في مناسبة عاشوراء ارتأى موقعنا إجراء مقاربة بين النظرة السنية لعاشوراء وبين الرأي الشيعي بها ، ومن بعد أن حاورنا أحد مشايخ السنة وسلطنا الضوء على قيمة آل البيت (ع) بالنسبة إليهم وموقفهم من الحسين ويزيد ..
اتجهنا للعلامة السيد محمد حسن الأمين لمحاورته في النقاط التي تشكل جدلاً أساسياً بين السنة والشيعة في كل من مأساة كربلاء وعاشوراء .
ففيما يختص بعدم إقامة السنة حداداً سنوياً على الحسين (ع) ، لكونه ليس أعظم عندهم من الرسول (ص) وحيث أنهم لا يجددون الحزن على النبي فبالتالي لا يجددونه على آل بيته (ع) ، وإن كان الشيعة يعتبرون هذا الأمر مأخذ على السنة ؟
اعتبر العلامة السيد محمد حسن الأمين أن تجديد الحزن على الإمام الحسين (ع) هو من حيث المضمون والجوهر تجديد للحزن على نكسة كبيرة أصابت الدعوة الإسلامية نتيجة الإنحراف الذي اتسم به الحكم الأموي ونتيجة توريث الخلافة من قبل معاوية ليزيد ( الذي لا يستحقها) مع وجود الإمام الحسين الذي يستحق هذه الخلافة وكان الأولى بإدارة شؤون المسلمين .
وهذه الجريمة التي حصلت في التاريخ أي مقتل الحسين وأبنائه وأهل بيته تركت أثاراً عميقة في نفوس المسلمين جميعاً ، وليس من أحد من المسلمين لا يحزن لهذه الكارثة او المأساة التي أصابت أهل البيت ولكن يوجد فرق بين السنة والشيعة ، فالشيعة يقيمون في كل عام وفي ذكرى موقعة كربلاء هذه الشعائر التي يحاولون من خلال إقامتها إعلان ولائهم للنهج الذي يمثله الإمام الحسين وأهل البيت في مواجهة النهج الذي كان يمثله يزيد بن معاوية والذي لا يختلف السنة والشيعة في أنه لم يكن صالحاً ، إذ ليس هناك أحد من أهل السنة يدافع عن يزيد أو يدافعون عن شرعيته .
وعن عدم إدانة السنة لمعاوية كونه من الصحابة ، اعتبر العلامة السيد محمد حسن الأمين أنّ السنة والشيعة متفقون على أنّ شرعية الخلافة تأتي من خلال البيعة التي يقوم بها المسلمون لشخصية منهم (لأحد الصحابة) ، وبالتالي تمّت للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكانت بيعة شرعية والسنة يقولون أن علي عليه السلام هو الخليفة الرابع .
أما معاوية فقد خرج عن الخليفة وقام بإنقلاب وبالتالي لم يكن لخلافته أي شرعية خاصة عندما وقع الصلح بينه وبين الإمام الحسن الذي استهدف منه الإمام الحسن (ع) حقن دماء المسلمين حتى لا يكون هناك حرب ، وكان هذا الصلح يتضمن أن معاوية يبقى خليفة الأمر الواقع ولكن لا يجوز أن يوصي بالخلافة من بعده بل أن تكون الخلافة شورى وليس وصية من خليفة لآخر ، وقد ابتدع معاوية هذه البدعة وأسس لها في التاريخ الإسلامي ما بعد معاوية ( الأموي والعباسي) وهذه شكلت ضربة موجعة للإسلام ودولة الإسلام .
لذا فشرعية معاوية لا أساس لها لا سيما وأنه خرج عن إمام زمانه (علي بن أبي طالب عليه السلام) وعن طاعته واستقل بدولته في الشام وجند الجنود لمحاربة الإمام أي الخليفة الشرعي ، فكيف يمكن اعتبار خلافة معاوية خلافة شرعية وهو السبب المباشر في تولية يزيد الخلافة رغم معرفته بأنه سكّيراً ، خارجاً عن كل تعاليم الدين وهذا ما لا ينكره أحدهم .
وعن مفهوم عاشوراء عند السنة وارتباطه بموسى عليه السلام ، وصوم هذا اليوم ، وما يعتبره بعض الشيعة على أنه "شماته" من قبلهم بمقتل الحسين .
أشار السيد محمد حسن الأمين أنّ صوم عاشوراء هو أمر آخر لا علاقة له بموقف السنة من كربلاء ومن المأساة وبأن هذا اليوم كان دموياً ، وأضاف أنه لم يجد أحد من العلماء السنة سواء في عصرنا الراهن أو عصورنا الماضية يظهر أي شماتة بإستشهاد الحسين ، بل على العكس علماء السنة في التاريخ وفي الوقت الراهن وفي كل العصور لهم الموقف نفسه الذي هو للشيعة من حيث التعاطف مع أهل البيت ومع الحسين والتنكر لمعاوية وهذا حق ، ولم يلحظ أنّ أحداً من السنة يدافع عن يزيد بن معاوية أو يشمت بمقتل الإمام الحسين وآل بيته على الإطلاق .
وعن توجيه دعوة للسنة بتجديد الحزن والتشارك مع الشيعة في مجالس العزاء لتعزيز الوحدة ، قال السيد محمد حسن الأمين أنه لا شك أن ذلك يعزز الوحدة ، ولكن لا بد من تصحيح خطأ شائع بين العامة وليس بين النخب والمثقفين والمؤرخين ، فالعامة يتخيلون أن الحسين كان شيعياً وأن يزيد كان سنياً ، وفي الواقع لم يكن هناك لا شيعة ولا سنة ، نعم كان هناك وفي الصراع بين علي عليه السلام وبين معاوية كان يطلق على بعض الناس أنهم شيعة علي وعلى البعض الآخر الذي سار في ركاب معاوية شيعة معاوية .
إذ أنّ كلمة شيعة كانت تعني حزب فلان ، والذين كانوا في حزب علي هم المسلمون الحقيقيون والذين أصبحوا فيما بعد ينتمون لمذاهب متعددة منهم شيعة ومنهم سنة كما نقول اليوم وهذا خطأ تاريخي ، فالشيعة هم سنة في الواقع لأنهم يأخذون بسنة النبي (ص) والسنة هم شيعة لأنهم يتشيعون لعلي في مقابل معاوية وفي مقابل يزيد .
بهذا المعنى هناك خطأ تاريخي يجب أن يتم تسليط الضوء عليه بإستمرار لأنه لا خلاف عقائدي بين السنة والشيعة وأن عملية إثارة المشاعر المذهبية والطائفية مسألة تتنافى كلياً مع المبادئ الشيعية والمبادئ السنية ، فالشيعة هم سنة في إتباعهم لسنة رسول الله والسنة هم شيعة في اتباعهم لأحقية علي بالخلافة اتجاه معاوية .
وأما ما يحصل الآن فهو جزء من صراع تمليه اعتبارات سياسية وليس اعتبارات دينية وتمليه أيضاً اعتبارات تنتمي إلى الجهل وإلى الروح والنزعة القبلية التي لم ينتزعها مع الأسف الإسلام كلياً من النفوس فتحولت المذاهب الإسلامية من مذاهب فكرية إلى ما يشبه القبائل واصبح الإرتباط بالمذهب إرتباطا عصبيا وليس ارتباطا فكريا - فقهيا ، وهذا مظهر من مظاهر التخلف في الاجتماع الاسلامي وليس مشكلة دينية على الإطلاق حيث أنّ المذاهب هي طرق متعددة واجتهادات متنوعة في إثراء الفقه الإسلامي والتجربة الإسلامية والفكر الإسلامي ولا يمكن أن يكون المسلمون هم نسخة واحدة ، فكل اجتماع حضاري حقيقي يتضمن الإختلاف والتعدد ، وهذا الإختلاف والتعدد يجب أن يكون عنصر قوة لا عنصر عصبية ولا عنصر نفي متبادل وحقد متبادل ...
لذلك فإن وعياً دينياً حقيقياً ومعمقاً بإمكانه أن يتجاوز مثل هذه الصراعات ومثل هذه الخلافات ، ومجتمعنا الإسلامي لديه أزمة وعي حقيقية ناتجة عن الجهل وعن المعرفة الناقصة في مقاصد الإسلام وفي تعدد الرؤى والتوجهات الإسلامية والتي تمثلها هذه المذاهب العظيمة التي نشأت في مرحلة الإزدهار الذي أبدع وأنتج عدداً من المذاهب والتي إنقسم المسلمون بها إلى فرق متعددة ينتمي كل منهم إلى مذهب .
وأوضح السيد محمد حسن الأمين ، أنّه يدعو دائماً وفي محاضراته الفكرية إلى العودة للمرحلة المشعة والمضيئة في تاريخ الإسلام أي لمرحلة الإجتهاد الذي يمكّن الفكر الإسلامي من الحركة والإبداع بحيث يمكن أن نطوّر هذا التعدد الذي حصل في العصر العباسي تقريباً ، وأن نتفق حول بعض الأمور وأن نتحاور حول بعض الأمور الأخرى وأن نبدع رؤى جديدة ايضاً لأن الإسلام لم يتوقف عند القرن الرابع هجري فالإسلام مستمر لآخر الزمان ولذلك على العقل الإسلامي أيضاً أن يكون مستمراً لآخر الزمان في دراسة الإسلام وفي ابداع كل أشكال صور الاجتهاد والتفاعل والحوار الفكري بين المسلمين وهذا ما يجعل المسلمين أقدر على بناء علاقات متوازنة وبعيدة عن العقلية الجاهلية والعصبية الجاهلية والتي هي سمة واضحة فيما يسمى بالصراع السني الشيعي .
كما إنّ الإسلام هو أطروحة إلهية نزلت إلى البشر وعلى البشر أن يُعملوا عقولهم في معرفة هذه الأطروحه وفي تحليلها وبالتالي اتخاذ المواقف الاجتهادية لقراءة النص الإسلامي ، ففي حينها تزول أي مشكلة عصبية - مذهبية وتصبح القضية قضية فكرية وقضية حوار فكري وقضية حرية وهذا شرط اساسي - حرية التفكير - فعندما نؤمن بحرية التفكير وحرية الإختيار نصبح مسلمين حقيقيين .
أما إذا ظلت عقولنا مسرحاً للأحادية أي القول أن الحقيقة هي واحدة يملكها مذهب واحد فنحن في جهل كامل ، وأيضاً هناك من يردد عبارة سواء كانت صادرة عن النبي أو لم تصدر ألا وهي : "
تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة "
فعلى فرض أنها صدرت فإن العقول القاصرة لن تستطيع فهمها فهماً جيداً لأنّه ليس المقصود فرقة اي المذهب الفلاني ، وإنما هناك فرقة مؤلفة من كل الفرق بمعنى أن المتدينين من كل الفرق يشكلون فرقة واحدة ، وليس أن السنة هم الناجون أو الشيعة هم الناجون .
وختم العلامة السيد محمد حسن الأمين قائلاً :
المسلمون للأسف تجمدوا عن القرن الرابع الهجري ولم يعملوا عقولهم بمزيد من الاجتهاد والابداع ، وأزمة المسلمين اليوم هي أزمة تخلف حضاري وأنا أدعو للتجدد الحضاري ولإطلاق نهضة التجدد الحضاري للمسلمين كافة ، وهذه المسيرة لا تطلق من خلال اتجاه واحد أو مذهب واحد بل لا بد أن يتشارك في هذه العملية كل المذاهب الإسلامية التي تؤمن بضرورة التجدد الحضاري للعالم الإسلامي الذي بكل اسف نعترف جميعاً أنه متخلف كثيراً عن العصر الراهن ومنجزات العصر الراهن ، وهذا التخلف هو بسبب تخلف الفكر وتخلف الحوار والإختلاف وبالتالي الإبداع ..
فالإنسان خلق على هذه الأرض ليكون مبدعاً متطوراً وإلا لا يمكنه أن ينفذ إرادة الله في تمثيل الخلافة الإلهية على هذه الأرض .