في الخامس عشر من تشرين الأوّل الجاري دخلت ميشلين ناصيف المستشفى لإيلاد ابنتها التي حملتها تسعة أشهر وانتظرتها سنوات. دخلت غرفة العمليّات، ولدت الطفلة وتوفيت. وهبت ابنتها حياة خسرتها هي. كانت ميشا (كما ينادونها) تملأ الدنيا صخباً وضحكاً في طريقها إلى المستشفى لتلد ابنتها التي انتظرتها بشوق فتكحّل نظرها بها، هي التي أنجبت ثلاثة صبيان وكرّست حياتها لهم، انتظرت لحظة حمل دميتها بين يديها طويلاً، لكن القدر لم يحقّق لها أمنيتها.
فماذا حصل تلك الليلة داخل غرفة العمليّات؟ كيف رحلت ميشلين بعدما وهبت الحياة لصغيرتها نور - ميشا؟
ذهبت ميشلين تلك الليلة إلى المستشفى كما هو مقرّر لوضع ابنتها، التي حضرت جميع أنواع الضيافات لاستقبالها واختارت لها اسم نور، وأدخلت غرفة التوليد مرّت ساعات وبقيت داخل تلك الغرفة، طال وجودها من دون أن يُعرف وضعها، فيما العائلة تنتظر خارجاً خبراً مطمئناً.
كانت ميشلين تعبة عند وصولها المستشفى، يروي صهرها نزار بلوط (وهو المرنّم المعروف بنزار فارس) لـ"النهار": "بعد وضع الطفلة توقّف قلبها عن الخفقان، وكان جسمها ضعيفاً وتعاني فقر دم، حاولوا إنعاشها لكن جرح الولادة في أسفل بطنها كان لا يزال مفتوحاً ويعمل الطبيب على إخراج البلاسنتا منه، فأصيبت بنزيف حادّ. أجريت لها الإسعافات الضروريّة ونجحوا في وقف النزيف وتنظيف الجرح وختمه، ولكن جسمها ضعف كثيراً، وراحت نبضات قلبها تخفت تدريجاً، إلى أن انخفض ضغط الدم، ولم تعد تستجيب لأي إسعاف، وتوفيت".
هل كانت ميشلين ضحية خطأ طبي أو إهمال في المستشفى سلبها حياتها وحرم ذويها منها؟
تجزم العائلة أن ميشلين ماتت بإرادة من الله، لا بسبب خطأ طبي أو إهمال في المستشفى، وتؤكّد أنه لم يكن هناك أي خطر على حياتها نتيجة حملها، ويضيف بلوط: "إنها إرادة الربّ. لو لم تتوفَّ بهذه الطريقة، كانت ستموت بطريقة أخرى. طوال فترة حملها كانت طبيعيّة ولم تواجه أي مشكلة ولم يكن هناك أي خطر على حياتها، ولكنه قدرها ومشيئة الله".
الطفلة التي ولدت يتيمة الأمّ بخير، وتحوّلت أملاً لعائلتها للاستمرار بعدما فجعت بفقدان جوهرة عزيزة عليها بحسب ما يؤكّد بلوط، ويضيف: "البنوت كتير منيحة وبتجنن، وهي القوة للعيلة المنهارة. أصعب التجارب أن يموت الولد قبل أهله".
من هي ميشلين بالنسبة إلى عائلتها ورفاقها وتلاميذها؟ وكيف عاشت حياتها؟
تزوجت ميشلين منذ خمس عشرة سنة من العقيد في الجيش اللبناني نبيل ناصيف، وأنجبت منه ثلاثة صبيان مجد وراي وجون، وفتاة وحيدة أطلق عليها اسم نور – ميشلين، نور رغبة من والدتها وميشلين تخليداً لذكراها.
عاشت ميشلين حياتها بإنسانيّة طاغية، لم تفارق الضحكة محيّاها في الأوقات السعيدة والحزينة، تلك الابتسامة كانت نعمة الله لها وقوتها في أشدّ الصعاب، قرّبتها من الناس وحبّبتهم بها. كرّست حياتها لعائلتها وأولادها، كانت السند لشقيقتها مايا والرفيقة لشقيقها ماجد، كانت علامة فارقة لأصحابها وتلاميذها في صفّ الموسيقى التي هوتها.
رحلت ابنة الأربعين، تهاوت سنينها كأوراق خريف، وتركت غصون بيتها عراة. رحلت لأن الموت حقّ يختار الله توقيته المناسب، إنها مشيئته، أخذ ميشلين الكبرى، وأنعم على العائلة بميشلين صغيرة ستكون النور والأمل في ظلمة الحياة.