ما كتب عن زيارة الرئيس الأسد المفاجئة لموسكو لم يشر الى موقف إيران منها والتي أظهرت أن موسكو وطهران لا تتحدثان لغة واحدة حيال هذه المرحلة من الحرب السورية. المتابعون للزيارة لفتوا الى أن ظهور الأسد في الكرملين وحيداً انطوى على معنى أن الرئيس بوتين رغب في إسماع الأسد كلاماً لا يريد أن يصل الى طهران. كما أن بوتين الذي غامر بالتورط المباشر في الحرب السورية وجد أن إمكانات قوات الأسد والمرشد الايراني الإمام علي خامنئي في الميدان مخيبة للامال حتى الآن، فظهر معها فشل مزدوج في الجو والبر معاً وفتح الباب أمام تقدم المعارضة السورية بما ينذر بتغيير اتجاهات الحرب بما لا تشتهيه سفن بوتين. من هنا لا يمكن المرء أن يعتبر هذا التدفق الايراني للمواقف والمعلومات مترافقا مع زيارة الأسد مجرد صدفة. ففيما كان مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية أمير عبد اللهيان يعلن من لندن أن العلاقات الايرانية – الروسية "مستدامة واستراتيجية"، وترافق هذا الاعلان مع معلومات عن عرض إيراني لروسيا للمشاركة في مشاريع تفوق قيمتها 28 مليار دولار، سألت صحيفة "اطلاعات" الايرانية: "... هل أن روسيا ستستمر في اللعبة أم أنها ستنسحب فور الانتهاء من ضمان مصالحها في المنطقة؟".
مما زاد ريبة طهران مسارعة بوتين بعد مغادرة الأسد موسكو الى إجراء الاتصالات الهاتفية بزعماء السنّة في الشرق الاوسط وتحديداً في السعودية وتركيا ومصر والاردن، فيما لم يعلن عن أي اتصال بين الكرملين والمرشد الايراني. كما أن الموقف السعودي الذي استبق محادثات فيينا امس وعبّر عنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبيّر لم يتغيّر بعد زيارة موسكو، إذ قال إن الحرب في سوريا "لا يمكن أن تنتهي إلا مع خروج غير مشروط للاسد من سوريا".
التوفيق بين مصالح روسيا مع الغرب ومصالحها مع إيران دخل مرحلة حرجة. وبدا أن سعيّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى إقناع أطراف محادثات فيينا بضم طهران اليها بمثابة محاولة يائسة تشبه سعي بوتين قبل هذه المحادثات الى تجميل الأسد بالقول إن الاخير "مستعد للحوار مع المعارضة المسلحة". لكن صدى هذا السعي كان سلبياً من سائر أطراف المحادثات. لا بل أن العملية التي نفذتها القوات الاميركية وأدت الى تحرير 70 رهينة غرب كركوك بالعراق كانت أبلغ الرسائل الميدانية من واشنطن الى موسكو ومفادها: "تدّعون أنكم أتيتم الى محاربة داعش لكنكم لم تفعلوا. أما نحن فدخلنا وللمرة الاولى في مواجهات برية مع التنظيم ونجحنا".
المفاجآت غير السارة المرتقبة في الحرب السورية تتهيّب منها روسيا. وتفادياً لها، هناك من يرى أن الطريقة التي غادر بها الأسد سوريا الى موسكو قبل أيام تمثل بروفة لرحيله النهائي عند الحاجة. وهذا ما يخشاه خامنئي أن تكون سلامة رأس بوتين تعني التضحية برأس الأسد.
أحمد عياش