقدة» الثانية تتعلق بإمكانية ترشُّح الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية. وتردّد أن بوتين وعد خلال اتصالاته مع قادة عرب وإقليميين بعد زيارة الأسد لموسكو بعدم ترشح الرئيس، لكن المصادر أشارت إلى أن هذا الأمر لا يزال يجري التعامل معه ضمن مبدأ «الغموض الإيجابي البنّاء». ولفتت إلى أن أميركا أبدت مرونة إزاء مبدأ «الهيئة الانتقالية» بموجب بيان جنيف للعام 2012 مقابل تنازل روسيا عن دعوة إيران إلى «مجموعة الاتصال» الرباعية، مع رغبتها في دعوة مصر والأردن.

وقال مسؤول غربي: «كان هناك إصرار أميركي على تنحّي الأسد ثم تبدأ العملية السياسية، ولكن بات هناك اتفاق على بدء العملية السياسية ثم نبحث في مصير الأسد». ونبّه إلى ضرورة التعامل بـ «واقعية حذرة مع انطلاق العملية التي تقف تحديات أمامها، بينها غياب الثقة بين واشنطن وموسكو وغياب إيران». وأضاف أن أميركا وروسيا «متفقتان على استبعاد الدول الخمس الدائمة العضوية من صيغة مجموعة الاتصال».