عندما وصلت أصداء الاشتباك السياسي العنيف بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" الى الرئيس نبيه بري خلال زيارته الأخيرة الى بوخارست وجنيف، لم تظهر عليه أي علامة من علامات القلق على مصير حوار عين التينة، بل بدا مطمئنا وهادئا، كأنه كان واثقا في أن التهديد بالانسحاب من الحوار ليس أكثر من زوبعة في فنجان.. خطاب.


بعد أيام، وفيما كان بري "يتمشى" في القاعة الفسيحة في عين التينة، راح يتلقى من زواره سيلا من الأسئلة حول مستقبل الحوار بين "حزب الله" و"المستقبل"، على وقع التصعيد الكلامي المتبادل. ابتسم بري، وأحال سائليه الى البيان الذي كان قد صدر للتو عن "كتلة المستقبل" بعد اجتماعها، وما تضمنه من إصرار على المضي في الحوار.
أكثر من ذلك، بدا بري، وفق "السفير"، متأكدا من أن الموقف الذي أطلقه وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال إحياء ذكرى اللواء وسام الحسن، ملوحاً بمغادرة الحوار والحكومة، هو اجتهاد لا يعبر بدقة عن مناخ الرئيس سعد الحريري في هذه اللحظة السياسية، معربا عن اعتقاده بأن كلام وزير الداخلية لم يكن منسقا مسبقاً مع الحريري.


وإذا كانت للمشنوق اعتباراته التي دفعته الى رفع سقف خطابه ضد "حزب الله" في هذا التوقيت بالذات، فإن أوساطا بارزة في فريق "8 آذار" تعتبر أن مردود هذا الموقف على وزير الداخلية أتى سلبياً في الحصيلة النهائية، إذ ان صورته التي كانت مقبولة الى حد ما لدى قيادة الحزب وبيئته، تلقت ضربة قوية، وبيده شخصيا، من دون أن يحصد في المقابل الاحتضان المنتظر من تياره الذي تملص، ولو بتهذيب، من تهديد المشنوق بمغادرة الحوار والحكومة، كما تبين أولا من بيان "كتلة المستقبل" برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وثانيا من توضيحات الحريري اللاحقة.


أما "حزب الله"، فيعتبر أنّ "المستقبل" هو الذي أحرج نفسه بنفسه، عندما تورط أو ورطه أحد أعضائه بموقف غير محسوب، ثم جرى التراجع عنه، بعد محاولة التخفيف من وطأته وإعطائه تفسيرات شتى، وبالتالي فإن الحزب يتصرف على قاعدة أن من أوحى بأنه يريد الانسحاب، عاد وقرر أن يبقى، وهذا شأنه.
ويؤكد المطلعون أن الحوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" سيستمر حتى إشعار آخر، مشيرين الى أن وظيفته الاحتوائية لم تنته بعد، بمعزل عن إنتاجيته المتواضعة حتى الآن.


ويلفت هؤلاء الانتباه، كما تشير "السفير"، الى أنّ أحداً ليس جاهزاً، أقله في الوقت الحاضر، لقلب طاولة عين التينة، رأسا على عقب، حتى لو كان الحوار هو لمجرد الحوار، مشددين على أن بقاء التواصل مطلوب في هذه المرحلة الحساسة، ويكاد يكون هدفا بحد ذاته، لا سيما أن لقاء "حزب الله" ـ "المستقبل" يكاد يمثل اللقاء الشيعي - السني شبه الوحيد في المنطقة الملتهبة، التي تندلع في ساحاتها حرائق يغذيها الحطب المذهبي بالدرجة الأولى.


ويعتبر المطلعون أن استمرار الحوار برغم الاهتزازات المتلاحقة التي يتعرض لها من حين الى آخر، يزيد مناعته، مشيرين الى أن صموده يعكس وجود قرار كبير، محلي - إقليمي، بالمحافظة عليه وإطالة أمده قدر الإمكان، لان الجميع يدرك أن البديل منه غير متوافر حاليا، في ظل شلل المؤسسات الدستورية وتحلل جسم الدولة. وبالتالي فإن لحظة الإعلان عن وقف الحوار، في مثل هذه الظروف، ستشكل لحظة الانتقال الى مرحلة الاحتمالات المجهولة التي سيكون أحلاها... مراً.


ويبدو واضحاً أنّ القرار بمواصلة الحوار، ولو من دون نتائج عملية، إنما يشكل جزءاً من خيوط مظلة الحماية التي لا تزال تمتد فوق لبنان، والتي لا يملك انفعال أو اجتهاد، من هنا أو هناك، أن يمزقها.